نقلا عن الأهرام
نشر أحد المواقع الإسرائيلية أن السفارة الأمريكية بالقاهرة قاطعت معرض القاهرة الدولى للكتاب بسبب وجود كتب معادية للسامية فى المعرض، ومنها كتاب «كفاحى» لأدولف هتلر، وكتاب «بروتوكولات حكماء صهيون»، وكتاب «اليهودى الدولى» لرجل الصناعة الأمريكى الكبير هنرى فورد رائد صناعة السيارات فى الولايات المتحدة، وقال موقع، واسمه Jewish News Syndicate إن السفارة أرسلت عدة اعتراضات للسلطات المصرية بهذا الخصوص لكنها لم يلتفت لها، بينما دأبت تلك السلطات فى الدورات السابقة على سحب الكتب التى تنتقد الحكومة المصرية، ومن أجل ذلك فقد قررت السفارة إغلاق جناحها يوم الأربعاء الماضى.
وإذا كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد صدع أدمغتنا وأدمغة العالم كله بما يسميه الأخبار الزائفة ولم يتوقف منذ دخوله البيت الأبيض عن اتهام الصحافة والإعلام فى الولايات المتحدة بأنهما لا تبثان إلا الأخبار الزائفة، فإن ما نشره هذا الموقع الإسرائيلى الذى يجاهر بأن هناك حوالى مائة جريدة وموقع إخبارى فى مختلف أنحاء العالم يستخدمون الأخبار التى يبثها لهم، هو أكثر ما ينطبق عليه الوصف الذى أطلقه ترامب، وإن كان علينا أن نتوقع أن يقوم الإعلام الأمريكى بدوره بنقل هذا الخبر عن الموقع الذى يصف نفسه بأنه الموقع الأسرع انتشارا بين المواقع المعنية بتغطية إسرائيل والشئون اليهودية فى العالم.
والحقيقة أن هذا الخبر ليس به معلومة واحدة صحيحة، فالسفارة الأمريكية لم تقاطع المعرض وقامت نائبة السفير بنفسها ومعها المستشار الثقافى للسفارة، بافتتاح الجناح بعد الافتتاح الرسمى للمعرض بعدة أيام، أما التأخير فكان متعلقا بتوفير الاعتمادات المالية فى ظل الإغلاق الحكومى الذى تشهده الولايات المتحدة، وقد حمل الجناح خلال الأيام الأولى للمعرض لافتة كتب عليها أنه مغلق لهذا السبب، أما قصة الاعتراضات هذه والتى قال الموقع الإسرائيلى إن الجانب الأمريكى بعث بها للسلطات المصرية كتابة وشفاهة، فقد تأكدت من مصادر لا يرقى إليها الشك أن السلطات لم تتلق مثل هذه الاعتراضات المزعومة، وأنه لم يحدث أن تم سحب كتب تحمل تلك العناوين من المعرض، ناهيك عما إذا كانت قد عرضت فى المعرض أم لا، وقد نشر الموقع الإسرائيلى صورة لكتاب «كفاحى» لهتلر وسط كتب عربية أخرى منها «الفيل الأزرق» لأحمد مراد و«الطنطورية» لرضوى عاشور و«المطر» لحنا مينة وقاموس أوكسفورد الحديث، لكنها كانت صورة قديمة، حسبما أوضح الموقع، التقطت عام 2015 من على رصيف إحدى شوارع رام الله، ولا علاقة لها بالمعرض.
وكما يحدث مع تلك الشبكات الإلكترونية المتداخلة الموالية للحركة الصهيونية الدولية فقد سارع مركز سيمون فيزنتال الشهير بامتداح هذا القرار المزعوم للسفارة الأمريكية بالقاهرة، ودعا الدول الأخرى المشاركة فى المعرض لأن تحذو حذو السفارة الأمريكية وتقاطع معرض القاهرة اعتراضا على الكتب المذكورة.
أما أغرب ما فى الموضوع فهو أن هذا المقال الملفق والمليء بالأكاذيب نشر يوم الخميس الماضى الموافق 7 فبراير الحالى، أى بعد انتهاء المعرض الذى أغلق أبوابه يوم 5 فبراير، فكيف تتم الدعوة للدول المشاركة فى المعرض لمقاطعته بعد أن انتهى؟ إن نشر هذه الأخبار الزائفة بعد انتهاء المعرض يضمن عدم التحقق من صحتها، لأن المعرض لم يعد قائما، وحتى لا تنكشف تلك الحيلة اختلق الموقع الإسرائيلى كذبة أخرى وهى أن المعرض قائم حتى اليوم الأحد الموافق10 فبراير.
فهل هذا معقول؟ هل وصل غياب المهنية إلى هذا الحد الذى يجعل مثل هذا الموقع الصهيونى – الذى يمد حوالى مائة صحيفة وموقع إخبارى بالأكاذيب – يختلق كل تفصيلة فى الخبر فلا تعود هناك معلومة واحدة صادقة فى الخبر؟ وهل يمكن للأهواء الأيديولوجية أن تعمى صاحبها عن الحقيقة الى هذا الحد؟ وهل يدفع الانحياز المعيب للدولة اليهودية إلى محاولة طمس الحقائق واختلاق مثل هذا الكم من الأكاذيب فى خبر واحد سيتردد صداه فى صحف ومواقع إخبارية أخرى؟
لقد بحثت فى هذا الخبر عن أى معلومات يمكن أن تفيد القاريء حول معرض القاهرة الدولى للكتاب فلم أجد إلا أنه ارتاده هذا العام 2 مليون زائر، وأنه يعتبر أهم حدث فى مجال النشر فى العالم العربى، وكان الغرض من ذلك هو بيان أهمية المقاطعة الأمريكية المزعومة، وتأكيد فداحة عرض تلك الكتب فى أكبر محفل عربى من نوعه. إن علينا أن نلفت نظر الرئيس الأمريكى إلى أن المستودع الأكبر للأخبار الزائفة التى لا يمل التحدث عنها، هو فى حليفته إسرائيل التى يدين لها بالولاء المخجل، لكن يبدو أن الانحياز للدولة اليهودية لا يكون إلا بتجاهل الحقيقة وباختلاق الأكاذيب، ألم يكن فى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل تجاهل للحقيقة وتزييف للوقائع؟ وألم يكن القرار الأمريكى الأخير بمنع إصدار قرار من الأمم المتحدة يأسف لطرد إسرائيل قوات حفظ السلام من الخليل تجاهلا للواقع وتزييفا للوقائع؟ وألم يكن مثل هذا التجاهل للحقيقة ومثل هذا الزيف كامنا فى كل قرارات ترامب الخاصة بإسرائيل؟
لقد شهد معرض القاهرة الدولى للكتاب بعيدا عن تلك الأكاذيب والأخبار الزائفة واحدة من أنجح الدورات فى تاريخه الممتد عبر نصف قرن من الزمان، وفاق إقبال الجماهير الأعداد المتوقعة فى ظل نقله الى القاهرة الجديدة، وقد اتسمت أنشطة المعرض بكثير من الحيوية وهو ما ينبيء بدورات قادمة أكثر نجاحا فى هذا الموقع الجديد، وفى ظل رد الفعل الإيجابى للحشود الهائلة التى ارتادته، أما الأخبار الإسرائيلية الزائفة التى تحاول أن تنال من كل نجاح مصرى أو عربى فلا مكان لها إلا مزبلة التاريخ.
نرشح لك: أحمد فرغلي رضوان يكتب: green book.. سينما تهذيب العنصرية
شاهد : الإعلاميون والمشاهير خارج البلاتوهات في برنامج مش عادي