محمد هنيدي الراعي الرسمي للضحك
إسلام سيد
واجهة جيل الثمانينات وعداء ماهر في سباق الايرادات، بملامح طفولية وخفة ظل استطاع أن يرسم البسمة على شفاه جمهوره على مدار مسيرته الفنية التي امتدت 20 عامًا ولا يزال في توهج وعطاء مستمر حتى الآن، هو الفنان الكوميدي محمد هنيدي.
وفي عيد ميلاده الـ53 يستعرض “إعلام دوت أورج” أهم السمات المميزة لمشواره الفني فيما يلي:
ميراث الكبار
كالنحلة التي تتنقل بين الورود، باحثة عن الرحيق لتصنع خلية خاصة بها، كان “هنيدي” يتنقل بين عمالقة السينما والمسرح، ليستخلص منهم رحيقاً فنياً ونضجاً يؤهله لصناعة شخصيته الفنية المميزة التي حفرت اسمه كأعظم كوميديانات جيله، تعلم من فاتن حمامة “الأستاذية” ودعم الوجوه الجديدة، فمثل معها مشهداً في فيلم “يوم مر ويوم حلو” وكان دوره بارز في صدارة المشهد، وتعلم من يوسف شاهين أن ينتقي أدواره بعناية ووعي عندما شارك بمشهد في فيلم “إسكندرية كمان وكمان”، فقال له المخرج: ” أنت هتبقى كويس وهتشتغل كتير بس متبقاش بياع لبن، تلف على كل استدويو تعمل مشهد، خليك عزيز ونقي أدوارك”، وتعلم من أحمد زكي التشخيص والتقمص الكامل للشخصية، فيحكي في مشهد من فيلم البطل، كانت الكاميرا تلتقط المشهد أثناء سيرهم من الخلف، أوقف “زكي” التصوير وقال له: “مابتمثلش ليه”، ليرد “هنيدي”: “المشهد بضهري”، فقال له أسطورة التشخيص: “حتى بضهرك لازم تمثل”، ويقول “هنيدي”: “بعدها مثلت بضهري فعلاً زي ما طلب”، وتعلم من فريد شوقي تطور الممثل وكيف ينتقل من مرحلة إلى أخرى في مسيرته الفنية، إذ يقول إنه خرج من عباءة فريد شوقي، فكان طالباً في السنة الأولى بالمعهد، عندما شارك في مسلسل “البخيل وأنا”، ومؤلف المسلسل هو فريد شوقي نفسه لتتسنى له فرصة التألق في الدور الذي اختاره “شوقي” له، لتربطه به صداقة امتدت حتى وفاته، ووصفه بمدرسة في التمثيل والكتابة والحياة، ليكتشف أنه إنسان بسيط يتمتع بقدر هائل من الطيبة والحميمية، تعلم من عادل إمام صناعة “اللقطة الكوميدية” التي تخطف الكاميرا، حيث شارك في فيلم “المنسي” و”بخيت وعديلة”، ورغم صغر حجم الدور إلا إنه كان بمثابة صك النجومية له فيما بعد، واحتفظ لعادل إمام بمقام الأستاذية ورفض وجود مقارنة أو منافسة بينهما، وحتى الآن يصفه بـ”مثلي الأعلى”.
صديق البطل
عادة ما تكون الخطوة التالية لدور صديق البطل هي الصعود إلى منصة البطولة، وهو ما حدث مع محمد هنيدي، في فيلم “إسماعلية رايح جاي”، فصنع الثنائي “فؤاد وهنيدي” مساحة من تعادل كفتي الميزان وتبادل إطلاق الافيهات، وهو ما حدث بعد ذلك مع أحمد حلمي في فيلم “غاوي حب”.
مفارقة معتادة في السينما أن صديق البطل دوماً يستحوذ على إعجاب الجمهور وتسلط عليه الأضواء، وتكون خطوة نحو النجومية، وينطلق بعدها ليتصدر أفيش الفيلم، بل قد يتفوق على البطل نفسه، بدءاً من علي الكسار وإسماعيل ياسين، مروراً بمحمد فؤاد ومحمد هنيدي، وصولاً إلى ثنائي أحمد فهمي وأكرم حسني، دور صديق البطل الذي أخرجه من عباءة أبو حفيظة، ليقدم ثنائي آخر في العام التالي مع أحمد أمين الدور الذي وضعه في قائمة نجوم الكوميديا الجدد، ليخرج “أمين” هو الآخر من العمل لأول بطولة بتأسيس فريق العروض المسرحية “أمين وشركاه”.
صناعة الكاريزما
لكل كوميديان كاريزما خاصة، وصورة ذهنية يتقبلها المشاهد، فيولد من خلالها الضحك، وصف الكاتب محمود السعدني في كتابه “المضحكون” كاريزما عبد المنعم مدبولي بالبلياتشو، وفؤاد المهندس بالذكي، إسماعيل ياسين بالغلبان، شكوكو بالأراجوز، على نفس الشاكلة يمكننا أن نصف كاريزما محمد هنيدي بالمغامر، إذ امتلك هنيدي ملامح طفولية مميزة تشبه الرسم الكاريكاتيري، وضعته في قالب الشخصيات الكارتونية، فعلى غرار السندباد وأليس في بلاد العجائب يجسد “هنيدي” “صعيدي في الجامعة الأمريكية” الشاب الصعيدي الذي يحاول التأقلم في مجتمع غريب غير مألوف بالنسبة له، و”همام في أمستردام” شاب يعيش في حارة شعبية يعاني من البطالة، تضيع الفتاة التي يحبها بعد أن تتزوج شخص أخر لثرائه، ليقرر السفر إلى هولندا بحثاً عن فرصة عمل، لكنه يفاجأ بسلسلة من المصاعب والتحديات أولها تخلي خاله عنه وضياع جواز سفره، لكنه يصل إلى هدفه في النهاية، و”أمير البحار” الشاب المدلل المستهتر الذي دفعته الأقدار للوقوع في شباك عصابة من القراصنة، ليغامر لأول مرة في حياته محاولاً إنقاذ عائلته والتغلب على القراصنة، فتيمة الصعود لها شعبية آسرة عند المشاهد المصري، تكتسب الشخصية البسيطة القريبة من الناس تعاطف وشفقة الجمهور عليها، لينتظر بشغف النقلة النوعية في حياة البطل، من عاطل إلى ثري، و من فاشل إلى بطل، فينجذب إلى النهاية السعيدة لمغامرات بطله العادي الذي يشبهه.
صياغة شخصية البطل
يقول المخرج الإنجليزي ألفريد هيتشكوك: “تحتاج ثلاثة أشياء أساسية لصنع فيلم جيد.. السيناريو والسيناريو والسيناريو”.
محمد هنيدي كوميديان “FARCE” من الدرجة الأولى – الكوميديا التي تعتمد على النكت والحركات المضحكة المبالغ فيها_ لكنه غلفها بكوميديا الموقف، وعندما سئل عن إمكانية تقديم عمل تراجيدي قال: “لا أفكر، لكن السيناريو الجيد هو الأساس”، فسر نجاح “هنيدي” هو التعاون مع الكتاب أصحاب الأقلام الذهبية القادرين على صياغة شخصية يصدقها الجمهور.
خطوة البطولة المطلقة تمثل قفزة نوعية في مسيرة الفنان، إذ يتوجب عليه أن يخطوها دون تسرع أو استسهال، فلم ينجرف هنيدي إلى موضة أفلام المقاولات المنتشرة أنذاك، فبعد النجاح المدوي لفيلم إسماعيلية رايح جاي، وأثناء تقديمه لعروض مسرحية “ألابندا” كان الهاجس الذي يشغله حينها هو ماذا بعد؟ وبذكائه ووعيه المبكر اقترح على صديقه الكاتب والشاعر مدحت العدل فكرة فيلم عن صعيدي يدخل الجامعة الأمريكية -ليختار لنفسه كاريزما المغامر السابق ذكرها- ليعجب “مدحت” بالفكرة ويبدأ في تنفيذها على الفور، وبعد أيام يضع مدحت العدل معالجة الفيلم، نص سينمائي متماسك، يضع كل دور في صدارة الفيلم.
في بداياته شبهه البعض بإسماعيل ياسين، فعرض عليه أحد المنتجين تقديم سلسلة باسمه على غرار سلسلة إسماعيل ياسين، فقال في حوار له مع حمدي رزق 1998 عندما سئل هل ينوي تقديم سلسلة أفلام باسم هنيدي كما فعل إسماعيل يس: “ربما يحدث هذا في المستقبل، لا أعرف على وجه التحديد جدوى تلك الفكرة، كل ما لدي عرض من أحد المنتجين لتحقيق مثل هذه السلسلة، لكني رفضت مبدئياً على رغم أن هذا كان يمكن أن يصيب نجاحاً هائلاً، عرضوا عليّ أن نسمي الفيلم “هنيدي في الجامعة الاميركية”، بدلاً من “صعيدي” لكني وجدت أن هذا سابق لأوانه، أنا أعشق النجاح دون وجع دماغ”.
بعدها بتسع سنوات وجد ضالته عند الكاتب المتميز عمر طاهر، ليقدم سلسلة تحمل اسمه، لكن بشخصية كرتونية “سوبر هنيدي” بنفس كاريزما المغامر، لتجلب له جمهوراً عريضاً من الأطفال.
في الفترة التي تراجعت فيها شعبية “هنيدي” بسبب عدم التجديد في نمط الشخصية المقدمة في أفلامه، أسعفه الكاتب يوسف معاطي بشخصية “رمضان مبروك أبو العلمين حموده”، ليلمع نجم هنيدي من جديد ويقدم معه فيلمي “أمير البحار” و”تيته رهيبة”.
الكوميديا الهادفة
الناس تنتظر دوماً من فنان الكوميديا أن يصبح صوتها، فما لا يمكن قوله بشكل جاد يمكن تمريره خلسة في الكوميديا، فاستمرار الفنان في تقديم الكوميديا والضحك، لا يعني إطلاقاً أنه ممثل تراجيدي فاشل، فكوميديا نجيب الريحاني يتخللها نقد للمجتمع وأفاته، وكوميديا محمد هنيدي تخللها بعض الرسائل المباشرة والغير مباشرة، فمثلاً تجد مشهداً في فيلم وش إجرام، جدة “طه” تشاهد التلفزيون وتضحك بصوت عالٍ، وعند النظر إلى الشاشة تجد خبر “الرئيس مبارك يستقبل إيهود ألمرت بشرم الشيخ” في إشارة وإسقاط على قضية التطبيع مع إسرائيل، ومشهد حرق العلم الإسرائيلي في فيلم “صعيدي في الجامعة الأمريكية، ومشهد تهشيم علم اسرائيل في إحدى المشاهد في نهاية فيلم “عندليب الدقي”، الأمر الذي أزالته الرقابة فيما بعد، وفي فيلم “همام في أمستردام” تناول أيضًا القضية الفلسطينية حيث رفض محمد هنيدي في الفيلم التعامل مع صديقه بعدما تبين أنه من أصول يهودية صهيونية، ليعبر عن موقفه قائلاً: “الفنان الحقيقي لسان حال شعبه ومجتمعه يعبر عن التيار الأصيل في داخله وليس ضد توجهات هذا الشعب”.
نرشح لك: أشهر مسرحيات محمد هنيدي.. آخرها “3 أيام في الساحل”