قادني فضولي “الصحفي” بينما أتجول في أروقة معرض الكتاب لحضور ندوة لوزير الثقافة الأسبق فاروق حسني وما أدراك من هو، هو أشهر وزراء الثقافة في تاريخ مصر وأكثرهم جلوسا فوق كرسي الوزارة “23 سنة” وأحد أبناء نظام مبارك المقربين والمخلصين. الندوة حملت عنوان الكتاب “ربع قرن من الثقافة” حاورته فيه ورصدت شهادات مثقفين عنه الزميلة انتصار دردير.
فوجئت بعدد “قليل” من وجوه قديمة كانت قريبه منه تستعد لحضور الندوة التي شهدت حضورا “ضعيفا جدا ” من جمهور المعرض فأغلب الحضور كانوا بدعوات شخصية من مكتب الوزير الأسبق، واللافت أن المعرض لم يضع الندوة أو يروج لها في منشوراته الرسمية، وكذلك لم يحضرها أي من “مسؤولي” معرض الكتاب ؟!! وكأنها أقيمت على “مضض” عن طريق دار النشر.
الزميلة نشوى الحوفي مسؤولة دار النشر والتي أدارت الندوة في غياب مؤلفة الكتاب، أفاضت في تقديم الوزير بعبارات “مجاملة” وبليغه قبل أن تتركه يتحدث.
الوزير الأسبق بدأ حديثه متذكرا أول مشكلة واجهته حينما تولى حقيبة الوزارة عام 1987 وهي تسريح أوركسترا اوبرا القاهرة، وكيف ذهب لرئيس الوزراء عاطف صدقي وحل المشكلة ولفت إلى أنه فكر في عدم قبول المهمة حيث توقع مشكلات كثيرة ستواجه! وبدء التفكير من هنا في تنمية الموارد الاقتصادية للوزارة وهو ما سماه بالتصنيع الثقافي وأنشأ من هنا صندوق التنمية الثقافية والذي كان محل “أشهر قضايا الفساد في الوزارة” فيما بعد.
بالطبع الحوار كان هادئًا ويتيح للوزير التحدث عن إنجازاته ومعاركه الثقافية مثل معركة الحجاب، التي قال انها أصعب معاركه حيث فوجيء بالحزب الوطني وأعضاء البرلمان ينقلبون عليه بسببها، قائلا: “أظهروني وكأني كافر ولم أذهب للبرلمان لفترة طويلة بسبب ذلك حيث تباروا في قدحي والتنظير على حسابي ولم يفهموا قصدي أني أتحدث عن حجاب الأطفال”.
الوزير الأسبق لم يترك الفرصة لكي “يزيل” بعض ما علق به بعد سقوط نظامه، فذكّر عبارة الكاتب عبدالله السناوي عندما قال له: “انت تجمل وجه النظام” فرد مستعينا بأشهر عبارة قالها مبارك قبل تنحيه: “أنا كنت بعمل من أجل الوطن.. والوطن باقي وكلنا زائلون. وكنت أعمل بحرية ولا أقول كله تمام وياما تجادلت مع الريس”، ولفت إلى أنه أجبر على العودة لمنصبه عقب استقالته بعد حريق قصر ثقافة بني سويف الشهير.
وهنا أقول لو كانت نيته حقيقية كان استقال بالفعل فكانت كارثة إنسانية تستوجب الاستقالة ولكنه استغلها في صناعة استعراض سياسي ومسرحية هزلية قادها عدد من المثقفين والإعلاميين عن طريق توقيع “عريضه” لبقاءه وقد كان! فهو وقتها كان قد سيطر على معظم المثقفين واستمالهم إلى جانب كتيبة من الإعلاميين تروج له ليلا ونهارا.
وأيضا ذكر معركته الشهيرة في “اليونسكو” وأنه كان فائزا حتى الجولة الأخيرة لولا تدخل السياسة الدولية لاسقاطه عمدا، واعتبر أن ذلك أفضل لأنه كان “سيتعبهم” لو فاز بالمنصب.
وعندما جاء ذكر “ثورة يناير2011” وما تعرض له قال لم أحزن فالثورة مثل “الطوفان” تأتي على الجميع البريء والآثم! ولكنه قال كانت هناك “نوايا حسنة” والنظام كان يعمل وهناك مجموعة على أعلى مستوى من الوزراء!! وأقول هنا نسى الاحتقان لدى الشارع والجمود السياسي الذي أصاب مصر في العشر سنوات من حكم “نظامه” وكانوا يشعرون بما يحدث حولهم دون أن يحركوا ساكنا، فالنوايا الحسنة ليست كافية دون عمل جيد وجاد يا معالي الوزير.
حظيرة المثقفين
بالطبع يؤخذ على فترة فاروق حسني “الطويلة جدا” أن الإنتاج الثقافي المصري تدهور بشكل كبير وتراجع بسبب “تدجين” المثقفين وإدخالهم حظيرة السلطة عن طريق فاروق حسني، حسب تصريح شهير تم تداوله وأثبت فيه قدرة فائقة على صناعة ثقافة موجهة “للتهليل” لنظامه، فقتل بداخل المثقفين حرية الإبداع والخيال والتمرد وأصبحوا “موظفين” في مؤسسات ولجان الوزارة أو باحثين عن منح “تفرغ” وجوائز أو كتاب في منشورات الوزارة!! إلا نفر قليل منهم هرب خارج حظيرتهم وظلوا يحاولون الإبداع والتحليق بعيدا في محاولة لإيصال صوتهم، ووصل الواقعة الشهيرة أمام جمع من المثقفين العرب عن طريق صنع الله ابراهيم عندما أحرج الوزير بخطاب على الملأ رافضا فيه استلام حائزة الرواية العربية اعتراضا على سياسة نظامه.
وأيضا ظهر خلال سنواته الأخيرة ثلاث كتب تتحدث عن إخفاقات وفضائح الثقافة في عهده وهم كتاب “الثقافة ليست بخير ” للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي وكتاب “ثقافة الهزيمة” لـ عبدالسلام العمري وكتاب “مثقفون تحت الطلب” لأحد المقربين منه الكاتب الراحل محمد عبد الواحد.
وبالفعل تجد الثقافة المصرية تم تفريغها من مضمونها وأصبحت تستغل للدعاية للوزير ونظامه من خلال المهرجانات والاحتفالات الثقافية “الصاخبة” المتعددة فكانت حقبة “ثقافة التهليل” بجدارة هو يحب ذلك النوع عندما سأله أحد الحاضرين بالندوة ماذا كنت ستفعل الآن لو كنت مسؤولا للاحتفال باليوبيل الذهبي للمعرض قال: “أعمل دوشة ثقافية للاحتفال بهذا الحدث ولا اكتفي بالندوات”، ولكنه أشار إلى أن أجهزة الثقافة “طبعا بعافية” وكويس ان المعرض تم، وهو غيار جدا عندما يرى العالم العربي يسبق في مجالات ثقافية احزن !
معارضوه يرون أن سياسة وزارة الثقافة في عهده أسهمت في مظاهر صاخبة، ولم تصنع وعياً أو تؤسس لتنوير حقيقي، وأن القصور فيها يمتد من الآثار إلى الأدب مرورا بالمسرح والسينما والفن التشكيلي.
ربما نجح في إنشاءات “أسمنتية” كثيرة ومطلوبه ولكنها امتلأت بالموظفين بدلا من المبدعين.
أحمد فرغلي رضوان يكتب: vox lux.. الصدفة والألم في حياة المشاهير
شاهد: يحدث في مصر في 2019