نقلا عن جريدة المقال
حتى الآن تتخطى حلقات المسلسل الأمريكي House Of Cards الحدود إما عبر الإنترنت أو عبر نسخها وترجمتها لعدة لغات منها العربية طبعا وتداولها من خلال الإسطوانات المدمجة أو “الفلاشات” ، حصل المسلسل سريعا على صفة العالمية لتفرده بتقديم شخصيات البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي بشكل غير مسبوق بالنسبة لكثيرين، من خلال الشخصية الرئيسية “كيفين سبيسي – فرانك أندروود” العضو البارز في الكونجرس الأمريكي عن الحزب الديموقراطي والذي بدأت حلقات المسلسل بصدمته لعدم اختياره وزيرا للخارجية بعد انتخاب رئيس أمريكي جديد يناير 2013 ليخطط للوصول إلى مقعد الرئيس نفسه وبالفعل يصبح نائبا للرئيس الأمريكي مع بداية حلقات الموسم الثاني، المسلسل حقق كل هذه الجاذبية لأسباب سياسية وفنية والأهم إنسانية، على المستوى السياسي يعيد العمل التأكيد وبشكل أوضح على أن الديموقراطية الأمريكية “مبالغ بها” بمعنى أدق يقوم المستفيدون منها بالتشدق بقواعدها أمام الرأي العام، ويخدعونه دائما بأنهم يحترمون هذه القواعد لكن كل ما يشغلهم هو كيفية تحقيق المنافع الشخصية بدون أن يشعر الناخب- دافع الضرائب أن قواعد الديموقراطية يجري انتهاكها، إذا وحسب المسلسل لا تختلف النخبة الحاكمة في أمريكا كثيرا عن أكثر دول العالم كُرها للديموقراطية، لكن الفرق الأساسي أن تطور المجتمع هناك وخصوصا الصحافة ووسائل الإعلام يدفع بتفاصيل اللعبة لمستويات أكثر ذكاء وتعقيدا ويجعل كل شئ يجب أن يتم بشكل يبدو قانونيا ومن يقع في خطأ واحد يضطر الباقون للفظه بعيدا عنهم ليثبتوا أن ولائهم الزائف للديموقراطية هو الأبقى، خط مواز لما يجري في البيت الأبيض يظهر أيضا في الجمعية الخيرية التي تديرها “كلير اندروود” وتجسدها روبين رايت ومهمتها حفر الأبار لاستخراج المياه النقية للشعوب الأفريقية الفقيرة، لكن الهدف الأساسي هو جمع التبرعات واختراق تلك المجتمعات لتحقيق أهداف أخرى، هذا عن صراحة المسلسل على المستوى السياسي، أما فنيا فيمكن اعتبار العمل قائم على “نص جيد للغاية” حتى أن بعض العبارات الواردة على لسان البطل الرئيسي تحولت عبر تويتر إلى عبارات مأثورة، فكل المشاهد تقريبا تجري في غرف البيت الأبيض، وأماكن التصوير محدودة للغاية ليكون “النص” هو عنصر الجذب الأول الذي يجبر المتفرج على الإنصات وتأمل كل عبارة تُقال لفهم دوافع وخلفيات الشخصية وتوقع الأحداث التالية، فيما جاءت مخاطبة “فرانك أندروود” للجمهور في نهاية بعض المشاهد في محلها وموظفة جيداً من أجل مزيد من الشرح لمواقفه واطفاء “روح الدعابة” لكسر حالة التشويق والإنتباه التي يلتزمها المتفرج طوال الحلقة، أما على المستوى الإنساني فيقدم المسلسل شخصية “الشرير” غير المؤمن بأي شئ سوى طموحه بطريقة ربما تكون الأولى في هذا النوع من الدراما، فنحن هنا أما “شرير حقيقي” لكنه ليس زعيم عصابة أو قائد مافيا وإنما نائب برلماني يسعى للجلوس على مقعد أهم رجل في العالم أيا كانت الوسائل بما في ذلك “القتل” ، وبالفعل حتى يصل لمنصب نائب الرئيس قتل نائب أخر في الكونجرس وصحفية شابة، بأساليب غير موجودة في سجلات جرائم القتل المتعارف عليها أي أنه يبتكر حتى في طريقة إزهاق أرواح من يقفوا أمام تحقيق الحلم، علما بأن كلا الضحيتين كانت علاقته الإنسانية بهما جيدا ما يجعله يقول معلقا على ما فعل ” يمكن أن تحب من ستقوم بقتلهم” ، ليصبح السؤال مع مطلع الموسم الثاني، إذا كان “فرانك أندروود” قتل مرتين حتى يصبح نائبا للرئيس، فكم ضحية أخرى ستسقط حتى يصبح رئيسا لأمريكا إذا نجحت خطته حتى النهاية؟