محصلة اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، أنها دورة ناجحة جداً في مجموعها، ومثلت بالفعل نقلة نوعية، في مسيرة الحدث الثقافي المصري الأكبر، طوال مسيرته الممتدة لخمسين عاماً الآن، ولكن التجربة الأولى غالباً ما يشوبها بعض القصور، وهي الأولى باعتبارها أولى دورات المعرض في مقره الجديد، مركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، وقد أعادت إحياء المعرض بعدما ترهل في السنوات الأخيرة، إلى حد خطر فقدان مكانته الدولية الثانية، بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وبعد متابعة جيدة لأنشطة المعرض، طوال أسبوعين هما مدة إقامته، لا يتبقى سوى أن نتوقف بكم عند 3 مؤشرات، اخترناها لتقييم معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام.
المؤشر الأول يتعلق بالإقبال الجماهيري، وفقاً للمركز الإعلامي لرئاسة مجلس الوزراء، نقلاً عن وزارة الثقافة، فإن عدد زائري المعرض دار حول رقم 3 مليون زائر، وهو ما نراه إقبالاً كبيراً قياساً على دعوات استنكار بُعد موقع المعرض الجديد، مقارنة بموقعه السابق في أرض المعارض بمدينة نصر، الرقم يؤكد أن مختلف فئات المجتمع المصري متعطشة لمثل هذه المهرجانات الثقافية الكبرى، وأن معرض القاهرة الدولي للكتاب له مكانة متوارثة في وجدان جمهوره، والدليل أنه يذهب وراءه طوال خمسين عاماً من الجزيرة بوسط البلد، إلى أرض المعارض بمدينة نصر، وأخيراً يشد الرحال معه إلى التجمع الخامس، النجاح الجماهيري إذاً محسوب لدورة المعرض الذهبية.
المؤشر الثاني هو مبيعات الكتب، أعلن الناشرون المشاركون ارتفاع حجم مبيعات الكتب هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، وهو شيء جميل جداً إذا كان القياس قد راعى احتساب مبيعات الكتب بعدد العناوين والنسخ وليس بالعوائد المادية فقط، خاصة وأن معيار العوائد المادية وحده خادع، في ظل ارتفاع أسعار الكتب، قياساً على ارتفاع مستلزمات الطباعة، بعد تحرير سعر صرف الجنيه المصري، في مواجهة العملات الأجنبية، ومع ملاحظة أن عدد الناشرين المشاركين هذا العام، تقريباً ضعف عدد المشاركين في دورة العام الماضي، شارك هذا العام 1724 ناشر مقارنة بـ849 ناشر العام الماضي، كما شاركت 749 دار نشر مقارنة بـ696 دار نشر العام الماضي.
المؤشر الثالث يتصل بالنواحي التنظيمية، وهو ما يطول فيه الحديث قليلاً، فلم يكن معرض الكتاب إلا منظماً فيما يتعلق بالوفاء باحتياجات الزائرين، سواء على مستوى احتياجات أساسية تتعلق بتوفير وسائل مواصلات أو ساحة انتظار سيارات أو منافذ بيع أغذية ومشروبات أو أماكن مخصصة للراحة والصلاة، أو على مستوى جودة التنظيم بشأن صالات العرض الأربعة، وتوزيع أجنحة الناشرين ودور النشر عليها، وتقسيم المساحات المخصصة لكلٍ منها، وسلاسة المرور من صالة لأخرى بين كل صالتين، وأيضاً فيما بين جناح وآخر في الصالة الواحدة، افتقد المعرض هنا وجود لوحات إرشادية خارج كل صالة، تشرح محتويات الصالة، مثلما كانت متوفرة في موقع المعرض السابق.
أما بشأن تنظيم الأنشطة والندوات وحفلات التوقيع، 1465 فعالية، 408 ندوة ثقافية، 554 حفل توقيع، فأكتفي بعرض الدكتور جودة عبد الخالق، في عموده بـ”الأهالي”، كضيف على المعرض لمناقشة كتابه “حكاية مصرية”، ما أشهد عليه كأحد حضور الندوة، يقول الدكتور جودة: “أخبرنا مسئولو هيئة الكتاب ودار الشروق، أن ندوة مناقشة كتابنا ستكون في “بلازا 1” الدور الثاني قاعة كاتب وكتاب، ولكن عند وصولنا لهذا المكان المحدد، اتضح أنه مخصص لنشاط آخر من أنشطة معرض الكتاب، وبعد عدة اتصالات اتضح أن مكان ندوتنا هو “بلازا 2″ الدور الثاني قاعة كاتب وكتاب، مشينا طويلاً طويلاً، وسألنا كثيراً كثيراً، إلى أن بلغنا المكان الموعود”.
يستطرد الدكتور جودة: “ونتيجة لهذا الارتباك، وصلنا مكان الندوة متعبين متوترين متأخرين ربع ساعة عن موعد بدء الندوة – وهو الثانية بعد الظهر – رغم أننا دخلنا من البوابة الخارجية لمركز المعارض في الثانية عشرة والنصف ظهراً، وبسبب ذلك، ضاعت علينا فرصة التفاعل مع جمهور الندوة بصورة أفضل، وعلمنا أن عدداً من المشاركين في أنشطة المعرض، تعرضوا لتجارب مماثلة لتجربتنا”.. هكذا لخص الدكتور جودة عبد الخالق مشهداً تكرر طوال مدة المعرض، في مختلف الأنشطة والندوات وحفلات التوقيع، ولا يزال الجدال نشطاً بشأن امتناع الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي من الأصل، عن عدم حضور أمسيته الشعرية في المعرض، وبسبب سوء التنظيم أيضاً.
المبادرة الجميلة “أنا متطوع” والتي ضمت حوالي ستمائة من شباب الجامعات، بهدف مساعدة وتوجيه الضيوف والزائرين، كانت كافية في تقديري لتلافي القصور في النواحي التنظيمية، فقط لو اهتمت إدارة المعرض بإعدادهم ومنحهم ساعات تدريب كافية، تشمل التعريف بخريطة المعرض وأنشطته وفعالياته، وكذلك التعريف بالضيوف وتنسيق التواصل المباشر المستمر معهم، لضمان خروج جميع الفعاليات في أفضل صورة ممكنة، ما حدث أن هؤلاء الشباب الواعدين، كانوا في معظمهم تائهين مثلهم مثل الضيوف والزائرين، المدهش في الأمر، أن هذا كله يحدث، في وقت تطورت فيه وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، وهو ما يستدعي بالضرورة، أن يكون التواصل أكثر فاعلية في تحقيق النتائج المرجوة منه.
هذا كله لا يمنع تهنئة الدكتور هيثم الحاج علي، رئيس هيئة الكتاب، الهيئة المنظمة للمعرض، وتقدير جهوده وفريق عمل الهيئة، خاصة ونحن نثق في أن ملف دورة اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وبما عليها من سلبيات، قبل ما يحسب لها من إيجابيات، سوف يحظى بدراسة وافية منهم، في سبيل تلافي هذه السلبيات في الدورات القادمة، والمتوقع لها بعد نجاح هذه الدورة، أن تشهد إقبالاً أكبر يزيد من مسئولية القائمين على إدارة المعرض، ليس فقط في مصادفة توقعات مُريدي المعرض من الناشرين والضيوف والزائرين، بل في تجاوز هذه التوقعات وتطويرها والإضافة عليها، معرض القاهرة الدولي للكتاب جدد حياته بعد الخمسين.
نرشح لك: حسين عثمان يكتب: 10 وجوه في معرض القاهرة الدولي للكتاب
شاهد : الإعلاميون والمشاهير خارج البلاتوهات في برنامج مش عادي