أشباح بروكسل
إسلام وهبان
كتابات عدة تناولت علاقة الغرب بالعرب والمسلمين، وما يحاك من مؤامرات لتخريب الدول العربية وإحداث فوضى بها والاستيلاء على خيراتها، وكيف يتم استغلال أبنائها لتنفيذ هذه المخططات.. لكن الروائي محمد بركة، أراد في روايته “أشباح بروكسل”، الصادرة حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن يسلط الضوء على الممارسات التي يرتكبها عرب أوروبا المقيمين هناك، والتي تنذر بتحويل جنة الغرب إلى أرض الجحيم للمهاجرين العرب.
وفي حوار امتد لأكثر من ساعة، تحدث “بركة”، لـ إعلام دوت أورج، عن كواليس كتابته لرواية “أشباح بروكسل”، وعلاقتها بعمله ببلجيكا، وكيف أثرت الحياة هناك على أحداث الرواية، وذلك من خلال السطور التالية:
– متى بدأت في كتابة الرواية؟ وهل هناك تشابه بينك وبين بطلها؟
شرعت في كتابة الرواية منذ عامين تقريبا، خلال الأشهر الأخيرة من عملي ببلجيكا، كمراسل لصحيفة الأهرام، في توقيت لم يكن هناك أي مراسلين مقيمين تابعين للمؤسسة ببروكسل، رغم أهمية هذه المدينة سياسيا، وهذه هي إحدى نقاط التشابه مع بطل الرواية “مكاوي”، لكن نقطة الاختلاف الجوهرية هي ما تمتع به بطل الرواية من مميزات ورفاهية سواء ماديا أو في الصلاحيات التي كانت متاحة له. ورغم كل الظروف القاسية التي عشت بها هناك خلال إقامتي إلا أن فعل الكتابة نفسه كان بالنسبة لي لحظة الدفئ في مناخ شديد البرودة سواء على المستوى المناخي أو النفسي.
– تناولت في الرواية كواليس خطيرة لرحلة المهاجرين من الحروب ببعض الدول العربية، والفرار للدول الغنية بأوروبا، هل كانت لديك معلومات دقيقة عن هذا؟
سأكون صريحا معك، فقد التقيت بكثير من المهاجرين خلال إقامتي ببلجيكا، وكنت مشدوها من دراما الانتقال من جحيم الحروب ببعض الدول العربية مثل سوريا والعراق، والوصول لجنة الغرب، وبالفعل جمعتني صداقات بعدد منهم وقد حكى لبعضهم في لقاءات متكررة سواء بصفتي الصحفية أو بصفة شخصية كأصدقاء، وعرفت الكثير من التفاصيل الدقيقة عن هذه الرحلة وكيف يتم إدارة هذه العملية بشكل مذهل لا يمكن تصديقه.
– لماذا اخترت لفظ “قاطعي الرؤوس” طوال أحداث الرواية ولم تقل “داعش” أو التنظيمات الإرهابية؟
الحقيقة أن السبب وراء ذلك هو قناعتي بفكرة “الخلود”، وأعني خلود النص، فبعد خمسين عاما قد لا يكون هناك داعش. وعموما ففي أي نوع من أنواع الفنون أرى أن الفنان لا بد ألا يغرق في تفاصيل وقتية، فلم أذكر في أي من رواياتي لفظ “فيس بوك”، أو أي تعبير شائع ويعبر عن عصر معين.
– في أكثر من موضع في الرواية ركزت على الحديث عن عدد من المدن والمقارنة بينها تحديدا القاهرة وروما وبروكسل، فما السبب في ذلك؟
خلال كتابتي للرواية أردت ألا يكون أبطالها شخوص فقط، بل جعلت من المدن أبطالا رئيسية، وركزت على ثلاث مدن هي القاهرة وبروكسل وروما، وحاولت التأكيد على مدى إنسانية وحميمية المدن ومدى إحساسك بالغربة عبرهم، فقد رأيت أن القاهرة أكثرهم توحشا وزحاما وإحساس بالغربة، رغم إقامتي بها منذ 20 عاما تقريبا، ففي أول مجموعة لي وصفت القاهرة “بالمدينة التي تفح الصهد وتأكل الأسفلت”، أما بروكسيل فالغربة هناك ضاغطة وهي أكثرهم قسوة من حيث الطقس وطبيعة المناخ، لكن روما أراها المعادل العبقري بين حميمية القاهرة وحضور الشمس فيها، وبين بلجيكا والتي أخذت منها الحد الأدنى في النظام والأناقة، لكنها تخلصت من برودة العلاقات الإنسانية بها.
– لماذا غلب على الرواية الأسلوب الشاعري؟ وما هي أبرز الأسماء التي تستمتع بأشعارها قديما وحديثا؟
أرى دائما أنني روائي شعري الهوى، فأنا مغرم بالشعر وأعتبره محرك أصيل لطاقة الانفعال عندي، كما أنني شديد الولع بالقدرة الهائلة لدى الشعراء على التكثيف والاختزال، لذلك فأنا لا أميل للاستطراد والإسهاب الطويل في رواياتي، وأعتقد أن الأسلوب الشاعري قد طغى على هذه الرواية نظرا لطبيعة المناخ والحياة هناك، والحصار الذي كنت أعيش فيه، وكأنني أعبر عن كل ما بداخلي من داخل مكان ضيق للغاية يشبه الزنزانة أنيقة، وبالخارج عواصف وأمطار رهيبة.. كل هذا العنفوان بالتأكيد أثري على أسلوب كتابة الرواية.
من الأشياء الغريبة أنني متابع جيد للوسط الشعري أكثر من الروائي خلال السنوات الأخيرة، أما إذا تحدثنا عن أبرز الأسماء التي استمتع بأشعارهم من القدامى محمود درويش وأمل دنقل، ومن الأسماء الحديثة إيمان مرسال وصديقي السوري أوشنك أوسي، كما أنني شديد الاستمتاع بالجيل الجديد أمثال سارة عابدين وعزة حسين وزيزي شوشة، وغيرهم ممكن أفتتن بكلماتهم.
– هل كان لديك تخوف من أن تبدأ الرواية بمشاهد حميمية، ومن الجرأة في عرضها، في مجتمع شرقي محافظ؟
أولا العبرة بمدى التوظيف الفني لمثل هذه المشاهد الحميمية، وأعتقد أنه تم توظيفها أدبيا وفنيا بشكل جيد ولم تأت مقحمة، الأمر الثاني أنني سأفاجأك بأنني فقدت جزءا من شجاعتي وجرأتي في التعبير، وروح الاقتحام التي كانت تتلبسني بقوة، وقد يعود هذا لأنني أصبحت أبا وعليه التزامات اجتماعية لا علاقة لها بالأدب نهائيا، الشيء الأخير أننا في الوسط الأدبي أصبحنا نواجه وحشا متربصا لكل لفظ أو كلمة وأحاول دائما أن أتمرد عليه ولو على استحياء.
– لماذا وضعت العديد من القضايا والتساؤلات برواية “أشباح بروكسل” دون أن تعطي إجابات محددة للقارئ؟
الفن عموما لا يعتمد على المباشرة، وهذا ما أحاول الابتعاد عنه تماما في أعمالي، من خلال الإيماء والتلميح للعديد من القضايا السياسية أو الاجتماعية دون التصريح بذلك، أو إصقال العمل الأدبي بموضوعات معينة، كما أنني أحاول ألا أعطي أحكاما مطلقا، وهذا ما تم خلال تناولي لقضية مثل المثلية الجنسية للنساء، فلم أدينها أو أشجع عليها، لكن أردت إثارة فضول القارئ حول ظاهرة غير عادية ومحيرة.
– هل عملك بالصحافة غلب على كونك روائي للحديث عن المهنة وهمومها داخل أحداث الرواية؟
قطعا لم تطغى مهنة الصحفي على الروائي، لكن كون بطل الرواية صحفي ويعمل في وكالة صحفية، ومراسل بالعاصمة السياسية للاتحاد الأوروبي، ومحاط بالعشرات من الصحفيين من مختلف دول العالم، جعل من الطبيعي أن أتحدث عن الصحافة وما يعاني منه الصحفيون عالميا ومحليا، والتطرق لقضايا الحريات.
– لماذا أردت أن تخرج الرواية بشكل وأسلوب مغاير لكثير من الموضوعات والأساليب الأدبية المنتشرة حاليا؟
من المفترض أن يكون الكاتب أو الروائي مائل دائما للحداثة والإبداع والتمرد على القوالب الأدبية السائدة، لكن الغريب أن هناك حالة عامة من الاستسهال، في الوسط الأدبي المصري والعربي، تشبه من وجهة نظري “عقلية الفلاح المصري الكسول قديما”، والذي كان يعتمد على تقليد جاره بزرع نفس المحصول؛ فالروايات الآن تكتب بمبدأ الموضة الرائجة، فمثلا إذا وفق كاتب في عمل روائي ينتمي لأدب الرعب، وحقق نجاحا ملحوظا، تجد عشرات الروايات قد غزت السوق من نفس النوع، قس على ذلك الروايات التي لها طابع صوفي والروايات الرومانسية، وقد وجدت بعد الانتهاء من “أشباح بروكسل” أنها كانت محاولة للفرار من الأنماط السائدة حاليا، لكن بصدق لم أكن أتعمد ذلك وقت كتابها، فقد كنت منفعل أكثر بمظاهر الحياة بهذه المدن وخصوصيتها، فقد وجدت أن الغرب قد وقع ضحية لتحايل وانتهازية كثير من الجاليات العربية المقيمة هناك، والتلاعب بالسلطات المحلية لهذه المدن ويقابلها قدر كبير من التسامح بهذه الشعوب.
– لماذا لم تأت النهاية صادمة للقارئ؟
أنا لا أخطط قبل كتابتي للعمل الأدبي، تكون لدي فكرة محددة أعمل عليها، لكن لا أضع نهاية مسبقة أو خطة معينة لسرد الأحداث، بل أترك الكتابة تقودني للنهاية، وأعتقد أنه مع انتشار الروايات ذات النهايات الصادمة، فإن تقديمي لنهاية مغايرة هو تمرد على التقليدي والمعتاد حاليا، لكن على كل حال فالصدمة الحقيقية في الرواية أو نقطة التحول هو نزول قوات الجيش البلجيكي ووضع قواعد صارمة ضد المسلمين والعرب، ويمكنك أن تقول أنها نبوءة لن استغرب من حدوثها نظرا لما رأيته من استغلال واحتيال وتصرفات متطرفة من العرب هناك، وقد ساعدهم على ذلك التمادي في منح الحريات.
نرشح لك: رابط التسجيل بمسابقة “تراثي” للفنون التشكيلية لعام 2019