إسلام سيد محطات في حياة محمد شرف
محمد شرف فنان نقش ملامحه المصرية الأصيلة وبشرته السمراء كطمي النيل، وابتسامته العريضة، ونظراته التي تنم عن إنسان بسيط هدفه إسعاد الأخرين في قلوب محبيه. امتلك وجهاً بشوشاً وتلقائية في الموهبة، وخفة دم عفوية جعلته لا يزال حاضراً في ذهن الجمهور ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، فمشاهده وإيفيهاته هي الأكثر تداولاً من خلال الكوميكس الساخرة على السوشيال ميديا حتى الآن.
في ذكرى ميلاد الفنان الراحل محمد شرف، اليوم 19 فبراير، أجرى “إعلام دوت أورج” حوارًا مع الفنان هشام شرف نجل الفنان الراحل محمد شرف، تناول فيه حياته ومسيرته الفنية وعلاقته الإنسانية بجمهوره وزملائه، وتفاصيل أيامه الأخيرة. نستعرض فيما يلي أبرز تصريحاته:
1- ولد الفنان محمد شرف في 19 فبراير 1963 بالإسكندرية، تخرج في المعهد الفني التجاري، وتأثر منذ صغره بتوفيق الدقن وصلاح منصور وعادل أدهم وعشق فنهم وموهبتهم. كما أدمن متابعة أفلامهم. ظهرت موهبته على مسرح المعهد الفني التجاري، ثم انتقل إلى القاهرة بحثاً عن فرصة. وتمرداً على الظلم الذي يتعرض له فناني الأقاليم وانحسار الأضواء عنهم، بزغ نجمه في مسارح قصور الثقافة مع أبناء جيله أحمد رزق وأحمد آدم ورضا إدريس، ومن خلال مسرحياته تم ترشيحه للمخرج جمال عبد الحميد لدور “سامبو” في مسلسل “أرابيسك”، إذ يعتبره أول فرصة حقيقية له في الدراما، إلا أنه لم يتقاض أجرًا ماديًا عن هذا الدور آنذاك.
2- كان إنسانًا بسيطًا يبتسم دائما في وجه كل من يقابله، حريصاً على ألا يؤذي أو يجرح مشاعر أحد، ولا يتأخر عن مساعدة من احتاج إليه، فكان كما نراه على الشاشة ضاحكاً بشوشاً حتى في فترة مرضه، وقبل دخوله إلى غرفة العمليات وبينما الجميع يطمئنه ويواسيه كان يبتسم قائلاً: “أنا مش خايف، إيه اللي هيحصل يعني”.
3- كان يحب نوعية الأدوار الكوميدية التي يقدمها، لكنه كان يريد أن يقدم دور ضابط، ليثبت أنه “ممثل تقيل” يستطيع أن يخرج من جلده ويقدم دور عكس التوقعات. ومعاييره في اختيار أدواره هي مدى تأثير الشخصية في المشاهد وبقائها في ذاكرته، فنصيحته لي عند دخولي المجال هي “مش مهم حجم الدور، المهم الناس تطلع من الفيلم فاكراك ولا لأ”، وخير مثال على ذلك، هو دور “نسيم” في فيلم “أسف على الإزعاج” قدم ثلاث مشاهد حصدت جوائز كثيرة كأفضل ممثل دور ثان.
4- من طريف ما حكى، موقف مع الفنان عادل إمام، إذ أراد أن يظهر الأخير كضيف شرف في إحدى حلقات مسلسل “العيادة”، فاتفق مع الفنان إدوارد على عرض الأمر على “إمام” أثناء تصوير فيلم “حسن ومرقص” معه. وبالفعل جلسا معه في غرفته، وأخذ كل منهما “يغمز” للأخر حتى يفاتحه في الأمر، وظل كل منهما جالساً في خجل ينتظر الأخر حتى يعرض الأمر عليه قرابة الساعة، وفي النهاية لم يخبراه بالفكرة خوفاً من رفضه.
5- كان يحضر للشخصية ويذاكر الدور جيداً في البيت، فيجلس وأمامه السيناريو وورقة وقلم، وكان ينادي على يأخذ رأيي في الإيفيهات التي يضيفها حتى قبل دخولي مجال التمثيل، فإذا ضحكت أضافه وإذا لم يضحكني، يستمع إلى ملاحظاتي ويبحث عن إيفيه أخر، وكثيراً ما كان يرتجل في التصوير، خاصة مشاهده مع أحمد حلمي، تقريبًا 50% منها ارتجال، فمشهد “بيومي الحرامي” في فيلم “زكي شان” 90% منه ارتجال، فهما من أنجح الثنائيات في السينما المصرية، وتجمعهما علاقة صداقة قوية.
6- أجرى ثلاث عمليات جراحية، اثنان قلب مفتوح وعملية جراحية في المخ، وأثناء تواجده في المستشفى داوم على زيارته الكثير من زملائه وأصدقائه في الوسط الفني من مخرجين ومنتجين وفنانين، وأصدقائه من خارج الوسط أيضاً. لكن أكثر ما كان يسبب له إحساسًا بالضيق هي الأزمة المادية بعدما أنفق جميع مدخراته على العلاج، لكنه لم يشعر الأخرين بذلك، حتى لا يتضايقوا، وكان يتعامل مع الأمور ببساطة وصلابة في آن واحد.
7- تفانيه في العمل كان يحسن حالته النفسية ويخرجه من تأثيرات المرض وآلامه، فبعد خروجه من العملية وأثناء فترة النقاهة أسعده عرض بعض الأعمال عليه وعودته للوقوف أمام الكاميرا. وذات مرة بعد إجرائه لعملية جراحية إثر انسداد في شرايين المخ، عُرض عليه دور “السائق راضي” في فيلم “عسل أسود”، وقبِلَ الدور رغم حالته الصحية وعدم تعافيه بالكامل من أثار العملية، لكنه تحامل على نفسه وحضر أول يوم تصوير، لكن حالته الصحية لم تسمح له باستكمال اليوم التالي، فألغي التصوير، وأدى الدور بدلًا منه الفنان لطفي لبيب.
8- نجحت العملية الجراحية الأخيرة التي أجراها في القلب، بإشراف عدد من الأطباء المعاونين للدكتور مجدي يعقوب، وكان راضياً عن موقف النقابة والدعم الذي قدمته بتكفل تكاليف العلاج، لكنه كان مستاءً من غياب بعض الأصدقاء وعدم سؤالهم عنه في فترة مرضه، وتوفي بعد نجاح العملية بحوالي سنة.
9- في فترة مرضه تلقى العديد من الاتصالات الهاتفية من جمهوره للاطمئنان عليه، وكان سعيداً بتعليقات الجمهور والكوميكس التي يصنعها محبيه من مشاهده وإيفيهاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كما كان يتابع مسرح مصر، ويحب حمدي الميرغني فهو يضحكه بشدة، وكان من الداعمين له والمؤمنين بموهبته.
10- في أيامه الأخيرة لم يلاحظ عليه أحد أي تغيير، ففي يوم الخميس 26 يوليو الماضي تدهورت حالته الصحية، فتم نقله إلى المستشفى للاشتباه بإصابته بجلطة، لكن سرعان ما تحسنت حالته وأخبرنا الأطباء أنه سيحتجز يومين في المستشفى فقط، في اليوم التالي اتصلت بنا المستشفى لتخبرنا بأن حالته الصحية تدهورت وتم وضعه على جهاز التنفس الصناعي بسبب توقف القلب، وتوفي يوم الجمعة ظهراً.
11- معظم أصدقاء أبي لا تزال علاقتي بهم مستمرة وفي تواصل دائم معي مثل الفنان أحمد أدم، والفنان صلاح عبد الله، والفنان خالد سرحان. وكنت أراه كأب كما نراه على الشاشة يحب الضحك ويبعث البهجة في جلساته أينما وجد. وفي فترة إجازته كان يحب النوم، ومتابعة مباريات كرة القدم، يحب اللاعب محمد صلاح وكان يحرص على ألا تفوته أي مباراة له.
12- عندما قررت دخول مجال التمثيل، قال لي: “أنا لسه مشوفتكش، لما أشوفك”، ورفض أن يتواصل مع أصدقائه ليتوسطوا لي في معهد الفنون المسرحية وفضّل أن أختبر موهبتي بنفسي، إذا قبلت فأنا موهوب وإذا لم أقبل فلست كذلك، فدخلت اختبارات المعهد دون أن يعرف أحد أنه والدي ونجحت بالفعل.
13- أول لقاء بيننا أمام الكاميرا كان في فيلم “حصلنا الرعب”، كنت متوتراً فهو أول ظهور لي في السينما، فقال لي في أول يوم تصوير “متخافش، أنا هبقى معاك في التصوير”. وكان ينصحني دائمًا بقوله: “متتلونش، ومتظلمش حد، ولو أنت قادر على حد متجيش عليه، لو في مشكلة مع حد تقدر تؤذيه وفي نفس الوقت تقدر تسامحه سامحه، الأقدر منك ومنه هو ربنا”.
نرشح لك: تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة محمد شرف