محمود سعد والتريند
محمد حسن الصيفي
وجوه تظهر، وجوه تختفي، يتغيّر الحال، تتبدل المناظر، المشهد يُعاد ترتيبه على غرار لعبة الكراسي الموسيقية، يختفي محمود سعد سنتين قبل أن يعود من بوابة “باب الخلق”. محمود سعد والتريند
يعود على طريقة “الريمونتادا” الكتالونيّة، الملامح تتغير قليلًا، الشعر يكتسي بالبياض، مساحة الشجن والسلطنة تزداد، السياسة تتأخر وتتلاشى، البشر تتقدم، الإنسان يزاحم، الفن والموسيقى والحكايات والونس والدفء يقتحم.
محمود سعد معلم، سنوات طويلة في المهنة، في قلب المطبخ، داخل المصنع، محمود سعد لا ينقصه شهرة؛ لكن ينقصه الحنين، يغرف من أرض الله الواسعة، يُنقّب في أرض مصر عن أشياء نعرفها ولا نراها ويغض الإعلام عنها الطرف ولا يعرف لها طريق.
يشق الصف الإعلامي شقًا يفتح الباب لنسمات الهواء، الجو خانق والجمهور حانق، وضرب مسمار في مثل هذه الأجواء يُعد تقربًا إلى الله بالبهجة والمحبة.
في السنوات والأشهر الأخيرة تخصصنا لنقد الإعلام بما يعتريه من ضعف وتكرار وأمور أُخرى، حتى برامج اللعب على أوتار الحنين والنوستالجيا أصبحت مكررة، التيمة أصبحت مهروسة، فنان يجلس يحكي طفولته المعذبة وسنوات الكفاح، مع عرضِ للصور على الشاشة، ضحكات مرتفعة، مع حضور مستمر للطعام على مائدة الحديث تيمنًا بشعوب أمريكا الجنوبية الصاخبة!.. لكن وماذا بعد؟.
الوجوه مكررة ودائرة الحنين تحتاج للشحن، يعود محمود سعد بهدوءه المعتاد، يضرب مفكًا صغيرًا في الساحة، لكنه مثل فرض الكفاية “إذا قام به البعض سقط عن الباقين”، لا يصنع بريقًا ولا يضرب بكفه ليرتوي من بئر التريند، بل يبتعد، التريند فيه سُم قاتل، يذهب إلى الصعيد، يفتش عن الإنسان، عن الشخص، لا يبحث عن أبطال خارقين؛ ولكن بشر عاديين “بلاد الله لخلق الله”، ويبدو أنه قانعًا بما يفعل لدرجة التصوف؛ فالملاحظ لمشاهدات البرنامج على مواقع التواصل أو موقع اليوتيوب لن يجد الملايين ولن يجد جيوش التريند الكاسحة، سيجد مشاهدات تشبه البرنامج وأبطاله غير الخارقين، تشبه لاسم البرنامج “باب الخلق” الناس والبشر المجهولين.
والحقيقة أن ما يفعله “سعد” يحتاج لرجل ممتلئ وزاهد في “اللغوصة الإعلامية”، رجل “على قديمه” لا يزال مقتنعًا بقيمة الفن والأحاديث الدافئة، يقدس الهدوء والحوار في زمن تمرد على كل ما هو كلاسيكي لدرجة أنه أصبح فارغًا من كل مضمون.
وهنا نرى محمود سعد يذهب ليشاهد مراحل صناعة العسل الأسود في الصعيد وأسيوط.
وهناك يذهب لأقدم بائع في سور الأزبكيّة ليتحدث معه حديث لا يخلو من بساطة الزمن الجميل.
عشرات الأحاديث والحوارات من شمال مصر إلى جنوبها كان بطلها هو الإنسان، أفكاره واجتهاده وشغفه وكفاحه ومعاناته.
و”سعد” ليس ملاكًا يطير بجناحين؛ بل بشر يصيب ويخطأ وله ميوله وأفكاره الخاصة ومراجعاته الدقيقة، لكنه على طول الدوام يقدم لك شيئين كادا يصبحان ضربًا من المستحيل الآن؛ الحوار المتزن والهدوء المطلوب.
والأشياء البسيطة في الأزمنة الغابرة تعتبركنزًا يستحق التهليل، والبهجة في زمن الغم واجترار الأحزان تعد معجزة كُبرى كمن وجد شربة ماء في صحراء قاحلة، محمود سعد لا يصنع مستحيلاً، لكنه يصنع السهل والبسيط، يصنع جملة مهارية جميلة في ملعب لم يعد يتسع لمهارة ولو من خرم إبرة!.
نرشح لك: سبب ابتعاد محمود سعد عن السوشيال ميديا
شاهد : الإعلاميون والمشاهير خارج البلاتوهات في برنامج مش عادي