قبل ثلاثة أعوام من الآن شغلتني اهتمامات النساء وبدأت الكتابة عنهن، وكنت أراقب ما يحدث حولي وأتبع بعض المجموعات والصفحات على “فيس بوك” تلك الخاصة بالمرأة، والتي تبنت في بداية تأسيسها أهدافًا نبيلة لجمع شمل السيدات والفتيات والاستفادة من تجاربهن المختلفة في العمل والأسرة والمجتمع. الصفحات الخاصة بالمرأة
وكنت أعتقد وقتها أن متابعتي لتلك الصفحات ضروري وقد يمنحني مؤشرًا جيدًا عن ما يشغل النساء ليساعدني على الفهم والتحليل، فانضممت خلال تلك الفترة لعدد من المجموعات، بعضها تبنت أفكارًا نسوية شديدة التطرف اعتبرت الرجل عدوها اللدود وأضمرت الشر والانتقام من الذكور!.
فيما كانت هناك مجموعات أخرى هدفها إقامة جبهة لمواجهة جروب الرجال الشهير “جات في السوستة”، إلا أن ما لاحظته في منشورات تلك المجموعات النسائية المقلدة جاء انعكاسًا لـ”توقعات” ما يدور في مجتمع الرجال السري، فالنساء يعتقدن أن الرجال لا يجتمعون إلا للحث على العربدة والانحراف، فخرجت علينا بعض الجروبات النسائية فجة مليئة بالنصائح في فنون المغازلة والإغواء والقصص الوهمية وتبادل بعض الصور والمقاطع الجنسية، والمطاردات وخطط لصنع الفخاخ للإيقاع بالجنس الآخر وتأديبهم والنيل منهم، وأحيانًا لتفريغ شحنات الغضب بالسب والشتم في أزواجهن وفضحهم أثناء غيابهم، ناهيك عن أن بعض تلك المجتمعات الرقمية كانت تضع قواعد عنصرية شديدة كشرط للانضمام لها، وتختار أحيانًا سيدات من طبقات اجتماعية محددة مثلما حدث في جروب “لالا لاند” الذي بدأ من نساء سكندريات منتميات للطبقة المخملية وانتهى بشجارات وردح بين عضواته وسخرية وتنمّر تجاه أخريات لم تتوافر لديهن شروط الانتماء لـ”مجتمع نساء الأثرياء”.
بقى أن أذكر أشهر جروب نسائي سري في الثلاث سنوات السابقة وهو “حد يعرف؟” وقد انطلق في البداية كجروب خدمي بفكرة بسيطة وهي مساعدة النساء والسيدات على مشاركة التجارب من أجل الحصول على احتياجاتهن اليومية، وطرح أسئلة حول بعض المسائل الخاصة بهن كالتجميل والرياضة والطبخ وبعض المسائل القانونية والصحية وأفضل الأماكن للتنزه وتصفيف الشعر وتربية الأبناء، وغيرها.
توسعت فكرة الجروب منذ انطلاقه سريعًا ونجحت أهدافه، وتحول إلى منصة لدعم الأنشطة التجارية الصغيرة الخاصة بالمرأة، وبدأ بتنظيم معارض لخدمات واهتمامات المرأة، لكن مع مرور الأيام والسنوات وتنامي عدد عضوات الجروب الذي تجاوز المليون تقريبًا، انحرف عن مساره ليصبح منصة لطرح أسئلة غريبة مثل البحث عن الدجالين وقارئات الفنجان والعرافات، وأسئلة أخرى غير مألوفة مثل فتاة أرسلت سؤالًا حول رجل معجب بأظافر قدميها فماذا تفعل؟، وأخرى طرحت سؤالًا حول كيف تمنع شاب من خطبة جارتها؟!، وأسئلة أخرى من قبيل ما اسم السيدة التي يخونك زوجك معها؟ ونقاشات حول درجة وسامة أبطال المسلسلات التركي.
بدا لي أن هذا التحول يعكس نمط حياة هؤلاء، بالتأكيد هذه المشكلات لا تخرج من عقل امرأة واعية مشغولة بأهداف، أو لديها خطة في حياتها، أو أنها معتادة على القراءة، بل هي أفكار خاوية تفسر الاضمحلال والهشاشة التي يعاني منها قطاع كبير من المجتمع فإذا كانت هذه هي الأم المسؤولة عن التربية فماذا نتوقع من الأبناء؟.
غير أن أغرب الأسئلة التي قرأتها فدفعتني للانسحاب من هذا الجروب كان لفتاة طلبت طريقة الاستحمام، وأخرى كتبت أنها تجلس في الحمّام على حد قولها وطلبت النجدة من عضوات الجروب لأنها مصابة بالإمساك!.
ويبدو في النهاية أن مؤسسي الجروب زهدوا فيه وفقدوا قدرتهم على التحكم فيما يصلح للظهور من أسئلة بسبب عدد العضوات الكبير، فتركوا كل شيء على عواهنه، بلا اختيار ففشلت الفكرة التي وُلدت مزدهرة وسقطت مثل أفكار كثيرة بدأت بحلم ثم انزوى.
نرشح لك: هشام صلاح يكتب: أين أغاني الطفل من خريطة الفن المصرية؟!
شاهد: يوم مش عادي في ضيافة الإعلامية رنا عرفة