عبدالبصير حسن العطلات الأسبوعية
أتذكر جيدًا كيف كنا في قُرانا نذهب من سن العاشرة تقريبًا، في العطلات الأسبوعية والرسمية وإجازة نصف العام للحقول، لجني المحاصيل ومنها البازلاء “البِسلّة” تحديدًا في هذا التوقيت من العام قبل الـ 6 صباحًا.
كان بُساط أبيض من “الجليد” ونسميه في قريتنا “الجِليط” يغطي الحقول والممرات المؤدية إليها بكثافة بينما تصاعد بخار الماء من الترع والمصارف وغلفت الشبورة المائية المحيط المكاني في كثير من الأوقات.
كنا نتحولق على فترات حول نيران نُشعلها عند رأس الحقل من “البوص والقش” وحول دخانها كوسيلة لإحياء أصابع أيدينا وأرجلنا المكشوفة، من التجمد أو التيبس ونستعيد الإحساس بها، إلى أن تذوب قطرات الندى ورذاذ الجليد على أكمام ملابسنا وعلى الشجيرات لاحقًا، مع استقواء أشعة الشمس عند الضحى.
كنا نتبارى في ملئ “الغَلَق” وهي “حاوية من خوص النخيل لجمع المحصول”، وكان الأول من الصبية والصبايا كمية وأمانة في قطف الثمرة مع الحفاظ على ثبات الشجرة في التربة، يحصل على “قرش صاغ واحيانا تعريفة أو نصف قرش” مكافأة تضاف إلى أجرته التي أتذكر أن بدأتها بـ” 10 قروش” لليوم الكامل، و5 قروش لنصف يوم، في وقتها مستهل الثمانينات.
كانت أيام نقية بيضاء بنقاء الجليد ودفء “ركية النار” رغم سحب الدخان التي كنا نستنشقه دونما أي توابع لاحقًا من “حساسية صدر أو أنف” أو خلافه – سردت ذلك أمس لبائع الخضار بجوار بيتي،عندما وجدت أصابعي تمتد تلقائيا لـ “قرون” البسلة تتلمسها وتنتقى سمينها وطازجها و”أفرط” حباتها في فمي واحدة تلو الأخرى بحنين وإحساس ومذاق لا يقارن أثناء شراء الخضار الأسبوعي لبيتي في هذا الطقس شديد البرودة- لا تزال رائحة “الجليط والبسلة والأرض والدخان” حية في ذاكرتي منذ أكثر من 35 عامًا.