في بداية مشواره الأدبي كان لنجيب محفوظ علاقة وطيدة بالمفكر الكبير سلامة موسى، وكان بمثابة الأب الروحي لمحفوظ، الذي لم يكن قد تجاوز عقده الثاني في ذلك الوقت. إسلام وهبان
نشر “موسى” بعد تأسيسه مجلة “المجلة الجديدة”، عشرات المقالات الفلسفية لنجيب محفوظ، وذات مرة أخبره تلميذه أنه يكتب الرواية، فطلب “موسى” أن يطلعه على ما يكتب، وبالفعل عرض محفوظ ثلاث روايات كان قد كتبها من قبل، لكن الروايات الثلاثة لم تلق إعجاب سلامة موسى، الأمر الذي دفع نجيب محفوظ لإعدام رواياته الثلاثة، حسبما ذكر في أحد حواراته.
لم يشغل بال “محفوظ” في هذه الفترة صدور رواياته أو أن يبشر النقاد بميلاد كاتب جديد، أو أن يتصدر اسمه مانشيتات الصحف، بل كان همه هو كيف يقدم ما يستحق به لقب “كاتب”، اللقب الذي حظى بقدسية لدى المصريين منذ قديم الأزل، وكان لمن يحمله مكانة مرموقة في المجتمع؛ فالكاتب لم يكن مجرد شخصا يجيد الكتابة ورسم الحروف، بل كان بمثابة فنانا ومفكرا وصاحب رسالة، فيقول الحكيم “بتاح حتب”: 《إن صوت الناس يفنى.. ولكن صوت الكاتب يبقى أبد الدهر》.
لكن الساحة الثقافية شهدت مؤخرا تغيرات عدة، خاصة مع زيادة عدد دور النشر الخاصة والتي تجاوزت 1200 دار نشر، وفتح الساحة للآلاف للدخول للمجال الأدبي من خلال نشر أعمالهم، وتهافت الكثيرين للحصول على لقب “كاتب” ولو بتحمل تكلفة طباعة ونشر كتبهم أو روايتهم، دون النظر لما يقدم، وأصبح توصيفك “بالكاتب فلان” أمرا في غاية السهولة.
خلال عملي في الصحافة الثقافية، صادفت الكثير من الأشخاص الذي يرغبون في نشر خبر عن إصدارهم الأول، ولديهم حرص شديد في أن يذكر في الخبر عبارة “الكاتب فلان الفلاني”، رغم أن كتابه لم يخرج للنور بعد، والبعض يغضب إذا كتبت مهنته الأساسية مثل الإعلامي فلان أو الصحفي فلان أو الدكتور فلان، بدلا من لقب كاتب، وكأن هدفه الأساسي من نشر الخبر هو أن يعرف الجميع أنه أصبح كاتبا.
الأمر ازداد سوءا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة تعديل خانة المهنة، فكثيرا ما أجد أشخاصا بمجرد نشر مقاله الأول عبر أي موقع إلكتروني، يغير خانة المهنة إلى “كاتب بموقع كذا”، بغض النظر عن المحتوى المقدم أو قدرته على الكتابة بالفعل من عدمه، الأهم هو أنه أصبح كاتبا وصاحب رأي.
بالطبع من حق أي فرد أن يكتب وأن يقدم للناس وجهة نظره وتجربته بالطريقة والأسلوب الذي يرغب فيه، لكن متى يمكننا أن نطلق عليه تعبير “كاتب”؟ أليس لأي مهنة أو نشاط حد أدنى من المساهمات التي يجب أن يقدمها الفرد ليكون جزءا من هذا الوسط؟! حتى شروط الانضمام لاتحاد كتاب مصر، هو أن يكون للمتقدم إسهامات ملحوظة في المجال الأدبي، للحصول على عضوية الاتحاد.
الغريب أن البعض أصبح يستسهل أكثر فلا يحاول حتى تقديم عمل أدبي واحد ليكتسب لقب كاتب، بل يكتفي بنشر بوستات أو قصص قصيرة على صفحته الشخصية على “فيس بوك”، لتحوز على آلاف المشاركات.
وهنا يأتي السؤال (هل الكتابة كموهبة تحتاج للممارسة والاستمرار في فعل الكتابة حتى لا تتعرض للضمور والخفوت كأي مهارة لدى الإنسان كما قال لنا أساتذة الصحافة، أم أن الكاتب يكفيه تقديم كتاب أو مؤلف واحد أو نشر مقتطفات على مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على لقب “الكاتب فلان الفلاني”؟!
نرشح لك: محمد عبد الرحمن يكتب: عصام والعباقرة
شاهد: يوم مش عادي في ضيافة الإعلامية رنا عرفة