شتّامين السوشيال ميديا
إيمان مندور
لا شك أن الانفتاح المعرفي الهائل بين ملايين البشر الذي أتاحته مواقع التواصل الاجتماعي حتى الآن، له من المميزات ما يجعل الاستغناء عن هذه المواقع مستحيلا في الوقت الحالي وربما مستقبلًا أيضًا. لا سيما أنها تعطي مميزات حقيقية وخادعة في آن واحد، فأنت لديك الحرية المطلقة في التعبير عن كل ما يدور بعقلك، لكن قلّما تجد تأثيرًا مكافئًا للحرية التي عبّرت بها، أو إن شئنا الدقة في الوصف قلنا إنها تمنحك كمستخدم “حرية منزوعة الصلاحيات” في أغلب الأوقات. كذلك تعطي لكثيرين إحساسًا بالأهمية غير حقيقي، وشهرة وهمية، وشجاعة مزيفة تختلف تمامًا عن التصرفات على أرض الواقع.
هذه الشجاعة “المزيفة” ربما هي التطور المعاصر لسلوك “شتيمة” بعض المشاهير والمسؤولين عند مطالعة أخبارهم بالجرائد قديمًا، وكأن لسان حال الشخص وقتها بينه وبين نفسه عند قراءة خبر عن حج أحد المسؤولين أنه “بقا أنت يا ابن كذا بعد ما سرقت فلوس الناس وبتاخد رشوة.. رايح بيت ربنا؟!”. هذه الاعتراض والنقد بالسبّ تطور مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات العشر الأخيرة، وأصبح متاحًا توجيهه مباشرة للمسؤول أو الشخص المشهور أيًا كانت صفته، عبر حساباته على السوشيال ميديا.
وكانت ردود فعل أغلب المشاهير تقتصر على حظر المتجاوزين أو المنتقدين، إذ أن البعض يعتبر مجرد النقد تجاوزًا في حقه، لكن مؤخرًا تطوّر الأمر وبدأ يأخذ منحىً جديدًا من الجمهور والمشاهير على حد سواء، وذلك عقب انتشار التعليقات المصحوبة بشتائم بذيئة والخوض في الأعراض ولعن وسبّ الأمهات، من خلال حسابات حقيقية وليس ما يتم وصفه بـ”اللجان”، الأمر الذي أدى إلى تغيّر رد فعل المشاهير تجاه ذلك التجاوز، من “البلوك” لرفع قضايا لدى مباحث الإنترنت.
أيمن بهجت قمر
أمس أعلن الشاعر والكاتب أيمن بهجت قمر، أنه تقدم ببلاغين ضد اثنين من متابعيه عبر موقع “فيس بوك”، بسبب سبّهما له، موضحًا أنه أغلق حسابه بشكل مؤقت حتى لا يستطيع الاثنان مسح شتائمهما له، مضيفًا أنه أعاد فتح الحساب أثناء تقديمه للبلاغين، معلّقًا: “عشان كده قفلت الأكونت ده امبارح عشان ما يعرفوش يمسحوا الشتايم، وفتحته تاني وأنا بقدم البلاغ”.
وتابع: “والله ما هسيب حد تاني يسبني أو يشتمني، اختلف بأدب واحترام على رأسي من فوق، لكن فوضى السب والشتيمة على الأقل بالنسبالي انتهت ومش هسكت”، لافتًا إلى أنه تفرغ لمدة ست ساعات من عمله خصيصًا لمتابعة الأشخاص الذين يوجهون له السباب عبر السوشيال ميديا، تمهيدًا لاتخاذه الإجراءات القانونية حيالهما.
اختتم منشوره معلقًا: “بعد كده ياريت الأهالي ياخدوا بالهم عيالهم بيكتبوا إيه لإن ناس كتير مش هتسكت الفتره اللي جاية.. دي مش مراحيض عامة وفيه ستات وأطفال وناس محترمين.. ربنا يقوينا”.
بلاغات “قمر” بالأمس ليست جديدة، إذ فعلها من قبل ضد أحد متابعيه على “تويتر”، بسبب سبّه له، مناشدًا بضرورة تفعيل قوانين السب والقذف والخوض في الأعراض عبر الانترنت، وتطبيقها بشكل صارم.
أمير طعيمة
هاجم الشاعر أمير طعيمة، قبل أيام، جماهير النادي الأهلي، معربًا عن كرهه الشديد للنادي، واستيائه من تعليقات جمهوره المسيئة على حسابه عبر “فيسبوك”، إذ أن كثيرين منهم وجهوا له شتائم بذيئة وسباب يمس الأعراض، قائلا: “تعرضت لحملة شرسة ومسعورة طالت أمي وأبي المتوفي وحتي أهل بيتي لمجرد إعلاني عن أعمال فنية بعيدة كل البعد عن الرياضة لم تكن علي هوى الفئة المتجاوزة”.
لكنه ما لبث أن عاد معتذرا للأهلي وجمهوره اليوم، موضحًا أنه كان يقصد “القِلة” التي أساءت له فقط وليس الجمهور المحترم، كاتبًا: “انتهيت، مساء أمس، من عمل محاضر للمجموعة الأولى من الأشخاص اللي سبوني، وقذفوني أنا وأهلي وأسرتي، على أن تتبع بمحاضر لمجموعات أخرى في الأيام القادمة حيث يتيح لي القانون تقديم البلاغات خلال ٩٠ يومًا من تاريخ الواقعة، وإن شاء الله مش هزهق وهتخذ الإجراءات القانونية ضد أكبر عدد أقدر عليه، لأن للأسف التعليقات كانت من آلاف”.
وتابع: “اللي سبوني أبشروا: وفقا للمادة ٣٠٨ من قانون العقوبات الحكم يكون بالحبس والغرامة معا” على ألا يقل الحبس عن ٦ أشهر ولا يزيد عن ٣ سنوات”، ده غير عقوبات أخرى للتشهير والتهديد وغيره”.
اللافت أن “بوست” اعتذار أمير الذي أعلن فيه عن تقديم البلاغات، لم أر حتى لحظة كتابة هذه السطور أي تعليق عليه به شتائم بذيئة ضد “طعيمة” مثل منشوراته السابقة، وكأن التهديد برفع القضايا لدى مباحث الإنترنت أتى بنتائج سريعة، تحمل كثيرًا من التفسيرات لهذا الأمر.
إغلاق التعليقات
في الحقيقة الغضب من تعليقات الجمهور أصبح هاجسًا لدى كثير من المشاهير عند نشر صور عائلية، أو صور بملابس كاشفة إلى حد ما، أو حتى عند نشر صور بدون مكياج للفنانات؛ ريهام حجاج تلوم الجمهور على عدم تقبّل شكل الفنانات بدون مكياج، وكذلك سخريتهم منهن إذا وضعن المكياج باستمرار؛ حلا شيحة بعد خلعها للحجاب وعودتها للفن تغلق التعليقات عبر حسابها على “إنستجرام” عند نشر صور منفردة لها؛ ياسمين رئيس فعلت الأمر ذاته من قبل وأغلقت التعليقات، وكذلك مي عمر ومي عز الدين ودينا الشربيني وهيفاء وهبي وغادة عبد الرازق وو… إلى آخره من المشاهير الذين أضحت “شتائم” الجمهور تؤرقهم وتسبب أذىً واضحًا لهم. وربما يجد هؤلاء طريقهم ذات يوم لمباحث الإنترنت أيضًا بدلا من غلق التعليقات.
لكن في النهاية لا بد من العلم بأن استخدام المشاهير لسلاح “رفع القضايا” للحد من ظاهرة الشتائم عبر مواقع التواصل، لا يعني أنهم سيجبرون الجمهور على تقبُّل كل ما يفعلونه، فالفنان بدون جمهور يوثر ويتأثر به لا يساوي شيئًا، فمثلما لـ”النقد” حدود، تصرفات المشاهير لها حدود أيضًا هم أكثر من يتأذّى بسببها.
نرشح لك: كيف ظهر تريند “مر أعرابي” على السوشيال ميديا؟
شاهد: يوم مش عادي في ضيافة الإعلامية رنا عرفة