كنت أتصور أنني عندما أبلغ الأربعين سوف أكون على قدرٍ عظيم من الدراية و الإلمام بكل المناحي الثقافية، الفنية، السياسية، الأدبية، الرياضية، التاريخية بل والجغرافية أيضاً. كنت أتصور أن المرء إذا بلغ هذا العمر يكون قد وصل إلى ذروة المعرفة و يكون قد حقق من الإنجازات ما لم تصل إليه ناسا بعد.غادة الخطيب
كنت أيضاً أتصور أنني عندما أصل إلى هذه السن التي تبدو للصغار كبيرة وللكبار صغيرة، أنني سوف أكون “بِسْم الله ما شاء الله عليا كده” قد أصدرت كتابي الستين مثلاً! وسوف أبهر العالم بهذه الكتب الخرافية المنشأ ما بين المقال والقصة القصيرة والمدونات وأدب الرحلات “ومش بعيد كمان رواية أو اثنتين”. لكن “هنقول ايه” للسن أحكام وللثقة بالنفس حدود لا نهاية لها “وكل واحد في نفسه ملك لامؤاخذة”.
وبعدما فكرت ملياً في أنني لم أدرك أي شيء مما ذكرت، وأن الأربعين مجرد رقم “مهواش مليون سنة ضوئية”، قلت لنفسي عادي جداً “يموت المعلم وهو بيتعلم”، وكما تعلمنا من الشعب الإنجليزي الشقيق أنه (it’s never too late).
لذا قررت عمل صالون أدبي على غرار صالون العقاد والحكيم وصالون مي زيادة ، وصالون الأميرة نازلي والذي كان يحضره سعد باشا زغلول وقاسم أمين. تلك الصالونات الشهيرة التى كانت تُقام وكانت بمثابة مدرسة بل وجامعة ثقافية وفكرية لكل مرتاديها.
والسؤال الذي طرح نفسه عليّ: ما هي كينونة هذا الصالون؟ أيكون صالوناً أدبياً، أم إصلاحياً ثورياً، أم يجتمع فيه أهل العلم من الأطباء والكيميائيين مثلاً؟؟
أم هل يكون هذا الصالون “سلطة” من كل هؤلاء ، فتكون الفرصة أضخم وأكبر للنهم من جميع تلك العلوم والآداب؟
طيب…
هل يكون هذا الصالون للشباب فقط حيث الفكر الثوري التحرري الجديد بعد أن خذلنا الكثير من جيل الستينات؟؟ أم هل يكون من الكبار حيث الحكمة والخبرات والمعرفة اللامتناهية ، فتكون لدينا الفرصة أن نسمع ونرى منهم ما لم نشهد بأنفسنا؟
هل يكون هذا الصالون ممزوجاً بقراءة الشعر لكبار الشعراء كشوقي وحافظ ؟ أم يكون فرصة لسماع الأعمال البكر الجديدة للموهوبين الجدد والمغمورين الغلابة الذين لا يعرف أحد عنهم شيئاً؟
المهم.. ماطولش عليكم
قلت فليكن صالوناً شعرياً.. فتذكرت أن فاروق شوشة ونزار ودرويش وسميح القاسم ومطر كلهم قد انتقلوا عند بارئهم !! والموجودين حالياً معظمهم أنصاف مواهب يقرضون الشعر عن شااااااي ساعة المغربية والدنيا متربة ، والكومودينو اللي شال الهم بدري جنب السرير، والست الطيبة أُم وش أسمر بلون العيش الفينو اللي لسه طالع سخن وزي الملبن من فرن الجهاد في ميدان الدقي!!
قلت فليكن صالوناً أدبياً من الروائيين؟ فتذكرت أن “الثورة شالت ما خلت” من أول علاء الأسواني وإبراهيم عيسى وشكري فشير الذين يحبهم الملايين ويكرهم المليارات، وانتهاءً بيوسف زيدان “اللي مفيش اتنين ماشيين في الشارع متفقين على نفس الرأي عنه!”
ثم مَن أنا ومَن معي من الشباب حتى ينظر هؤلاء العمالقة في وجوهنا ويتركوا الفضائيات لأجلنا!
قلت صالوناً سياسياً.. وبسرعة البرق استغفرت العلّي العظيم واستعذت بالله من الشيطان وشركه. طيب صالوناً علميا فتذكرت عصام حجي الخاين العميل!! اكمل باقي المجالات ولا لأ؟!
إذن فليكن صالوناً نسائياً.. ساعدني يا الله لأتذكر كل الشخصيات النسائية المؤثرة في هذا الزمن..
ألو ريم ماجد معايا ؟؟ آه آسفة النمرة غلط.
ألو نور عبد المجيد معايا؟؟ آه آسفة نسيت إن عندها تصوير.
ألو مدام يسرا معايا ؟؟ آه آسفة.. طب السلام أمانة للباشمهندس نجيب والنبي.
ألو مدام منى الشاذلي معايا؟ إيه ده هي “معكم” ده أنا كنت فاكراها “معنا”!
ألو مدام إلهام؟ لااااا لا مش معقول.. معقولة الغرور أكلها!
إيه ده ؟؟ دقيقة واحدة يا جماعة؟؟
لقد تذكرت شيئاً غاية في الأهمية.. كيف نسيت ؟؟ أين كان عقلي؟؟ لماذا لم انتبه منذ البداية ؟؟
أنا البيت عندي مودرن ومعنديش صالون أصلاً..
خلاص.. مفيش مشكلة، يبقي انتريه، أيوه في سابقة الأولى من نوعها سيكون انتريه.. وسأسميه “أنتريه غادة الخطيب”.
وسيتكون هذا الأنتريه من..
كنبه ثلاث قطع، لاڤ سيت، اتنين بريچي ، ترايبزة وأربع أباچورات.
ولمزيد من الإبداع والفكر التحرري، ممكن يكون مفتوح ع المطبخ “أيوه أوپن كيتشن”، ولمزيد من الحداثة يمكن فتح البلكونة كمان للتهوية.
وبهذا أكون قد حققت أولى خطواتي التحررية بعد الوصول لهذه السن.. وبعدما أخذت لقب سيدة أربعينية وتحليت بالحكمة والفهم ووضعت قدمي على أرض الواقع.