نقلًا عن المصري اليوم رحيل محمود الجندي
طارق الشناوي
آخر مرة شاهدت فيها محمود الجندى وتبادلنا وقتها حوارًا سريعًا كانت قبل عام وبضعة أشهر، في ورشة يديرها المخرج على بدرخان، زميله القديم في معهد السينما، حيث كانت الدفعة التي تضم بين رفقاء المشوار خيرى بشارة وداوود عبدالسيد، تحتفل باليوبيل الذهبى 50 عامًا على التخرج، الجندى خريج قسم تمثيل في معهد السينما، رأيته ممسكًا بالميكروفون ويغنى في حالة من البشاشة والألق والبهجة كانت قد غادرته في السنوات الأخيرة، أما آخر مرة رأيته على خشبة المسرح فكانت على المسرح القومى قبل أقل من عام، يؤدى مع نبيل الحلفاوى بطولة مسرحية لينين الرملى (اضحك لما تموت).
لدى قناعة أن لا أحد يغادر الدنيا إلا وهناك إشارة قد جاءت إليه تخبره بضرورة الاستعداد للرحيل، وتتعدد النداءات حتى نصل للأخير وبعدها ستقلع الطائرة حتما، سواء استجبت أم لا.
عندما تعجز عن فك الشفرة، فإن هذا لا ينفى وجودها، وأظن أن محمود الجندى قد قرأها قبل سنوات، حتى إنه وعلى غير عادته أعلن لأول مرة غضبه من الوسط الفنى وقرر الاعتزال عندما وجد أنهم لا يحترمون تاريخه لا في كتابة اسمه على (التترات) ولا في (البوستر) المصاحب للعمل الفنى، ولا حتى في الأجر الذي يتقاضاه، كانت لديه قناعة أن النجوم الذين يتقاضون الملايين يتم تحقيق كل شروطهم الأدبية، لأنهم الأعلى سعرًا، وهكذا اختلط الأمر في الحياة الفنية بين القيمة المادية والأدبية.
أظنه بقرار الاعتزال كان يشعر بأن عليه أن يثير لديهم الشغف والاهتمام، ليضعوه في مكانة أدبية تليق بتاريخه الفنى، وكأنه بصدد (جردة) علنية، من المؤكد لم يكن جادًا في هذا القرار، بدليل أنه ظل في الميدان حتى النَفَس الأخير، موقنًا أنه في طريقه للمحطة الأخيرة.
الجندى هو واحد من أصحاب الرصيد الأكبر تليفزيونيًا، ومنذ (الشهد والدموع) في مطلع الثمانينيات لأسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ وهناك حالة من التوافق الإيجابى والكيميائية بينه وبين الدراما التليفزيونية، حنين الجمهور إليه يتصاعد، فهو صاحب الطلة الخاصة.
إمكانيات محمود الجندى كان يعوزها المناخ الفنى الملائم، إنه المسرح الغنائى، فهو صاحب قدرة على الأداء الغنائى الممزوج بالدراما، كما أنه يتمتع بلياقة بدنية فائقة تؤهله للتعبير الجسدى، إنه زمن العشرينيات من القرن الماضى في شارع عماد الدين، في عز تألق هذا اللون من المسرح، ورغم ذلك فإنه تأقلم بسرعة مع المتاح، أتصور أن الجندى وهو طفل بدأ مغنيًا، فهو صاحب إذن موسيقية متميزة، قبل أن يكتشف قدراته الأدائية، إنه من جيل أحمد زكى ونور الشريف ومحمود عبدالعزيز، إلا أنه ليس نجما للشباك، إنه الممثل الذي يترك دائمًا أثرًا لا يُمحى في الوجدان.
جرّب حظه في الإنتاج السينمائى بفيلم (المرشد) واحتل مساحة متميزة على الشاشة وفى (الأفيش)، ولا أتصورها تجربة ناجحة ماديًا أو أدبيًا، الفيلم إخراج وتأليف إبراهيم الموجى ووقف فيه مع أقرب صديقين له، شريهان وفاروق الفيشاوى، وشهد الفيلم قبل 30 عامًا أول ظهور لأحمد الفيشاوى طفلًا، فهو يعتبره ابنه الرابع.
نعم، استمع للنداء الأخير ورسم كل التفاصيل، الجنازة في مسقط رأسه مركز أبوالمطامير بمحافظة البحيرة وعشاقه سوف يذهبون إليه، واختار أيضًا المجمع الإسلامى في الشيخ زايد للعزاء. الخميس الماضى بدأ حياة أخرى سيعيشها معنا مجددًا عبر شاشات الفضائيات.
نرشح لك: شاهد: سبب اعتزال محمود الجندي