كريمة محمود فيلم كفرناحوم
اختارت المخرجة “نادين لبكي” اسم فيلمها الجديد ليكون “كفرناحوم”، وهذا العنوان الذي ستقابله عند بداية الفيلم فقط ولن يذكر مرة أخرى طوال أحداث الفيلم.. من هنا لاقي فضولي في معرفة لماذا اختارت “لبكي” هذا المكان بالتحديد؟
“كفر ناحوم” هو أحدى المناطق التابعة للعالم العربي وهو اسم القرية الذي ذكرت بالعهد الجديد حينما انشأ فيها يسوع المسيح موعظته، وهى قرية واقعة على الشاطئ الشمالي الغربي لبحر الجليل والتي انتقل السيد المسيح إليها لتكون مركزا له وسميت “مدينته” لما قدم بها من تعاليم، وشفى بها كثيرين من المرضى، وعلى الرغم من كل تعاليم السيد المسيح بها، لم يؤمن سكانها، ولهذا تنبأ المسيح بخرابها الكامل كل ذلك كما ورد في العهد الجديد إنجيل متى، تلك اللعنة التي شهدها الفيلم، فلن تجد بهذه القرية ما يسر الناظرين، فقط ما تشاهده هو أطفال يتعاطون المخدرات، وزواج للقاصرات، وبيع الأبناء، وتهريب لاجئين.
يبدأ الفيلم برؤية الطفل “زين” خارجا من أحد السجون للوقوف أمام القضاء ضد والديه، ونعرف من الأحداث أنه محكوم عليه بقضاء خمس سنوات داخل السجن، بتهمة طعن شخص ما بسكين، ليبدأ الفيلم طرح أول سؤال لدى الجمهور، ما الذي فعله هذا الطفل ليعاقبه القانون بهذا الشكل؟
من هنا تبدأ أحداث الفيلم بطريقة “الفلاش باك” ونتعرف من هذه الأحداث عن الحياة التي كان يعيشها “زين” وسط عائلته، فهو من أسرة فقيرة يعمل بأحد الدكاكين عند شخص يتزوج من أخته التي لم تكمل أحد عشر عاما، وفي محاولات فاشلة كثيرة لتهريب أخته من هذا الزواج لم يفلح “زين” في ذلك، وتتزوج أخته القاصر بالفعل، ليبدأ بعدها رحلته بمفرده في الهروب من بيته والذهاب إلى مكان آخر يسوقه له القدر، ويتعرف على امرأة أثيوبية تدعى “رحيل”، لديها طفلا غير شرعي تزداد من خلالها حالة البؤس والحزن التي يعيشها “زين”، ليحمل هما آخر لم يكن بمخيلته أن يصل لهذا الحد.
لا شك أنك ستصل إلى حالة كبيرة من الملل وذلك لعدم توزان المشكلة التي يناقشها الفيلم بالحل النهائي، فيستمر الفيلم لأكثر من ساعتين لعرض مشكلة ومأساة زين ثم يأتي الحل في العشرة دقائق الأخيرة منه، ليس هذا فحسب، بل أن المشكلة التي طرحت ومدى واقعيتها، لا يتناسب مع الحل الخرافي الذي وضع بالفيلم، فيستطيع زين أن يتحدث في أحد البرامج التلفزيونية وهو بداخل السجن بعدما حكم عليه بقضاء خمس سنوات بعد طعن زوج اخته بالسكين لأنه تسبب في وفاتها بسبب الحمل، ويطلب “زين” من الإعلامي الذي يحاوره رؤية والديه أمام القاضي، من هنا ينقلب الإعلام رأسا على عقب وتحاصره الكاميرات أثناء ذهابه للمحكمة، ويسأل القاضي زين ما الذي يريده فيجاوبه زين بأنه يريد من والديه ألا بنجبوا مرة أخرى! ويطلب معاقبتهم فقط أنهم أنجبوه! هذا هو الحل!
لم يطالب الفيلم بمعاقبة الحكام المسؤولين عن هذا الفقر، بل طلب محاكمة الأب والأم، ولست “أطالب” “لبكي” بضرورة وجود حل، لكن النهاية لم تكن بنفس قوة البداية، فستشعر حتما أنها نهاية وضعت فقط من أجل إنهاء الفيلم، ولم يدين الفيلم الفقراء وحدهم بل أدان الأغنياء منهم أيضا فظهرت نادين لبكي بالفيلم بشخصية المحامية التي تبنت قضية زين، وأثناء المحاكمة تعاتبها أم زين لعدم شعورها بهم فهي لم تعش تلك الحياة القاسية التي عايشوها، فكيف تدين حياة لم تحياها، هذا ما عرضه الفيلم محاكمة الطرفين والابتعاد تمام عن محاكمة من هم أعلى من هؤلاء الطرفين، وهناك حالة من التوتر الشديد التي ستصيبك طوال الفيلم حتى في بعض الجمل والإشارات البريئة التي تخرج من الأطفال وتستدعي الضحك، ساعد هذا التوتر على التركيز الكامل للجمهور، وهو ما أدى للوصول لأعلى مرحلة من مراحل التعاطف والتآثر.
تتشابه المشاهد مع الأحداث وكأننا نعيد الفيلم من جديد بعد انتهاء منتصفه، فنجد الطفل زين الذي كان يعترض على ما تفعله أمه من ربط أخته الرضيعة بحبل كي لا تتحرك وغصب أخته الأخرى على الزواج في سن صغيرة في مقابل المال، يفعل زين ما فعلته أمه ويربط الرضيع يانوس ابن المراة الاثويبية “غير الشرعي” في محاولة السيطرة عليه بعد دخول أمه السجن وتركه له، ثم يضطر مع الأحداث لبيع الأبن لأسرة غنية في مقابل مساعدته في السفر بعدما يفقد الأمل في رجوع امه وتحاصره الظروف، أشياء كثيرة من هذا القبيل تجعلك تنزع من داخلك فكرة معاتبتهم أو إلقاء اللوم عليهم، لأنك ستشعر حتما بمدى القهر والبؤس الذي حولهم.
على الرغم من حالة الملل التي ستصيبك كما تحدثنا عنها من قبل إلا أن الاداء التمثيلي لزين يجعلك تغفر كل ذلك، فسترى نفسك أمام شخصية حقيقية طفل يتصرف بمنتهى الواقعية في تعبيرات وجهه وحركاته، وساعدت كادرات الكاميرا القريبة جدا على التركيز لهذه الملامح التي يملؤها الحزن حتى عند الابتسامة فسيثير زين الجدل داخلك ويجعلك تتسائل هل هذا الصبي ممثل بالفعل أم أنه يعيش جزءا من واقعه؟ ونقف هنا دقيقة لنكشف عن شخصيته.. اسمه الحقيقي زين الرافعي لاجئ سوري كان يعيش بلبنان منذ عام 2012 بعد الفرار من الحرب في درعا الواقعة في جنوب سوريا، والآن وبعد أن حصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي أعيد توطين زين الرافعي وعائلته، بمساعدة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في النرويج.
أيضا الطفلة الرضيعة التي ستندهش من توافق تعبيرات وجهها مع الأحداث، ومن هذين الحالتين ظهر مجهود نادين لبكي في تدريب هؤلاء على التمثيل وانتظار تعبيرات الرضيعة التي تبلغ من العمر عام، لكن هذا المجهود لم يكن على أجمل وجه من خلال المعالجة الدرامي للفيلم.
نرشح لك: أحمد فرغلي رضوان يكتب: في كفرناحوم.. البحث عن حقوق الإنسان