ليال حداد “نقلًا عن العربي الجديد”
مرة أخرى لم نشاهد وجه أبو محمد الجولاني. استمعنا إلى كلامه ونحن نشاهد ظهره ووجه الإعلامي في قناة “الجزيرة” أحمد منصور. قبل أكثر من عام، في ديسمبر/كانون الأول من عام 2013، وعلى الشاشة نفسها، أطل زعيم “جبهة النصرة” لكن مع الإعلامي تيسير علوني. يومها أيضاً لم يظهر وجهه، علماً أن قيادات كبرى من تنظيم “القاعدة” سبق أن أجرت مقابلات مع علوني، وغيره بوجوه مكشوفة.
وبعيداً عن غموض شخصية الجولاني، كيف كانت المقابلة؟ من المنصف إعلامياً القول إن الحوار لم يكن موضوعياً. ومن المنصف القول أيضاً إن أحمد منصور لم يلعب دوره المطلوب، بتفنيد أخطاء الجبهة، أو بطرح الأسئلة والهواجس التي يتناقلها معارضو الجبهة. بدا موافقاً على كل ما قاله الجولاني. لم يعلّق على أي جزء من الكلام الطائفي، عن الدروز تحديداً. ليدخل الحديث في أوقات كثيرة الحيّز الدقيق الفاصل بين الحوار الإعلامي والبروبغندا. فبينما كان الجولاني يتحدّث عن “اعتراف الدروز بأخطائهم العقائدية… وإشراكهم بالله من خلال بعض القبور التي يزورونها” كان منصور، يتحدّث عن حماية جبهة النصرة للدروز والمسيحيين “تفاجأت وانا أمشي في بعض المناطق المحررة عن وجود قرى درزية ومسيحية أنتم من يحميها”.
المنطق نفسه اتبعه منصور عندما تحدّث الجولاني عن الطائفة العلوية “تلقي السلاح، وتتبرأ من الأسد، وتترك عقيدتها، وتعود إلى الإٍسلام”. بدا همّ منصور ردّ التهم التي تلقى على الجبهة، حتى قبل أن يتكلم الجولاني. “لم تفرضوا شيئاً على النصارى، ولم تأخذوا النساء سبايا كما يروّج الإعلام الغربي” يقول منصور للجولاني، متجاهلاً ما قاله زعيم “النصرة” عن إجبار النصارى المقتدرين على دفع الجزية عند إقامة حكم إسلامي في المنطقة.
“الغرب يركز في إعلامه على اضطهادكم للأقليات؟”، جواب الجولاني جاء سريعاً: “لسنا بحاجة للغرب ليحدثنا عن حقوق الإنسان وحقوق الحيوان”، وتابع كلامه ليؤكد مرة أخرى ارتباط الجبهة بتنظيم “القاعدة”، وهو ما بدا واضحاً من خلال العلم الموجود في المقابلة.
هل سقطت قناة “الجزيرة”؟ بسرعة خرج علينا مناصرو النظام السوري في سورية ولبنان… لشتم القناة. الشتم الذي يتكرر بمناسبة ومن دون مناسبة. لكن بعيداً عن ردود الفعل السريعة وتلك التي تشتم قناة “الجزيرة” منذ انطلاق الثورة السورية وحتى اليوم، لا شكّ في أن المقابلة “ضربة إعلامية” تحسب لمصلحة الفضائية القطرية. لكن ملاحظات كثيرة تؤخذ على المقابلة، ومن خلفها على “الجزيرة”. ومجدداً لعلّ الانتقاد الأكبر هو تعاطف أحمد منصور التام مع الجولاني، مع خطابه، ومع مختلف ردوده، الطائفية منها، وغير الطائفية. بدا أحمد منصور بنبرته الهادئة، ببساطة مروّجاً لخطاب جبهة النصرة، أكثر منه محاوراً زعيمها. يطرح عليه الأسئلة التي يريدها، يستفيض ويجمّل أفكار الجولاني. هذه المرة لم يكن أحمد منصور محاوراً، كان هو نفسه مجرد “شاهد على العصر”.