بعض أعضاء الحكومة المصرية يحتاجون مدرسين خصوصيين فى مادة السياسة، خصوصا فى الفصل المعنون «ما الذى يقال وما الذى لا يقال علنا».
فى أسبوع واحد رأينا كيف أن زلات لسان الوزراء يمكن أن «تودى الحكومة فى داهية»، وتنسف بعض الأشياء الإيجابية التى تفعلها.
سمعنا وزير العدل السابق المستشار محفوظ صابر يعلن على الملأ، أن ابن عامل النظافة لا ينبغى أن يصبح قاضيا، ثم خرجت علينا وزيرة التطوير الحضرى د. ليلى اسكندر بتصريح غريب بأن «الصعايدة» هم سبب مشكلة العشوائيات فى مصر!!.
وزير العدل تم إجباره على الاستقالة. ما قاله الرجل كان صادما، لكنه فى المقابل كان تعبيرا فجا عن أمر واقع، وبالتالى فإن الرجل دفع ثمن صراحته، وبعد خروجه من المنصب يبدو متمسكا بما قال.
وزيرة العشوائيات تبرأت لاحقا من التصريح، وقالت إن ما نشر على لسانها «غير دقيق»، وهو التعبير الشهير الذى يقوله كل مسئول يريد أن يتراجع عن تصريحاته، خصوصا بعد الانتقادات الواسعة التى تعرضت لها اسكندر من ناشطين صعايدة طالبوا بإقالتها أو على الأقل اعتذارها.
الكثير من الكتاب والمعلقين ناقشوا مضمون ما قاله الوزير والوزيرة وأشبعوه تحليلا، وبالتالى علينا أن نلتفت إلى نقطة أخرى مهمة وهى كيفية تدريب الوزراء على أن يكونوا سياسيين.
هذا الأمر ليس هزلا أو سخرية أو دعابة، هو أمر مهم جدا، وفى كل البلدان التى تريد أن تتقدم، فالطبيعى أن يكون الوزير سياسيا مخضرما.
فى البلدان الناضجة ديمقراطيا يندر أن يأتى وزير إلى منصبه فجأة، من الجامعة أو القضاء أو الشرطة أو الجيش، هذا لا يحدث إلا فى البلدان النامية. فى هذه البلدان المتنورة يبدأ الوزير حياته عضوا فى حزب ويتدرج فى المراكز القيادية حتى يصير كادرا وناشطا، وعندما يصل حزبه إلى السلطة، فمن الممكن أن يتولى منصبا وزاريا أو فى أى جهة مهمة. عندما يحصل على هذا المنصب يكون قد قضى فترة قد لا تقل أحيانا عن عشر سنوات فى العمل السياسى، وبالتالى يكون قد عرك وخبر وفهم دهاليز العمل السياسى، وتدرب على الخطابة ومواجهة الجماهير وفهم القضايا الداخلية والخارجية، والنتيجة أن هذا الوزير يصعب عليه أن يقع فى خطأ فادح من قبيل ما وقع فيه وزير العدل المستقيل.
الوزراء والمسئولون فى الخارج يخضعون إلى دورات متخصصة فى موضوعات متعددة مثل كيف يتحدث إلى الناس، وكيف يخاطب الإعلام، وكيف يتعامل أمنيا إذا سافر للخارج، خصوصا فى مسائل المعلومات والنساء والأموال.
وبما أننا فى مصر ومعظم الوزراء يأتون من طبقة التكنوقراط ولم يسبق لهم أن مارسوا العمل السياسى الطبيعى، وبما أن الحكومة لا تريد صداعا مستمرا فى رأسها من جراء زلات اللسان الفادحة التى يقعون فيها، فإننى أقترح جادا أن تكون هناك ورشة عمل أو دورة أو برنامج تأهيلى للوزراء وكبار المسئولين يتعلمون فيها كيفية التعامل مع الناس والاعلام.
فى هذه الدورة، لابد من تثقيف الوزراء على كيفية مواجهة وسائل الإعلام، والتفكير مرة واثنتين وعشرين وألفا قبل الإجابة عن أى سؤال، لأن كلمة عابرة من هذا الوزير أو ذاك قد تكبد الحكومة ما لا تطيق.
فكرة الدورة أو الورشة لا تنتقص من قيمة الحكومة أو الوزير، بل الذى يقود لذلك هو قلة الخبرة التى تؤدى إلى كوارث.
لدينا معهد إعداد القادة، ولا أعرف ماذا يفعل على أرض الواقع.. ومن القادة الذين خرجهم.. ولماذا لا يتبنى اقتراحا لإعادة تأهيل وتدريب الوزراء وكبار المسئولين، وإذا كانت تلك ليست مسئوليته فليقم بها مكان آخر.
الحكومة يفترض أنها لا تملك ترف أن نتلقى الطعنات من بعض أعضائها!.
نقلاً عن جريدة الشروق
عماد الدين حسين: تعتيم ماسبيرو