حين فكرت بهدوء وحاولت أن أبني حواراً منطقياً مع نفسي حول نغمة الإحباط السائدة لدي الأوساط الشبابية وفكرة السفر وجدت أن الكثير من تلك الزوبعة نتج عن سخط من الواقع السياسي المصري ، وعلي السلطة القائمة وما قبلها وصولاً لرئيس الجُمهُورية الأسبق “مبارك” ، كُلٌ له حيثياته وُكلٌ يمتلك الحُجة الدامغة من وجهة نظره ، لكن الجميع يتغافل عن مصر الوطن الذي لا يتحرك ولا يهتز لأي نظام سياسي ولا لأي مجموعة موالية له ، يظل يراقب في صمت ، أراقب أنا الأخر كل الأشياء من حولي ، أجد الشمس تُشرق كل صباح في موعدها دون كسل أو تأخير، أجلس مساءاً فأجد القمر وكأنه يُلقي السلامات والتحيات علي الحاضرين ، النجوم حاضرة لم يتغيّب أحد ، أتخيل لو أن الشمس أو القمر دعا ربه وهو في السماء “يارب مش عايز أظهر في مصر” ماذا نحن فاعلون ؟!
في الربيع وجدت الزهور بألوانها المختلفة كما المعتاد ، أثناء إتمام عُرس أحد أصدقائي ذهبنا لأحد محلات الورد فوجدت الورد مستمتعاً بمهمَته ، هادئ الطبع ، يتمايل ذات اليمين وذات الشمال بمرونة شديدة رغم أنه في السهرة سيتعرض للفتك بواسطة الأطفال الصغار ، الأسفلت في مصر حتماً يريد الهجرة ، لا أحد يسقيه إلا دماء المصابين ، يتعرض للقسوة من سائقي النقل “بجر الحديد علي وجهه” أو تساقط “الطوب والزلط علي رأسه” فلا يشتكي ، أذهب لشراء الخضروات فأجد الجرجير في نفس الرف عند بائع الخضروات منذ سنواتٍ طويلة لم يشتكِ من مُبارك ، ولم يدعم حتي الرئيس السابق مرسي بمسيرة علي من الرف للرف الآخر !
ثم توقفت عن مراقبة الأشياء حولي ، حين عُدت لأُكمل القراءة عن غزوة “تبوك” أو العُسرة ودعوة الرسول”صلي الله عليه وسلم” لقتال الروم وصعوده المنبر “من يُجهز جيش العُسرة وأضمن له الجنة ؟ ” فقام عثمان بن عفان فتبرع في الصحيح بألف دينار وجهّز الجيش بأكمله من العُدة والعتاد ، فدعا له النبي “اللهم ارض عن عثمان ، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم” ، لكن اللافت قصةُ أُخري أشد وأعمق ، قصة الصحابي الذي جاء مُتبرعاً بأخر ما يملك في بيته “تمراتٍ معدودة ” !!!
وجلس المنافقون في آخر المسجد كالعادة يسخرون من جهده وتبرعه !
“وما أكثرهم قاتلهم الله”
أما الصحابة الذين عُرفوا “بالبكّائين” الذين جاءوا للنبي يريدون الخروج للغزوة فلم يجد النبي ما يحملهم عليه فانخرطوا في البكاء “وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ” “التوبة 92”
تلك هي القضية ، النيّة والضمير ، إن كنت مسافراً أو مُهاجراً فاذهب ومعك كل الأُمنيات الطيبة ، وإن كان مقدّراً لك أن تبقي هنا فتوقف عن الإحباطات التي تُصدّرُها للناس فضاقت عليهم الأرضُ بما رحُبت ، الكلام سهل ميسور لكنّ العمل أصعب ، ليست قضيتي أنك حصرت الوطن في أتباع الرئيس السابق أو الحالي أو أنصار مبارك فأصبحت ناقماً أرجوك اخرجنا من هذه المعادلة الظالم أهلُها هناك سواعد الخير الذين لاينتمون الا للوطن وهم كُثُر ، لكن للأسف لا إعلام يرعاهم لأنهم لايُجيدون السب ، يعملون في ظلام عن الإعلام ، لكن نور الإله يرعاهم ، اعمل الخير واخدم الوطن من موقعك حتي ولو كنت فقيراً أو مظلوماً ، اخرج تمرات من بيتك في رمضان واعطها للمارة وقت الإفطار وسيُنزل الله حلاوتها في قلبك ، ابتسم فمصر باقية والكل زائل ، قدم الكلمات الطيّبة وابتعد عن المساحات السوداء ، اصبر كما الأسفلت ، أصلح النوايا ، ابتعد أنت عن الغش وانجح بمجهودك في نظام تعليم فاشل ، أفضل عند الله من نجاحك بالغش في نظام تعليم فاشل “النظام منّا ونحن منه”
تحمل ما تتحمله أتوبيسات هيئة النقل العام من صدمات وحر وفرهدة وإهانة وتقطيع للكراسي اضمن لك الفوز والنجاح ، قدم قيمة فنية جيدة فمصر ليست عشوائيات ودم وإحباط ، النبي خرج من الطائف بحزن وكسرة وأقدام تسيل منها الدماء ولو أراد الإنتقام لكانت حادثة يشهد له التاريخ لكنّه عفا ودعا لهم ، فقامت دولة يفيض منها الرحمة والعدل والإِخاء والمُساواة
في كل مرة كان يقدس قيمة الصفح والبُعد عن الإنتقام “ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”
وهو الذي دخل مكة ظافراً منتصراً فعفا وقال “اذهبوا فأنتم الطلقاء”
وإن كان الجماد يتحمل ويصبر ، وإن كانت النباتات والحيوانات تصبر ، فلك أنت الأجر أن تصبر وتتحمل وتحارب الفساد في وطن يحتاج لجنودٍ بواسل وليس لمحاربي الكيبورد.