عقارب الساعة تشير للحادية عشرة صباحا، يشعر صديقنا الناشط الفيسبوكي بالقلق أثناء نومه.. يقاوم النعاس بالتوجه لشرب كوب من الماء، وفي طريق العودة لسريره لاستكمال رحلة النوم، تقع عيناه على رفيق دربه “الموبايل التاتش اللي أمه شارياهوله”، يفتحه سريعا فيقرأ عنوان خبر في موقع إخباري مفاده سفر الممثلتين إلهام شاهين ويسرا إلى ألمانيا تزامنا مع زيارة الرئيس السيسي إلى هناك، فتدفعه هرموناته الإلكترونية لشن حملة على من سيسميه لاحقا “الوفد المرافق للسيسي”، ويؤجل النوم لما بعد انتهاء الحفلة “الإنترنتية”.
صديقنا الفيسبوكي عديم الاتجاه السياسي، المعارض دائما لمجرد المعارضة، غني ومفكر ويحترمه كثيرون، لكنه غنيا بعدد “اللايكات” لصفحته، ومفكرا في طرق صياغة عبارات “القلش” على كل من وما يقف في طريقه، ويحترمه فقط من يراه مثاليا من وراء شاشات الكمبيوتر والهواتف المحمولة وغيرها من وسائل الدخول على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالطبع لن يجد هذا الشاب الذي يدفعه الكسل لإرسال الـCV الخاص به لأي مكان ليعمل وينفق على نفسه، من يحاسبه، فهو يسبح في فضاء الإنترنت، يستقي معلومة من هنا وصورة من هناك، ويبدأ في حبك الشائعات والأقاويل والبحث في تاريخ إلهام شاهين ويسرا والعلايلي والإبراشي وحتى فتوح أحمد! ، ولن يجد غضاضة في وصف هذا الوفد بأنه يسيء لمصر وصورتها بالخارج، ويمعن في التنظير على خلق الله، وكأنه وحده يفهم وباقي الـ90 مليون نسمة لا يفقهون شيئا.
أنا لست مع أو ضد سفر وفد مع الرئيس بموافقته أو بعلمه أو حتى تطوعا “من بعيد لبعيد”، فكل شخص له الحرية في السفر سواء كانت نيته المؤازرة والوقوف إلى جانب الرئيس حبا فيه أو مجاملة أو حتى توددا وطمعا في منصب أو رضا، ببساطة لأنه لا يعنيني ولا يعنيك، فصورة مصر لن تتغير بيسرا وهالة صدقي والعلايلي ولبلبة وإلهام، ولن تخاطبنا ألمانيا دبلوماسيا حول هذه الجريمة التي ساقتها وسائل الإعلام عن جهل أو سوء نية إلى المصريين في بيوتهم على شاشات الفضائيات أو صفحات الجرائد.
بالطبع لن يهتم هذا النموذج بنتائج زيارة السيسي أو تحركاته الحثيثة لمحاولة النهوض بمصر المرتبكة، أو إبرام اتفاقيات أو الحصول على وعود باستثمارات جديدة واعدة قد تساهم في الخروج بالبلد من هذه الفوضى، وللأسف فإن كل شخص يضيع من وقته جزءا لانتقاد سفر هؤلاء وغيرهم لم يسأل نفسه عما قدمه هو لدعم وطنه، أو حتى لدعم نفسه، فهؤلاء لا يرحمون ولا يريدون لرحمة الله أن تصل لخلقه.
أتفهم تماما أن الإخوان يحاولون باستماتة استغلال أي سفرية للرئيس للخارج لتنظيم مظاهرات لا تتجاوز أعدادها في النهاية أصابع اليد الواحدة، أمام السفارات والمقرات الرئاسية بالدول الأجنبية التي يزورها، وأتفهم أيضا أن هؤلاء المجاملين أو المتقربين من النظام من ناحية ومن يفعل ذلك فقط بدافع الوطنية، يقومون بحشد مضاد لتلك المظاهرات، وكل يستخدم أسلحته التي يراها مناسبة لمعركة “مصرية – مصرية” على أرض أجنبية، لكن ما لا أتفهمه هي تلك الحالة التي يدخل فيها المصريون لمجرد الجدل والتنظير والحديث عن هذا الممثل أو تلك الفنانة، ولا يصح سفرهم، ويشوهون صورة مصر، ولماذا لا يسافر العلماء، و….. و….