نقلًا عن مجلة صباح الخير
القاعدة أن الناقد يحلل العمل الفني من خلال ما يراه على الشاشة سواء كانت سينمائية أو تلفزيونية أو يعرض أمامه على خشبة مسرح، ويستمع إليه عبر أثير الراديو، وعادة ما يختلف رأي الناقد عن انطباعات الجمهور، وهي إشكالية يبدو أنها ستظل ممتدة طالما ظل الفن موجودا وعطاء الفنانين لا ينقطع، غير أن الناقد حتى لو أعجب بعمل ما يراه أمامه وحلل أسباب هذا النجاح من الوضع جالسا أمام الشاشة، فالأمر يختلف بالتأكيد عندما يرى هذا النجاح على الأرض، ويستمع لآراء الناس في صاحب العمل، وقد يقولون مزايا لم يرها الناقد، ويكشفون ثغرات تغاضى عنها المحلل باعتبارها غير مؤثرة، بينما هي عظيمة الشأن لدى المتفرج.محمد عبد الرحمن
أكتب ما سبق بعدما حضرت اللقاء المفتوح الذي جمع الأديب ومقدم برنامج “العباقرة” عصام يوسف بجمهور مكتبة الإسكندرية، ضمن جدول فعاليات البرنامج الثقافي لمعرض المكتبة، والذي يشرف عليه باقتدار عاما تلو الآخر الكاتب الصحفي حسام عبد القادر.
إذا أردت أن أكتب عن “العباقرة” من خلال شاشة التلفزيون، فسأقول بالتأكيد إننا أمام أديب دخل سوق الرواية “عصاميا” من خلال روايته الأشهر “ربع جرام”، تلتها ” 2 ضباط” ومسلسل وحيد هو “ذهاب وعودة”، غير أنه لسبب ما لا أعرفه كناقد أتابع من خلال الشاشة؛ نجح في أن يتحول لمذيع ويقدم برنامج يعيد من جديد للتلفزيون دوره التربوي؛ من خلال مسابقات مشوقة بين طلاب المدارس، على أن تتحول النقاط إلى مبالغ مالية يتم تخصيصها لتطوير مدارس عديدة بالمحافظات ( وصل عدد المدارس المطورة فعلا في المرحلة الأولى لـ 28 مدرسة)، بالتأكيد كنت سأكتب عن حاجة هذا الجيل لهذه النوعية من البرامج، سواء المتسابقين، أو من يتابعون عبر الشاشة ويعرفون آلاف المعلومات الجديدة، وأن كل مشترك سيظل يتذكر مهما مرت السنون أنه انضم للعباقرة، وهو تأثير لا يمحوه الزمن كما كان يحدث مع من يشارك في برامج أبلة فضيلة وماما سلوى وسينما الأطفال، وغيرها من كنوز ماسبيرو.
كنت سأكتب أيضا عن الفرق بينه وبين “من سيربح المليون” الذي يقدم الجائزة المالية على المحتوى، ويعتمد على المجهود الفردي، عكس “العباقرة” حيث الجماعة هي الأساس، و”التشويق” هدفه المنافسة بين الطلاب لا التأثير على أعصابهم، فيما لا مجال للانسحاب لأنه ليس هناك ربح سريع يجب الحفاظ عليه، بل فائدة يغرسها البرنامج في عقول مشتركيه ومشاهديه تمتد معهم إلى المستقبل.
ما سبق هو النقد من الوضع جالسا أمام التلفزيون، لكن ما رأيته في الإسكندرية يكمل الصورة، بداية من نجلي الصغير الذي حفظ موعد الندوة عن ظهر قلب وطلب مني فعل أي شئ حتى التقط له صورة مع عصام يوسف، وصولا لأسئلة الحضور وعلاقتهم الوثيقة بالبرنامج، أن أجد من بين الجالسين من يحفظون أسماء مشتركين بأعينهم ويتذكرون أسئلة محددة كانت لها قصة في هذه الحلقة أو تلك، أن يقف أكثر من شاب ويشتكي لأن مدرسته فشلت في المشاركة لسبب أو لآخر، ثم أن يفاجئ عصام يوسف الحاضرين بأن هناك “كلمات سر” تجمع بينه وبين المشتركين، تقوم فتاة فتذكره بكلمة السر فيعرفها مباشرة ويروي قصتها، يرسل آخر سؤالا مكتوبا فيحكي عصام عن كواليس جمعت بينه وبين صاحب السؤال، مع تشديد مستمر على أن “الواسطة” لم تعرف طريقها بعد للعباقرة، وتكرار لمواقف تؤكد كيف يمكن لبرنامج تلفزيوني أن يغير من مسار معظم من شاركوا فيه.
عصام يوسف لخّص من خلال هذا اليوم أسباب نجاح كان من الصعب أن استخلصها من الشاشة فقط، أسباب تتلخص في أنه لم يقدم البرنامج لأنه يريد أن يكون مذيعا؛ ولكن لأن نجوم التقديم طلبوا مبالغ أكبر من الميزانية المخصصة أصلا لتطوير المدارس، فيما الكواليس رفعت شعار المساواة بين الجميع، فلو أن طالبا واحدا شعر بأن ميزان العدل مختل لسقطت كل محاولة صنع عباقرة جدد، والأهم قدرة صاحب “قصر البارون” – روايته المنتظرة – على كسب ثقة الطلاب والتفاعل معهم حتى يدخلوا المنافسات في أفضل حالة معنوية، ويخرجوا منها وهم قد اقتنعوا أن العلم والمعرفة هم أساس أي تقدم؛ فرديا كان أو جماعيا.