فيلم The Wife
إيمان سراج الدين
أن تتوراي خلف إنسان لتدفعه هو إلي الأمام وتختفي أنت، أن تكتب وتكتب وتكتب حتي تصل كتاباتك للعالم أجمع وتحصد في نهاية المطاف جائزة نوبل كأفضل كاتب في العالم بالخداع، أن تكون موهوبًا جدًا وتتمتع بموهبة فذة لكنك لا تدرك مدي أهميتها بالنسبة لك، أن يغمرك الحب فتضحي بنجاحك وشهرتك وإبداعك وحلمك من أجل من تحب، أن تكتفي بالوقوف في الخلف رغم أن مكانك الحقيقي في المقدمة، أن تغفر نزوات من تحب ولا توقفك تلك النزوات عن مساعدته وتبني فكرة أن تكون أنت لا شيئ مقابل أن يكون هو كل شيئ.
هل يوجد علي وجه الأرض من يحمل كل هذه الصفات، وبكل أريحية وحب ورضا وقناعة؟
“The Wife” الفيلم الذي شاهدته مؤخرًا ترك بداخلي كل تلك الإنطباعات والتي شاهدناها حقيقة من خلال أحداثه.
بطولة “Glenn Close” و “Jonathan Pryce” تخيل كونك غير مرئي، وكل ما تفعله أن تراقب بهدوء وتعيش تجربة من التنازلات المستمرة تصنع لك حياة مثالية، هذه هي القصة المؤثرة لهذا الفيلم، الذي يحكي عن كاتب يتوق إلي النجاح ويصل بنجاحه إلي الحصول علي جائزة نوبل.
لا تستغرب إذا وجدت نفسك في بعض الأحيان دخلت في قصة الزوجين وكأنك صديق لأي منهما، هذه حقيقة تركها عمق وصدق الحوار بينهما بالإضافة إلي الممثلين المذهلين اللذان كانا يؤديان آداءً لا تشوبه شائبة.
يبدأ الفيلم بمشهد جنسي بين الزوج والزوجة، من خلاله يتضح أن الزوجة تنصاع دومًا إلي زوجها برضا حتي لو كان ذلك دون رغبتها ويظهر ذلك أحيانًا في إبتسامتها الذابلة وضحكتها الساخرة، وقد أجاد الكاتب هذا الدخول.
المشهد التالي، مكالمة هاتفية في الصباح الباكر من مؤسسة نوبل تفيد بأن الروائي “جو كاسلمان” قد فاز بجائزة العام للأدب، هذه اللحظة تبدو مثيرة للإعجاب، فمشهدهما وهما يقفان صعودًا وهبوطًا علي السرير رائع وإن بدا علي وجه “جوان” الزوجة لمحات توحي بأن هناك شيء غامض قادم.
بعد فترة يطير الزوجان إلي ستوكهولم برفقة إبنهما لإستلام الجائزة، في الطائرة يظهر صحفي يخطط لكتابة سيرة حياة الروائي، ينهره الروائي حينما يقترب منه لإلقاء التحية علي عكس الزوجة التي رحبت به، في هذه الأثناء يتحرك الفيلم ذهابًا وإيابًا من خلال سلسلة ذكريات الماضي بين إحتفالات ستوكهولم والفترة التي تم فيها تعارف الروائي بزوجته وكيفية توطيد العلاقة بينهما”بين الأستاذ وطالبته” في مقابلة سريعة بين الزوجة والصحفي، يشير لها الصحفي أنه يشعر أن الجائزة المفروض تقدم إليها لا إلي الزوج، في إلحاح منه علي إقتناص الحقيقة منها مع إصرار منها أن كلامه خاطئ.
من بين تلك المشاهد، إحتفال بسيط كانت تلقي فيه شاعرة لقصيدة لها، فيها قام الروائي الشاب بتعريف جوان الكاتبة الذكية الموهوبة إلي تلك الشاعرة:
سمعت أنك تتمتعين بموهبة
أشكرك، إنني أحب التأليف فهو محور حياتي
لا تقومي بذلك
عفوًا؟
هل تودين أن تعرف أين سينتهي المطاف بكتبك؟ هناك علي رف الخريجين، إياك أن تشعري أنه يمكنك أن تستقطبي إنتباههم..
انتباه من؟
الرجال، الرجال هم الذين يكتبون المقالات الناقدة ويديرون دور النشر ويحررون المجلات، الذين يقررون من يستحق أن يؤخذ بجدية ومن يستحق أن يوضع علي قاعدة تمثال بقيتة حياته.
لكن علي المؤلف أن يؤلف.
يجب علي المؤلف أن تتم قراءة مؤلفاته يا عزيزتي.
لحظة صمت من الكاتبة الشابة، أعجبني جدًا هذا المشهد لأنه كان نقطة التحول في حياتها، هو الذي جعلها تكتفي بدورها كزوجة وأم ومفاجأة أخري ظهرت فيما بعد ربما في المشهد الذي أعتبره فاصل في هذا العمل، عندما ذهبا معًا للحفل وبدأ المكرمون أثناء حواراتهم يتساءلون عن عمل جوان وهل هي كاتبة، ليرد زوجها وبكل ثقة”جوان ليس لها علاقة بالكتابة” نجح المخرج هنا في إستخدام اللقطات المقربة علي وجهها”Close’s”، ومازلنا إلي هنا نتوقع كمشاهدين أن هناك شيء غامض، وأن النصف ساعة الأخيرة من العمل ستحمل أحداث درامية مفاجئة.
صعد الزوج إلي المسرح ليتسلم جائزته وليبدأ كلامه بمقدمة شكر لجوان حبيبته وشريكته وأم أبناءه مما أغضب جوان وجعلها تترك الحفل لتظهر لنا المفاجأة عن طريق فلاش باك يظهر فيه أن الكتب التي بسببها حاز الزوج علي جائزة نوبل”كانت كتاباتها” ولذلك كان رد فعلها، فهو لم يذكر حتي مشاركتها في قراءة ما قيل أنه كتبه، ليظهر الوجه الآخر لحياتهم المثالية، الزوجة تخرج من الحفل مسرعة إلي الفندق، يلاحقها الزوج، الزوجة تطلب الإنفصال، الزوج يرفض ثم يصاب بأزمة قلبية وهو يسألها إذا كانت تحبه أم لا في مشهد مذهل وعبقري، سيناريو وآداء.
في اللحظة التي أوصلنا فيها السيناريو لفكرة أن الزيجات طويلة الأمد مهما كانت قوية، تتعرض للإختراق وتنهار في دقيقة، وضح لنا أن الزوجة عندما تحب تضحي ولا تترك بسهولة عندما تمسكت بيديه لآخر لحظة وعندما هددت الصحفي أثناء عودتها في الطائرة لو مس موهبة زوجها بأي شيء.
تبدو جوان نموذجًا لآخرين مثلها، إمرأة ظلت معزولة ومقيدة ترتضي بالعلاقة التعاونية مع شريكها دون شكوى، لكن هل ستكتفي بهذه الصورة لها بعد موت زوجها أم ستصارع الواقع في محاولة للتغيير، يبدو أن نهاية الفيلم بفتحها لصفحة بيضاء تتحسسها كعاشق يضم حبيبته إلي صدره من بعد غياب طويل، توضح أنها لن تظل في الظل وستعود ولن تكون المرأة التي كانت لكنها ستصبح المرأة التي من المفترض أن تكون.
نرشح لك: إيمان سراج الدين تكتب: Me before you عندما تحرض السينما على الانتحار
شاهد| يوم مش عادي في ضيافة الإعلامية رنا عرفة