أعلم تماماً أنه لا توجد حيادية في الإعلام، وأن حكاية الحيادية هذه ضرب من الخيال، ولكن دائما نبحث عن المهنية التي تعطي مصداقية لوسيلة الإعلام أمام جمهورها، إلا أنه حتى هذه المصداقية أصبحت صعبة المنال في ظل الظروف التي يعيش فيها العالم حاليا، والصراع الدائر بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب.
استطاع الإعلام الأميركي أن يزيد من ظاهرة الاسلاموفوبيا وأن يجعل هناك رعبا من الإسلاميين في كل مكان في العالم، وأصبح أي انسان لمجرد أنه مسلم يواجه بنظرات من الشك والريبة، كما يتخذ ضده اجراءات أكثر من غيره في تعليمات الأمن والتفتيش وغيرها.
بالأمس، تعرضت شابة أميركية مسلمة للتمييز العنصري على أساس الدين على متن الطائرة في طريقها إلى واشنطن العاصمة من شيكاغو لحضور مؤتمر يدعو للحوار بين الشباب الفلسطيني والإسرائيلي، وكانت ترتدي الحجاب، وأثناء توزيع المشروبات في الطائرة طلبت من المضيفة عبوة مغلقة، فرفضت المضيفة، وعندما سألت عن السبب، قالت لها: غير مصرح بإعطاء عبوات مغلقة للمسلمين لأنهم قد يستخدمونها كسلاح على متن الطائرة، فما كان من الراكبة إلا أن أبلغت المضيفة بأنها تشعر بـ”تمييز عنصري” ضدها.
وبعد ذلك توجهت “طاهرة أحمد” إلى بقية الركاب بسؤالهم عما إذا كانوا شاهدوا ما حدث، فرد عليها أحد الركاب صائحاً في وجهها: “أنتم المسلمون، يجب عليكم أن تغلقوا أفواهكم….”، فسألته: “لماذا؟”، فبادرها قائلاً: “نعم أنت تعرفين أنه يمكنك استخدامها كسلاح، والآن عليك أن تغلقي فمك.”
الغريب أن هذه الفتاة كان قد تم تكريمها من قبل البيت الأبيض العام الماضي، باعتبارها واحدة من النساء المسلمات الرائدات في الولايات المتحدة، بحسب جامعة “نورث ويسترن”، كما سبق لها أن شاركت في حفل الإفطار الرمضاني، الذي أقامه الرئيس باراك أوباما، لعدد من القيادات الإسلامية، وبالطبع لم يسلط الإعلام الأميركي الضوء عليها.
ومن قبل عدة أشهر عبرت الإعلامية الأمريكية، سالي كوهين، عن امتعاضها من التغطية الإعلامية الهزيلة في معظم القنوات الأميركية لحادثة إطلاق النار على ثلاثة من الطلاب المسلمين بأميركا وقتلهم، متسائلة عن ازدواجية المعايير في التغطيات الإعلامية.
وقالت كوهين، وهي كاتبة رأي بموقع “ديلي بيست” ومعلقة سياسية على شبكة CNN في سلسلة تغريدات: “لقد غطت وسائل الإعلام الأمريكية خبر قيام مسلمين بقتل آخرين في فرنسا بشكل متواصل لعدة أيام.. لكن لا تغطية مماثلة لمقتل مسلمين هنا في أمريكا”.
وتابعت كوهين بالقول: “مهاجم إسلامي = إرهابي… مهاجم أسود = بلطجي… مهاجم أبيض = مجرد خلاف على مكان ركن السيارة” ثم تساءلت الكاتبة بغضب عن سبب غياب التغطية الواسعة في أمريكا لما يجري قائلة: “لو أن مسلما قتل ثلاثة طلاب من أصحاب البشرة البيضاء لكانت القضية اليوم تهيمن على التغطية الإعلامية”.
وغيرها كثير من الحوادث التي تتكرر، وأصبح المسلمين يعيشون في الغرب عموما، وأميركا بشكل خاص في حالة نفسية سيئة جدا بسبب التعامل معهم بكراهية من جيرانهم وزملاء الدراسة والعمل، فنظرات الشك تحيطهم في كل مكان.
لقد سلط الإعلام الأميركي الضوء على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وكأنه هو لسان حال المسلمين، بينما لديه نماذج هائلة من المسلمين أفرادا وجماعات ومؤسسات في البلاد الإسلامية وغير البلاد الإسلامية لا يقدمهم ولا يتحدث عنهم ولا يرغب في تقديمهم كنماذج مشرفة لدينهم أو لبلدانهم، بينما يركز الضوء فقط على الإرهابيين الذين يعتبرون نماذج استثنائية يحاربهم المسلمين قبل غير المسلمين، ولا يلقي الضوء أيضا إلا على الإرهابيين من المسلمين، بينما هناك إرهابيين من كل ديانة وفي كل بلاد العالم.
لقد ضقنا ذرعا بما تنادي به الولايات المتحدة من حقوق للإنسان، وحرية الأديان، وحرية الرأي، وعدم التمييز، وغيرها من المواثيق والمعاهدات التي تخرج باسم المنظمات العالمية ذات التوجه الأميركي، ثم تكيل الولايات المتحدة بمكيالين في تطبيق هذه المواثيق وهذه الحقوق، ووقت اللزوم تلقي بها في سلة المهملات.
لماذا لا ندعم وسائل الإعلام في المهجر، لكي تقدم إعلاما موازيا لما تبثه القنوات الأميركية من مغالطات وصورة سيئة عن المسلمين، أم سنظل نخاطب أنفسنا بآلاف القنوات والصحف التي تصدر بتمويل من هنا وهناك.