يرحل معرض القاهرة الدولي للكتاب، بعدما احتفلنا في رحابه بعيد ميلاده الخمسين، وأتوقف معكم بصحبة 10 وجوه، تبقى مرتبطة في ذاكرتي بدورة اليوبيل الذهبي، في مقدمة هذه الوجوه، الرئيس عبد الفتاح السيسي.
مما لا شك فيه، أن افتتاح رئيس الجمهورية للدورة الخمسين، منحها المزيد من البريق أمام الضيوف من مختلف دول العالم، وأكد من جديد على دعم ورعاية الدولة لحدث ثقافي هام كمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو التقليد الغائب لسنوات طويلة ماضية، ولا نتمنى على الرئيس عبد الفتاح السيسي، سوى أن يعيد إحياء الحوار المفتوح لرئيس الجمهورية مع النخبة المصرية عقب افتتاح المعرض، وهو ما افتقدناه في هذه الدورة الذهبية.
ثم يأتي وجه وزير الثقافة، الدكتورة إيناس عبد الدايم، وأنا مدين لها باعتذار هذا أوانه، فلم أكن إلا شديد التحفظ على اختيارها لهذا الموقع، وهو ما عبرت عنه في حينه، خاصة وأن تجربتها في رئاسة المركز الثقافي القومي، دار الأوبرا المصرية، لم تكن مميزة في تقديري مقارنة بمن سبقوها، ولكنها قدمت أوراق اعتمادها كوزيرة في أكثر من مناسبة، آخرها معرض القاهرة الدولي للكتاب، فهي تتمتع بتواصل فعال يساعدها على تحقيق نتائج جيدة، في مواجهة موارد محدودة، وعقبات روتينية مُقَيدَة، وتركة ضخمة من هموم الثقافة المصرية، والأهم وسط مناخ ينتظر أن تخوض النخبة معركتها الفكرية في مواجهة الإرهاب، أحسنتي معالي الوزيرة.
من قلب الهيئة المصرية العامة للكتاب، جاء الشاعر والباحث والناقد، الدكتور هيثم الحاج علي، ليتولى رئاستها في سبتمبر عام 2015، الهيئة المصرية العامة للكتاب هي الهيئة المُنَظِمَة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ورئيس الهيئة هو بالتبعية رئيس المعرض، وطوال ثلاث دورات ماضية من عمر المعرض في عهد الحاج، لم نشعر بأي تجديد من أي نوع، بل كانت الأوضاع السيئة المَوروثة تزداد سوءًا، دورة اليوبيل الذهبي مثلت اختبارًا حقيقيًا للدكتور هيثم، خاصة وأنها واكبت نقل معرض القاهرة الدولي للكتاب، إلى موقعه الجديد بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، ولقد اجتاز الرجل التحدي بنجاح حقيقي ومبشر، يمنحه الفرصة كي ينطلق نحو تحقيق المزيد.
من بين ضيوف ندوة “الشخصية المصرية” في قاعة “كاتب وكتاب” بالمعرض، أطل وجه مفتي الديار المصرية، فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام، ورغم توهج ونجومية الحاضرين من ضيوف الندوة من الشيوخ الأجلاء، تمتع سماحة مفتي الجمهورية بحضور آسر، أخذ بأرواح وقلوب جمهور الندوة، فخاطب عقولهم واستحضر وعيهم، ولقب “سماحة” هنا يصادف أهله فعلًا، لما يتمتع به الرجل من طلة بشوشة مبهجة، تحمل من الرفق ما يولد داخلك دافع الإنصات قبل أن يتكلم، روح الدكتور شوقي علام كانت حاضرة أيضًا في جناح دار الإفتاء المصرية بالمعرض، بما ضمه من إصدارات تواكب الحاجة الماسة لتجديد الخطاب الديني، لعل الرجل يُمْنَح بعض أضواء الآخرين.
أدار جبرتي صاحبة الجلالة، الكاتب الصحفي محمد توفيق، ندوة “البيست سيلر – جماليات الدعاية وسلطة الجماهير” في معرض الكتاب، وفي حضور ثلاثة من نجوم الرواية الأكثر مبيعًا، وقد حرصت على حضور الندوة، لما تشغله الظاهرة الخلافية “الأكثر مبيعًا” من مساحة اهتمامي، أداء محمد توفيق في إدارة الندوة المزدحمة بالحضور، كان بمستوى تميز إنتاجه البحثي المبدع، الاجتهاد في الواقع أحد أهم مقومات نجاح محمد توفيق، كان يجلس في صدارة الندوة وسط الضيوف، وأمامه ملف يؤكد أنه أعد نفسه للندوة جيدًا، ذاكر وعمل الواجب، فاستطاع السيطرة على دفة الندوة الصعبة في موضوعها وضيوفها وحضورها، وفي إطار مبهج، زاد من فاعلية ومتعة الحوار والمداخلات.
في نفس المنطقة، أجاد الشاعر والكاتب الصحفي أشرف توفيق، إدارة ندوة “مستقبل الكتابة الساخرة” في قاعة الشباب بالمعرض، في حضور اثنين من الساخرين الجدد أصحاب جماهيرية لا يمكن تجاهلها، الكُتاب الساخرون جادون على الطبيعة، هذا ما كنت أسمعه، وتوثقت منه بحضور الندوة، أشرف توفيق مصري أصيل، ترى هذا في ملامحه وإن لم يتكلم، فإذا تحدث تجد روح الشخصية المصرية محلقة في المكان، سمات وضوح الرؤية وعذوبة اللغة وسلاسة الإلقاء وزخم الثقافة، كانت حاضرة في شخصه، قلة عدد الحضور كان من الممكن أن يقتل الندوة في مهدها، لولا براعته في إعادة نظمها، لتكون بمثابة دردشة ودودة، توحد فيها الجميع خارج الزمن.
عدة ساعات قضتها الروائية نور عبد المجيد، بجناح الدار المصرية اللبنانية، تُوَفي رغبات معجبيها في توقيع روايتها الجديدة “أنتِ مني” بجانب صورة كانت “سيلفي” في بعض الأحيان، كنت هناك وسط حضور وُصِفَ بالأكبر طوال أيام المعرض، لفت نظري أن هناك ألفة وحميمية بين نور وجمهورها، كانت حريصة على وجه مُرَحِب وابتسامة لطيفة مع كل توقيع، وتعتذر من آن لآخر للمُنْتَظِرِين مقدرةً عناء الانتظار وُقُوف، ولا تتسرع أو تستهين بتوقيع روتيني، ولا تُهدي إلا عبارات أدبية منمقة بخطٍ جميل، نور تواصل الإبداع في دائرة العلاقات الإنسانية بمشاعرها المتداخلة، وهو في تصوري ما يميز مكانتها الخاصة في قلوب مُريديها من مختلف الأعمار.
الحضور ليس بالضرورة حضورًا حيًا، فقد يُغَيب الموتُ وجوهًا تظل حاضرةً مهما طال الغياب، من هذه الوجوه وجه محمد حسنين هيكل، معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام يواكب ذكرى رحيل “الأستاذ” الثالثة، ومع ذلك كان حضوره ظاهرًا من خلال إصداراته التاريخية في ركنٍ خاص بجناحي دار الشروق بالمعرض، كما تصدرت جناح مؤسسة الأهرام سلسلة مقالاته الشهيرة “بصراحة” في ستة أجزاء لاقت طبعاتها المتوالية إقبالًا كبيرًا طوال أيام المعرض، ولم يقف حضوره عند هذا الحد، وإنما انتشرت الإصدارات التي تناولته وناصرته أو تشابكت معه في العديد من أجنحة دور النشر، مثل هيكل يظل ظاهرة إلى أن يجود الزمان بمثله إن جاد.
في ذات السياق، كان حضور العراب أحمد خالد توفيق، في الدورة الذهبية لمعرض الكتاب، من خلال كِتاب جديد لم يُنْشَر من قبل صدر عن دار كيان للنشر والتوزيع، ويحتوي على مجموعة مقالات للمبدع الراحل تحمل اسم “لا مكان للملل”، بجانب روايته الأخيرة “شآبيب” الصادرة عن دار الشروق، ومعها مجموعة قصصية بعنوان “أفراح المقبرة” عبر دار الكرمة، وبخلاف طبعات جديدة من مختلف أعماله السابقة، وكانت صورة الراحل الكبير قاسمًا مشتركًا في ديكورات معظم ناشريه ومُوزعي أعماله، حتى أنك لا تلتفت من هنا إلا وتجدها هناك، أما قاعة الشباب بالمعرض، فلم تخل ندوة أُقيمت فيها من ذكر طيب الذكر أحمد خالد توفيق.
أما وجه الناشر إسلام شلبي، فلم يكن إلا الوجه الجديد في معرض الكتاب هذا العام، رغم رحيله منذ سنوات طويلة، صاحب الاحتفال باليوبيل الذهبي للمعرض، وضرورة أن نحتفي بذكرى مؤسسيه، جدال انتهى إلى إجماعٍ يؤكد أن إسلام شلبي هو صاحب فكرة إنشاء المعرض، حتى أنه أدار أول ثلاث دورات من عمره، بعدما ترك عمله في دار الخياط اللبنانية في بيروت، عائداً ليعمل في المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، وهو يحمل حُلْمَه في إقامة معرض للكتاب بالقاهرة، وقد كان، ليس أفضل من أن نرد الفضل إلى أهله، ولا نودع معرض القاهرة الدولي للكتاب، إلا بأمل اللقاء في العام القادم بمشيئة الله.
نرشح لك: قبل يوم من ختامه.. معرض الكتاب يتجاوز 2 ونصف مليون زائر
شاهد : الإعلاميون والمشاهير خارج البلاتوهات في برنامج مش عادي