هالة منير بدير كحل وحبهان
تشترك حواسنا الخمس في استرجاع ذكرى كل تفصيلة في حياتنا، الصبر على المشاق، مرارة الانتظار، الإخلاص والغدر، الانتصارات والإحباطات والهزائم، مشاعر الحب والإعجاب، الطفولة والمراهقة، النضوج والاستقلال عن الأهل، هناك طعم ورائحة لكل شيء، وفي رواية “كحل وحبهان” الصادرة حديثًا عن دار “الكرمة للنشر”، يُعد لنا عمر طاهر طاجنًا دسمًا من هذه الذكريات. كحل وحبهان
“كحل وحبهان” وجبة متكاملة من نوستالجيا الثمانينيات، وهو الحقل الذي يُجيد فيه طاهر الغرس والحرث، إذ يغرس لدى قرائه بذور الذكريات الجميلة لونًا وطعمًا ورائحةً، ثم يحرث دفئًا وحنينًا وسعادةً واسترخاءً، يُفسح للأغنية مجالًا واسعًا، فأغاني محمد منير، ومحرم فؤاد، وعلي الحجار، وفايزة أحمد، وميادة الحناوي وعدد من الأغاني النادرة تُكَوِّن خلفية غنائية بديعة للعديد من المواقف الإنسانية اللطيفة، وكعادة طاهر في أعماله الأدبية؛ فإنه لا تمضِ بضعة أسطر إلا ويترك ابتسامة رائقة على ثغر القارئ.
زمن ومكان الرواية يتنقل ما بين القاهرة 2008 وبين استطعام ذكريات الصبا في الثمانينيات، ما بين عبد الله الذي يعجب بزميلته في العمل؛ “صافية”؛ لمجرد أن أهدته معجنات بالقرفة، وبين ذكرياته صبي مراهق يُدعى “سيسكو”، يحب “سحر”ابنة الجيران. “سيسكو/عبد الله” كان يمتلك معدة ثور هائج، أكول وهمه على بطنه، جوعان دائمًا يحتار ويُحَيِّر من معه فيما يجب أن يأكله، تؤلمه معدته إذا اقترب منه التوتر، يحلم بفتاة “تفتح نفسه”، ولعبته المفضلة هي التمهل أثناء صعود طبقات عمارته أمام شباك مطبخ كل شقة ليستكشف طعام كل بيت، يخاف من احتقان اللوزتين خشية الوقوع ضحية لطعام المرضى، يجد الونس في الطعام مع الصحبة، ومفتاحه الوحيد لاستعادة الحياة في استعادة الشهية.
مقادير الرواية:
– سنوات الطفولة والصبا والمراهقة والشباب.
– بيت العائلة وحُضن الجدة وحِصن الخال وونس الجيران.
– رائحة الطبخ وسماع الراديو وطعم ساندويتشات المدرسة.
– وحفنة من نوستالجيا الأشياء: كرتونة شرائط الكاسيت، سخان المصانع الحربية، القلم (الفرنساوي) الأزرق، كيس الساندويتشات البلاستيك، جهاز الأتاري، كاسيت “باناسونيك” ستريو ببابين و (الووكمان الباناسونيك)، البيجاما (الكستور) المُقَلَّمَة، المِقْلَمة المعدنية المرسوم عليها خريطة العالم، قلم الرصاص بـ(السنون)، شريط الـ (ريفو)، ومجلة (المصور)، التليفون الرمادي ذو القرص الدوَّار بزنته الأثيرة، اللمبة السهاري، رقعة بنك الحظ، ورقعة السلم والثعبان، الراديو والجراب الجلدي البني، كسوة التليفزيون من قطعة ملابس قديمة.
– وحفنة من نوستالجيا الروائح: رائحة طشة الملوخية، أدخنة التحمير، كولونيا الليمون وكولونيا (أولد سبايس)، رائحة الكتب المدرسية الجديدة يوم استلامها.
– وحفنة من نوستالجيا الطعام: لقمة (ودن القطة)، مصمصة أجنحة الدجاج والرقبة، قرقوشة فخذ الدجاجة، والتهام الكبد والقوانص المسلوقة، شاي ما بعد الغذاء، إفطار يوم الجمعه، الجبنة “النستو”، مربى مشكل “قها”، كوب الشاي باللبن، لِبَان (كوكوواوا)، زجاجات (السبورت كولا) و(الكراش)، التصاق بواقي النوجا (الروكيت) في الضروس.
– وحفنة من نوستالجيا الأماكن: عمرأفندي، صيدناوي، منفذ بيع التموين ببطاقة التموين، نادي الشبان المسلمين، سينما قصر الثقافة، الحلواني والاستوديو، البقالة والكوافير والمكوجي.
– وحفنة من نوستالجيا الممارسات: هواية جمع الطوابع، تجليد الكراسات، دق جرس الحصة الأخيرة في المدرسة، تتر برنامج الشيخ الشعراوي، برنامج ع الناصية.
يُخبرنا طاهر من خلال الرواية ضرورة ملاءمة كل وجبة للحدث الملازم لها، آداب المائدة ووصايا الطعام، درس خصوصي عن متع النظر إلى الطعام وشمِّه ومضغه وبلعه، سر اختيار “العيش والملح” للتعبير عن الإخلاص، الفرق بين الأكول والذواق، الفرق بين إدمان القهوة والغرام بالقهوة، محاولة الوصول إلى كيفية ظهور فكرة أكل اللحوم، شهوة استطعام المحشي، وترنيمة في حب الباذنجان والتغزل في “المسقعة”، لعبة رائحة المشاهير، عن حلاوة طعام الأم منقطعة النظير، وكيف يكون التهام الطعام أو مجافاته دليلا على الاكتئاب، صحبة الأب والأم التي ليس ما بعدها صحبة.
اقتباسات:
– “يقع الشخص في غرام المشقة إذا عرف الطريق”.
– “السعادة عايزه حرامية، لأنها ما بتجيش غير سرقة”.
– “خُلِقَت الحياة من أجل واحد ثم اقتضت الحكمة أنه من الأفضل أن تتم قسمتها على اثنين”.
– “الرائحة هي الذكريات”.
نرشح لك: كحل وحبهان.. أيقونة مصرية