آخر لقطات للفنان والصحفى الكبير سعيد عبد الغني شاهدناها قبل أقل من عام، أثناء تكريمه فى المهرجان الكاثوليكى للسينما المصرية فى دورته رقم 66، كان مرتديا البدلة البيضاء والقميص الأبيض والكرافت الأبيض.. إنه لون النقاء والبهجة، وأيضا الوداع فى كفن أبيض، وكأنه يمهد لعشاقه لاقتراب محطة النهاية، مع آخر لون أبيض يرتديه.
هذا اللون صار عنوانا لفستان الزفاف فى العالم، إلا أنه هذه المرة زفاف للسماء.
الفنان الكبير ابتعد قبل نحو 4 سنوات عن كل المعادلات الفنية، بعد أن أقعده المرض، وطوال التاريخ لم نلمحه إلا وهو محتفظ بكبريائه، تعامل مع الجميع، من مختلف الأجيال، بنفس القدر من الاحترام والشموخ.
الصحافة هى نقطة الانطلاق منذ نهاية الخمسينيات، وقد وصل لأعلى المناصب فى أهم جريدة، مصريا وعربيا (الأهرام)، كان هو المسؤول عن صفحة السينما بعد رحيل الفنان يوسف فرنسيس، مطلع الألفية الثالثة، ولم يضع يوما انتماءه للجريدة فى معادلة تعامله مع الحياة الفنية، وهو درس أتمنى أن يتعلمه الآخرون الذين يحرصون على أن يتقدموا بأوراقهم كصحفيين للحصول على أى مكاسب من الدولة، نجاحة كممثل كان هو فقط سر تواجده فى الحياة الفنية.
بيننا لقاءات قليلة جدا، وكان يداعبنى قائلا: (إحنا قرايب). وهى حقيقة، هناك صلة مشتركة فى الجذور العائلية بين آل الشناوى وآل عبدالغنى، تنتمى إلى الكاتب الصحفى الكبير محمد التابعى، لم أتتبع الخيط، يكفى أنى أحبه وأحترمه.
نرشح لك: صور: أحمد سعيد عبد الغني في جنازة والده
القرية التى وُلد بها (نوسا البحر) هى نفسها التى ينتمى إليها والدى وأشقاؤه الكبار، الشاعران كامل ومأمون الشناوى، تلك القرية التى قال عنها الشاعر الهمشرى: (منك الجمال ومنى الحب يا نوسا/ فلترحمى القلب إن القلب قد يئسا).
ربما لن تجد فى مشوار سعيد عبد الغني تنوعا كبيرا، لأسباب فى جزء منها ترتبط بملامح الدراما فى مصر، والتى تفرض على الفنان السباحة عادة فى نفس المياه الإقليمية التى تعوّد على أن يقطعها بنجاح، بالطبع هناك فنانون استطاعوا أن يقهروا هذا القانون الجائر والوجه الآخر له التنميط، إلا أن هذا الأمر كان متاحا فقط للنجوم (السوبر ستار) فى السينما المصرية، وهى المكانة التى لم يصل إليها سعيد، رغم امتلاكه كل المؤهلات، والتى تقع تحت إطار النجم الجاذب للجمهور، لكى يقطع له التذكرة، ورغم ذلك استطاع سعيد أن ينفذ من القيود ليراه الناس فى تلك المساحات المتكررة، والتى أضاف لها لمسة خاصة فى دور الشرير الناعم الوسيم الهادئ.
فى رحلة الغياب عن الضوء تكتشف أنه تعمد ألا يبحث عن التواجد بأى ثمن، كما أنه لم يطلب شيئا من الدولة، كان ينفق على نفسه من مدخراته فقط، كان واثقا أنه لن يغيب عن الحضور الدائم فى الذاكرة البصرية للجمهور.
هؤلاء الفنانون أشبه بضوء القمر منهم بضوء الشمس، (السوبر نجوم) هم من ينطبق عليهم ضوء الشمس، بينما هو يحمل وميض القمر وسحره، غاب تدريجيا عن الساحة إلا أنه لم يعانِ أبدا الأقول، ظلت مساحته تنتظره.
نرشح لك: سعيد عبد الغني.. 45 عامًا من الفن والصحافة
لم يعلن عن حقيقة مرضه حتى لا يحمل جمهوره إحساس الألم، نعم رحل بسبب التهاب رئوى، إلا أنه كان قبلها فى المستشفى يتلقى العلاج من المرض الذى هاجمه بشراسة. وصوره الأخيرة تؤكد اقتراب الرحيل، قالت عيناه بعد حصوله على جائزة تكريمه فى المركز الكاثوليكى وداعا، ولوح لهم وهو يرتدى البدلة البيضاء ليستبدلها بعد أشهر بالكفن الأبيض!.آخر لقطات للفنان والصحفى الكبير سعيد عبدالغنى شاهدناها قبل أقل من عام، أثناء تكريمه فى المهرجان الكاثوليكى للسينما المصرية فى دورته رقم 66، كان مرتديا البدلة البيضاء والقميص الأبيض والكرافت الأبيض.. إنه لون النقاء والبهجة، وأيضا الوداع فى كفن أبيض، وكأنه يمهد لعشاقه لاقتراب محطة النهاية، مع آخر لون أبيض يرتديه.
شاهد: نهايات مأساوية : حنان الطويل تحولت جنسيا ثم ماتت