توجهت صباح الخميس المشرق بشمسٍ شتوية دافئة، وفي صحبة ابنتي عالية، إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب، موقع المعرض الجديد، بمركز مصر للمعارض الدولية، لم يكد يظهر يومها على مرمى البصر، إلا ومشاهد الحضور الكثيف، تبشر بكسر الحاجز النفسي، لبعد موقع المعرض الجديد بالتجمع الخامس، مقارنة بموقعه القديم بمدينة نصر، تلاقت السيارات الخاصة مع سيارات الأجرة وخطوط النقل العام، فكانت الرسالة بأن الجميع هناك، نموذج حضور الأسرة ملفت للنظر، وكمان الشباب من مختلف الأعمار، إقبال متزايد فاق توقعات الحضور مع الساعات الأولى، ودفع الدكتورة إيناس عبد الدايم، إلى تشكيل غرفة عمليات برئاستها شخصياً، تتواجد بمقر المعرض، لمتابعة الأنشطة وسير العمل، وتذليل كافة العقبات المتوقع أن تواجه زواره وسط حضور جماهيري كبير، واهتماماً برصد انطباعات جمهور المعرض، وهي خطوة تنظيمية استباقية، تستحق عليها وزير الثقافة الإشادة والتقدير.
الإجراءات التنظيمية حاضرة بقوة، من أول ساحة انتظار خارجية مواجهة للمعرض، برسم دخول عشرة جنيهات مهما طالت ساعات الانتظار، وفي مظهر متحضر خالٍ من أي سلوكيات تنطع، لا تزال مزعجة في مختلف شوارع المحروسة مع كل ركنة عربية، ومروراً بطوابير دخول المعرض عبر عدة بوابات خارجية، تصاحبها إجراءات أمنية معتادة وفعالة، ولكن تضع علامة استفهام على تكرارها على بوابات القاعات الداخلية، تَزَيُد غير مفهوم الحقيقة، على أي حال، الطوابير كلها تسير في دقائق، أما قاعات المعرض الأربعة، فتتصل الأولى بالثانية، كما تتصل الثالثة بالرابعة، بملتقى يضم في دوره الأرضي مكاتب استقبال لتوجيه الزائرين، وخدمة توفير أطعمة ومشروبات، ده غير أماكن مخصصة للصلاة، ودورات مياه آدمية بعدد كبير، ومتكرر في دور علوي يضم أربع قاعات مجهزة جيداً للندوات، ويمكنك التحرك فيما بين الدورين باستخدام السلالم المتحركة.
المناطق الخارجية مميزة هي الأخرى إلى أبعد الحدود، كافة الخدمات متاحة، دورات مياه، مقاعد وفيرة للراحة، واختيارات عديدة ومتنوعة للأطعمة والمشروبات، وبأسعار متفاوتة في متناول الجميع، أما قاعات العرض الأربعة، فتضم الأجنحة ودور النشر في صفوف متتابعة، تمنح المارة مساحات مريحة للحركة داخلها وفيما بينها، ومنظمة بشكل يساعدك على الاطلاع وحفظ خريطة القاعة بسهولة، ومن خلال “شهادتي” وكتابه الآخر “شاهد على الحرب والسلام”، كان الحضور الثري لأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وزير خارجية مصر الأسبق، في ندوة أدارتها نشوى الحوفي، مدير النشر الثقافي بدار نهضة مصر، وحضرها عدد كبير من الساسة والدبلوماسيين العرب، بجوار حضور كبير من زوار المعرض، ومعظمهم شباب يفرح بوعيه وحماسه ورغبته في معرفة الحقائق، ذكريات “أبو الغيط” عادت بي سنوات إلى الوراء، معرض الكتاب لما كان عمري عشرين.
في ندوات معرض القاهرة الدولي للكتاب في الوقت ده، وفي حضور النخبة من رجال الخارجية المصرية، علمنا بطرس غالي كيف أن السياسة هي فن الممكن، كما علمنا عصمت عبد المجيد أن الدبلوماسية أن تغير موضوع الحديث دون أن تغير أفكارك، ولم يكن أسامة الباز يتوقف عن الحديث طوال ساعتين كاملتين هما مدة الندوة، حتى يتركنا بصحبة وجبة سياسية دسمة، تغنيه عن سماع أي أسئلة، وتمنحنا ما يريد قوله لا ما نتمنى أن نسمعه، أما قيمة ندوة “أبو الغيط” هذا العام، فتلخصت في استعراض عبقرية الرئيس الراحل السادات، في استخدام ثنائية السلاح والسياسة في حرب أكتوبر المجيدة، وكيف أن رجال الخارجية المصرية طوال تاريخها، يعملون وفق ثوابت لا تختلف بتغيير الأشخاص، وفي مقدمة هذه الثوابت الأمن القومي المصري، شهادة “أبو الغيط” الموثقة في كتابيه تستحق اهتمامك.
ثم كانت ندوة الشيخ أسامة الأزهري في قاعة كاتب وكتاب، حول كتابه “الشخصية المصرية” الصادر عن مؤسسة أخبار اليوم، ولم أكن أتوقع حضوراً ضاقت به القاعة، سواء من ضيوف يتقدمهم مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام ومعه الدكتور علي جمعة والنائب السيد الشريف وكيل أول مجلس النواب، أو من طلبة جامعة الأزهر يتقدمهم الطلاب الوافدون للدراسة من الخارج، كتاب الشيخ أسامة الأزهري، مجرد مقدمة لموسوعة كبرى عن الشخصية المصرية، لا يزال يعمل عليها الشيخ الظاهرة، ولم يغب الفن عن اهتمامي في زيارتي الأولى لمعرض الكتاب هذا العام، فحضرت مع عالية لقاء النجمة سلوى خطاب في قاعة السينما، ولم تكن الفنانة الدارسة بالمعهد العالي للفنون المسرحية، إلا تلقائية في تفاعلها مع الحضور الكبير، واعية بتأثير الفن في المجتمع، ومقدرة لأهمية دور الدولة في دعم مختلف أنواع الفنون.
مسك الختام كان مع جولة سريعة على بعض الناشرين، نسب الخصم في الكَرْمَة ودار الشروق تصل إلى 40%، أجنحة الهيئات التابعة لوزارة الثقافة، تلافت في الموقع الجديد سلبياتها طوال السنوات الماضية، العرض أفضل، وأداء ممثلي المبيعات تحسن، والمعروضات والأسعار ونسب الخصم مميزة، هيئة الكتاب حاضرة بطبعات جديدة من مكتبة الأسرة، ومعها مجموعات كتب بأسعار رمزية، والمركز القومي للترجمة، يواصل تواجده المتوهج، بإصدارات متنوعة وطبعات فاخرة، وبأسعار منافسة قبل أن يمنحك خصماً يبدأ بـ30%، ويصل إلى 50% إذا كنت من الدارسين بالجامعات، أو أحد أعضاء النقابات المهنية، أو الهيئات ذات الصلة بطبيعة إصدارات المركز، ولا تفوتك وأنت تغادر المعرض، ملاحظة الجناح الأمريكي خالياً، إلا من لافتة تعلن: “نظراً لوقف الكونجرس المخصصات المالية، سوف يستمر جناح السفارة الأمريكية بمعرض الكتاب مغلقاً، لحين استئناف العمل في الحكومة الأمريكية”.
شاهد: يحدث لأول مرة.. في اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب