لم تمنعنِ بعض الرياح المحملة بالأتربة من متابعة أنشطة معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا الأسبوع، موقع المعرض الجديد بمركز مصر للمعارض الدولية بصالاته المغطاة، حل مشكلة زواره مع عدم استقرار الأحوال الجوية المعتاد سنوياً في توقيت المعرض، ولكن لا مفر من الأتربة المعتادة في السنوات الأخيرة، في أجنحة المؤسسات الصحفية القومية، جاءت معها إلى موقع المعرض الجديد، الكتب من المخازن للأرفف على طول، ده غير بقى قتامة الموظفين، تحسهم كده نازلين المعرض غصب، مش طايقين نفسهم، لا وكله كوم، ولما يطاردك الواحد منهم داخل الجناح كوم تاني، لما تتجرأ وتحط إيدك على كتاب، فتلاقيه على كتافك صائحاً بملامحه المتجهمة: “حتآخده؟!”.
أجنحة المؤسسات الصحفية القومية زمان كانت حاجة تانية، المنحنى في السنوات الأخيرة في النازل، مكركبة بكل معاني الكلمة، مش وآخدين المعرض بجد، كتب مرصوصة والسلام، وأسبوعين ويعدوا، ولا أحدث إصدارات ولا أكثر مبيعاً، وانفصال تام عن مزاج القاريء الآن، لا وتباهي في الصدارة بمطبوعات دور نشر من أحفاد أحفادها، وإذا شدك كتاب في ندوة منشور ضمن سلسلة لواحدة من هذه المؤسسات، شد حيلك بقى ودور عليه هناك، أستثني من تعليقي هذا إلا قليلاً دار الهلال وروزاليوسف، على أي حال، لا تزال أجنحة المؤسسات الصحفية القومية جاذبة بإصدارات تاريخية، ونسب خصم تصل لـ40%، ومجموعات كتب قيمة بأسعار رمزية، زرها وربنا معاك.
حاضر، كفاية كده، خليني أحكيلك عن “حكاية مصرية – بين تحدي الوجود وإرادة الصمود” السيرة الذاتية للزوجين الدكتور جودة عبد الخالق والدكتورة كريمة كُريم، وقد حضرا في قاعة كاتب وكتاب، بصحبة الكاتبة الصحفية الكبيرة فريدة النقاش، والكاتب الصحفي المتألق إيهاب الملاح، في ندوة أدارها الكاتب الصحفي محمد نوار.. “إلى شباب مصر، نهدي هذه الحكاية، ليدركوا أنه على قدر السعي والعناء، يكون الفوز والجزاء”.. هكذا أهدى الثنائي جودة – كريمة، تجربة حياة بطعم الدراما الإنسانية، ولما كان الكتاب ينتهي عند مطلع السبعينيات، سألت الدكتور جودة صاحب التجربة السياسية العريضة، الممتدة حتى سنوات ارتباك ما بعد ثورة يناير: هل من بقية؟.. فأجاب: في السكة.
كتاب الثنائي جودة – كريمة، أتى ضمن أولى حفلات توقيع مؤسسة دار الشروق بمعرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، ورغم أن إدارة المعرض خصصت قاعة لحفلات التوقيع في هذه الدورة الذهبية، المعرض يشهد هذا العام 600 حفلة توقيع، إلا أن بعض دور النشر كسرت القاعدة، وسارت على منوالها في استضافة المؤلفين بأجنحتها المخصصة للبيع، وأكثر من مرة طوال مدة المعرض، وجود المؤلف بجناح دار النشر يشد انتباه زوار المعرض، ويسهم بقوة في تسويق الكتاب، خاصة وأن التوقيع في الجناح، يضمن تواصل القاريء مع الكاتب، كما أن عدد رواد أجنحة دور النشر، هو الأكبر مقارنة بالمهتمين بحضور حفلات التوقيع، مضمون على الأقل.
موضوع حفلات التوقيع يأخذنا بالضرورة إلى الـBest Seller أو الأكثر مبيعاً، في ملتقى شباب المبدعين بالمعرض، كانت ندوة “البيست سيلر – جماليات الدعاية وسلطة الجماهير” في حضور ثلاثة كتاب من نجوم الأكثر مبيعاً، أحمد مراد ومحمد صادق وحسن كمال، وأدار الندوة باقتدار جبرتي صاحبة الجلالة، الكاتب الصحفي محمد توفيق، وفي حضور ما يقرب من مائة في أقصى تقدير، توافق الحضور على أن مهمة الكاتب الأساسية هي الإبداع، وأن التسويق مسئولية الناشر بالأساس، وأن الجماهير هي الصدى الأهم لصوت الكاتب، خاصة وأن النقد الأدبي بعافية شوية الأيام دي، حسن كمال لاحظ أن عدد حضور الندوة قليل مقارنة بموضوعها، وكانت ملحوظة معبرة فعلاً.
على ذكر تردي أوضاع النقد الأدبي هذه الأيام في ندوة الـBest Seller، وكنا قد ذكرنا بالخير الأستاذين محمود عبد الشكور وإيهاب الملاح، كما ترحمنا على الكبار رجاء النقاش وغالي شكري، اخترت من إصدارات المركز القومي للترجمة في المعرض، كتاب “يوسف إدريس – خفايا الإبداع” للباحثة الروسية فاليريا كيربتشنكو، وترجمه إلى العربية الدكتور إيمان يحيى، وكنت قد بدأت على الفور في قراءة الكتاب، لما للراحل الكبير يوسف إدريس من مكانة خاصة، باعتباره الأديب والمفكر والثائر الأقرب إلى عقلي وقلبي، ولم لا وقد شكل رصيده الأدبي المبدع برفقة مقاله الأسبوعي بجريدة الأهرام “من مفكرة الدكتور يوسف إدريس” أحد أهم روافد تشكيل الوعي والوجدان.
يصف الناقد خيري دومة الكتاب، في مقدمة الترجمة الصادرة العام الماضي، بأنه أشمل دراسة حتى الآن عن يوسف إدريس، كأحد أهم المبدعين المصريين، وهو ليس كذلك لأن الباحثة تغطي أعمال إدريس جميعاً، من قصة ورواية ومسرح ومقال، ولا لأنها قرأت هذه الأعمال بعناية وقرأت ما كُتب عنها، بل الأهم لأنها وقعت على القانون الذي يحكم حركة الكاتب وأعماله، واستطاعت بمهارة أن تمسك بروح الكاتب ودوافعه العميقة المركبة، وتدرك منجزاته وتقدرها، بقدر ما تدرك تناقضاته وتشير إليها بوضوح، تقرأ كتاب كيربتشنكو عن يوسف إدريس، فتندهش من قدرتها الهائلة على الحكي كمبدعة، وقد كانت نواته دراسة حصلت بها الباحثة فاليريا على درجة الدكتوراة، ولا تزال البهجة مستمرة مع معرض القاهرة الدولي للكتاب، والباقي من زمن البهجة أسبوع.
نرشح لك.. حسين عثمان يكتب: عن العشق والهوى في معرض الكتاب (2)
شاهد: يحدث لأول مرة.. في اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب