السيناريو هو العمود الفقري للعمل الفني، والسيناريست يلعب دورًا أساسيًا في صناعة الفيلم أو المسلسل، هو رب العمل الفني الحقيقي حتى لو لم تسلط عليه الأضواء بالشكل الكافي، واعترافًا منّا بقيمة ومكانة السيناريو قررنا فتح هذا الملف ومحاورة أهم رموز ورواد كتابة السيناريو في مصر، والحديث معهم عن أهم أعمالهم، والصعاب التي واجهوها في مشوارهم، وتفاصيل صناعتهم للعمل الفني، ومناقشتهم كذلك في العديد من القضايا الفنية التي تدور على الساحة حاليًا، ونستضيف اليوم السيناريست صلاح الجهيني.
متى بدأت علاقتك بكتابة السيناريو؟
ميولي الفنية بدأت منذ الصغر، حيث كانت مشاهدة الأفلام باستمرار من هواياتي المفضلة، ومع تطور العمر والقدرات والخيال، بدأت تأتي لي أفكار أفلام، فبدأت أفكر في تسويق تلك الأفكار وعرضها على صناع سينما محترفين لكنني اصطدمت بالواقع واكتشفت أن مسألة الوصول لصناع السينما عملية معقدة وصعبة للغاية، فتطور الموضوع معي وبدأت أفكر في تحويل هذه الأفكار إلى سيناريوهات سينمائية، وأخذت أبحث عن ورش لتعليم السيناريو فلم أجد وقتها، فقررت أن أتعلم كتابة السيناريو ذاتياً حيث قرأت عشرات الكتب عن السيناريو وشاهدت مئات الأفلام، وتحول السيناريو بالنسبة لي إلى فرصة جميلة وذهبية لترجمة أفكاري إلى أفلام سينمائية وبوابة للدخول للعالم السحري الذي أعشقه منذ الصغر.
8 سنوات هي المسافة ما بين بداية اهتمامك بالسيناريو وحتى ظهور أول أعمالك “30 فبراير”، حدثنا عن تلك السنوات.
في بداية اهتمامي بالسيناريو كنت أواجه مشكلة كبيرة جداً هي أنني ليس لدي أصدقاء في الوسط السينمائي “مؤلفيين، مخرجين، ممثلين”، وبالتالي لم يكن لدي أساتذة أتعلم منهم فن كتابة السيناريو وأستفيد من خبراتهم وتجاربهم، ولكي أحاول حل هذه المشكلة، بدأت أبحث على الإنترنت عن كتاب وورش سيناريو، فوجدت أن أغلب الكتّاب الحاضرين على الإنترنت وقتها كتّاب سيناريو أمريكيين يحاولون اقتحام السينما الأمريكية، فبدأت أحاول مثلهم تعلم السيناريو كي أعمل في السينما الأمريكية، ونشأت بيننا علاقة صداقة وتعلمت منهم أمور كثيرة؛ أهمها حتمية قراءة سيناريو كل أسبوع على الأقل، وقراءة عشرات الكتب الأمريكية عن فن السيناريو، ومشاهدة الأفلام باستمرار، وكنا نتحدث كثيرًا عن السينما والأفلام والسيناريوهات، واكتشفت أن محاولة دخول السوق الأمريكي بالنسبة لهم أمر معقد وصعب جداً، لذلك كلما كانت الظروف تزداد صعوبة عليّ في مسألة اقتحام السوق المصري، كنت أشعر أن هذا طبيعي تمامًا “زمايلي وأصدقائي الأمريكان نفسهم لسه موصولوش”، وخلال هذه الفترة كتبت سيناريوهات كثيرة مختلفة ومتنوعة “رومانسي، كوميدي، تاريخي” وأغلبها للأسف لم يظهر للنور، لكن كانت بداياتي الحقيقية من خلال سيناريو” النفق” الذي فاز بالجائزة الأولى للسيناريو في مسابقة عبد الحي أديب عام 2010، وكان هذا النص سبباً في معرفتي بطارق العريان ومن ثم ظهور ثاني وأهم أفلامي “ولاد رزق” عام 2015.
إذا انتقلنا للحديث عن أول أفلامك السينمائية، فيلم 30 فبراير ماذا يمثل لك؟
أهم درس تعلمته من تجربة فيلم “30 فبراير”، ألا أترك نفسي وعملي لأشخاص بحكم أنهم أكثر خبرة مني في المهنة، فالطبيعي أن أي مؤلف جديد في أول عمله له يكون بلا سلطات، يستسلم لفريق العمل الذي يشارك معه سواء كان مخرجًا أو منتجًا أو نجمًا، هذه التجربة أثبتت لي أن هذا خطأ، فمخرج بحجم طارق العريان يجعل المؤلف يشارك معه في كافة تفاصيل العمل، حتى لو المؤلف ليس لديه الرغبة في إبداء رأيه في مسألة ما، هو يدفعه دفعاً للمشاركة في كافة تفاصيل العمل لأنه مخرج ديموقراطي للغاية، في النهاية، تجربة “30 فبراير” بالنسبة لي تجربة لطيفة، وتعلمت منها الكثير.
خضت رحلة طويلة لتنفيذ سيناريو “ولاد رزق”، حدثنا عنها.
عام 2009، كنت أعمل في شركة الماسة للإنتاج الفني، وكنت قد كتبت سيناريو اسمه “النفق”، وطلب مني المنتج هشام عبد الخالق صاحب الشركة أن أعرض فكرته على الفنان عمرو سعد، الذي كان من المفترض أن يقوم ببطولة مجموعة أفلام من إنتاج الشركة في ذلك الوقت، وبالفعل قمت بذلك ووافق عمرو على تجسيد سيناريو الفيلم، بل وأخبرني بعد ذلك أنه حكى قصة الفيلم إلى طارق العريان. وجاء العريان إلى الشركة بعد أسبوع وأخبرني أن الفيلم نال إعجابه بشدة، وأنه يريد تنفيذه، وبالفعل عملنا على النص، وكتبت أكثر من ست نسخ للسيناريو، وكنا نستعد لتصويره في بداية عام 2011، لكن قامت ثورة يناير، وتوقفت صناعة السينما تماماً.
بعد الثورة بفترة، تحدثت مع طارق، وسألته “هل لديك النية في تنفيذ سيناريو النفق؟” فأخبرني أنه صرف نظر لأن “زمن الفيلم عدى بعد الأحداث الأخيرة”، فأحبط بشدة، لكنني من النوع الذي لا يستسلم للإحباط بسرعة، فكتبت معالجة فيلم “ولاد رزق”، وعرضتها على المنتج هشام عبد الخالق، فقال لي نصاً “دي أسوأ معالجة قريتها في حياتي”، ونصحني بأن أصرف نظر عنه وأركز في مشاريع أخرى، فحزنت بشدة، وأهملت سيناريو “ولاد رزق” لمدة 6 أشهر، وبعدها بفترة عرضت فكرة الفيلم على خطيبتي، فانبهرت بها جداً، وشجعتني على استكمال كتابته، فكتبت السيناريو وعرضته على طارق العريان، كي أعرف رأيه وملاحظاته فقط ، فقرأ الفيلم بالفعل، وعندما اتصلت به لأعرف رأيه، قال لي نصاً ” أنت عملت إيه في نفسك في الست شهور دول ؟!، ده كأن واحد تاني هو اللي كاتب الفيلم، أنت إزاي اتحسنت جداً في الفترة القصيرة دي؟! الفيلم ده جامد جداً وأنا هنتجه وهخرجه”، فقلت له “أنا معيش فلوس ومعنديش القدرة أني أستنى تاني ويحصل زي ما حصل في فيلم النفق” فطمأنني أنه سينفذ الفيلم خلال 6 شهور، وبالفعل ذهبت إلى مكتبه ووقعت العقد.
لماذا تأخر ظهور الفيلم من 2011 إلى 2015؟
رحلة تنفيذ الفيلم لم تكن سهلة على الإطلاق، حيث قرأ السيناريو نجوم كثيرون جداً، وبعضهم لم يعجبه السيناريو، وحذروا طارق من تنفيذه، وهناك ممثل قال له “الفيلم جيد لكن المؤلف لا يجيد كتابة الحوار”، وممثل آخر قال: “سيبك من الفيلم ده وتعالى نعمل فيلم تاني”، وممثل ثالث قال له “قصة الفيلم جيدة لكن المؤلف مبتدئ”، حتى المنتج الفني للفيلم أول ملحوظة قالها لطارق “أنت هترجع السينما بفيلم زي ده؟!”، ووصل الأمر إلى أن مساعد المخرج أيضًا حذره من تنفيذه، وكانت هناك آراء إيجابية على الفيلم بالتأكيد، لكن كل هذه الضغوط والاضطرابات السياسية التي حدثت وقت تحضير الفيلم، عطلت تنفيذه حتى 2015. وهناك شيء أريد أن أقوله، أنه لولا إصرار طارق العريان على تنفيذ “ولاد رزق” ما كان ظهر إلى النور وتحول إلى فيلم من أهم أفلام هذا العقد.
كيف جاء ترشيح أحمد عز لدور “رضا” في الفيلم؟
لم يكن أحد يتخيل أن أحمد عز من الممكن أن يجسد دور “رضا” في “ولاد رزق”، حيث كان بعيد عنه تمامًا من الناحية الشكلية، كما أنه لم يجسد دور شاب من منطقة شعبية قبل هذا الفيلم، لكننا فوجئنا ذات يوم أنا وطارق، بالمنتج موسى عيسىى، يقترح علينا أن يجسد “عز” دور رضا، ولم يكتفي بالاقتراح بل استفز طارق وقال له “لو قدرت تخلي عز يعمل دور زي ده، هيبقى نجاح كبير بالنسبة لك” وبالفعل خاض طارق التحدي، ونجح فيه. وأريد هنا أن أتحدث قليلاً عن أحمد عز، فهو ممثل محترف وعملي للغاية، فصعب جداً أن تقنع نجم أن يغيب عن الشاشة لمدة 15 دقيقة، كما أنه من الصعب أيضاً أن يقتنع نجم بدور فيه قدر كبير من المغامرة مثل دور “رضا” في “ولاد رزق”، لكن عز تحمس تمامًا للدور وجسّده بأفضل صورة ممكنة.
ماذا عن الجزء الثاني من فيلم “ولاد رزق”؟
سيناريو الجزء الثاني أرهقني كثيراً في كتابته لأن الفيلم يحتوي على أحداث كثيرة وإيقاعه مختلف تمامًا عن الجزء الأول، بالإضافة لوجود شخصيات جديدة، كما أن كل المشاركين في الجزء الثاني نجوم بالفعل “أحمد عز، عمرو يوسف، محمد ممدوح، أحمد الفيشاوي، أحمد داود، خالد الصاوي، غادة عادل، باسم سمرة” لذلك كل خط درامي لكل شخصية مشاركة داخل هذا العمل، دسم وجذاب، ويصلح لأن يكون فيلمًا منفردً، فـ”أولاد رزق 2″ يختلف في كل شيء عن الجزء الأول.
كان لديك وجهة نظر في مسألة الاتهامات بأن تقديم جزء ثان من “ولاد رزق” يعتبر استسهالاً ومحاولة لاستغلال نجاح الجزء الأول؟
أنا لا أكرر نفسي مطلقاً، و”ولاد رزق 2″ تحدي بالنسبة لي وليس تكرارًا، وعلى الرغم من ذلك تجد بعض الاتهامات الكليشهية التي تتحدث على أن تقديم الأجزاء التالية من الأفلام يعتبر استسهالًا واستغلالًا لنجاح الجزء الأول، هذا اتهام مؤسف في الحقيقة، “فأنا خلقت عمل ناجح وشخصيات علقت مع الناس، أهملها ليه؟!” كما أن فكرة تقديم الأجزاء موجودة عالمياً وليست حكرًا علينا فقط، فرواية شارلوك هولمز قدمت بثلاث نسخ مختلفة؛ فيلم ومسلسل أمريكي ومسلسل إنجليزي، فطوال فترة عملي أواجه هذه النوعية من الأسئلة والاتهامات التي ليس لها أساس من المنطق، ثم أفاجأ أنهم يطلبون مني أن أحترم النقد؟، وهذا ليس نقد، هذا “أي كلام فعلاً لا يستحق عناء الرد عليه”، لك أن تتخيل أن قناة السويس التي قامت عليها حروب لا تحقق نصف إيراد أفلام مارفيل، كما أن إيرادات مبيعات ألعاب وملابس أفلام “السوبر هيرو” تحقق مكسبًا أعلى من إيرادات الأفلام في السينما، مع الوضع في الاعتبار أن أهم أفلام مارفيل تقدم على شكل أجزاء وسلاسل، ولا أحد في أمريكا يتهمهم الاتهامات التي نواجهها نحن عندما نحاول تقديم سلسلة أفلام جيدة يقبل عليها الجمهور.
هل فوجئت بالنجاح الكبير لفيلم “الخلية”؟
نجاح فيلم “الخلية” غيّر حياتي بالفعل، وبدأ المنتجون يتحدثون معي في مشاريع فنية كثيرة يريدون تنفيذها، وبعد نجاح الفيلم أنشأت صفحة باسمي على “فيس بوك”، وبدأت أفكر في تسويق نفسي بشكل مختلف، فنجاح “الخلية” ثبّت ودعم نجاحي في “ولاد رزق” بالتأكيد.
ما مدى الصعوبات التي واجهتك أثناء تسويق فيلمك الثالث “122”؟
في بداية تحضيري للعمل عندما كنت أعرض الفكرة على أي منتج سينمائي كنت دائما استمع لجملة واحدة وهي “بلاش السوق مش مستحمل حاجة جديدة” حتى عندما انتهيت من كتابة الفيلم بشكل كامل وعرضت النص على عدد من المخرجين كانوا يخشون من خوض التجربة خوفاً من الفشل أو السخرية من الجمهور، بسبب تعودهم دائماً على مشاهدة أفلام الرعب الأجنبية، حتى قابلت المنتج سيف عريبي الذي تحمس للفكرة بشكل كبير، وتم الاتفاق مع المخرج ياسر الياسري والذي قام بتنفيذ الفيلم بشكل جيد.
من أهم مميزات فيلم 122، حملة الدعاية الجديدة واللافتة للانتباه الخاصة به، هل ساهمت في هذه الحملة؟
منذ تعاقدي على فيلم 122، كان معي شركة الدعاية، واتفقنا على شكل الدعاية الذي ظهر للجمهور، والحملة ركزت بشكل أساسي على صفحات السوشيال ميديا، لأن الفيلم مصنوع لشريحة المراهقين الموجودة على السوشيال ميديا طوال الوقت، وبالتالي الحملة نجحت جداً معهم، وحققت نجاحاً كبيراً بشهادة الجميع.
نرشح لك: تامر محسن: يزعجني تصنيفي كـ”مخرج غير جماهيري”.. وبعض المؤلفين “ترزية” للنجوم
ما تعليقك على حملة النقد الشرسة التي تعرض لها فيلم 122 ؟
هذا الفيلم مصنوع لشريحة معينة كما قلت لك، وبالتالي كان لدي إحساس أن هذه الشريحة ستغفر عيوب التجربة، وكنت مدركًا أننا سنهاجم كثيراً، ومن أول يوم عرض لـ 122 داخل السينمات، صرحت في كافة وسائل الإعلام أن هذا الفيلم مصنوع للجمهور في المقام الأول، وبالتالي لم يكن لدي اهتمام كبير بقراءة مقالات نقدية أو مشاهدة برامج تتحدث عن الفيلم بقدر ما كان اهتمامي منصب على استقبال الجمهور للفيلم، وأريد أن أتحدث في نقطة هنا، أنني لدي دائماً نظرية إنتاجية أحسبها عند نزول أي فيلم لي، بمعنى أن بعد أسبوع من عرض الفيلم، لو ضربت إيراد الفيلم في 3 “هاعرف الفيلم ده هيقفل على إيراد قد إيه”، وهذه النظرية عمرها ما “خابت” معي، وبالفعل الفيلم حقق في الأسبوع الأول 8 ونصف مليون جنيه، وقفل بـ 25 جنيه، إذن كل الآراء النقدية السلبية التي هاجمت الفيلم لم تؤثرعلى شباك التذاكر. ونفس الأمر حدث معي في “الخلية” بالمناسبة، فأنا قرأت وقت عرض الخلية “بوستات” ومقالات تهاجم الفيلم بشدة، وعلى الرغم من ذلك الفيلم حقق 60 مليون جنيه، وهذا يقودنا لحقيقة هامة جداً أن المقالات والآراء النقدية لا تساهم في نجاح أو فشل أي فيلم، وأن الآراء الشاذة هي الأكثر علواً وصخباً وجذبًا لاهتمام مجموعة وشريحة معينة موجودة على مواقع التواصل الإجتماعي، لكن ليس لها أرضية مع الغالبية العظمى للشارع المصري، وفي النهاية يكفيني فخراً أن بعد نجاح الفيلم قال لي الزملاء والأصدقاء من المؤلفين والمخرجين “أنت فتحت باب جديد وأنقذت مشاريع كانت حبيسة الأدراج”.
هل تعتقد أن بعض النقاد ينتقدون الأعمال الفنية وفقاً لوجهة نظرهم، وليس بناءً على حالة العمل وظروف صناعته؟
ظروف عمل الناقد مبنية بشكل أساسي على المنتج الذي يقدمه صانع العمل الفني، فأنا لو لم أقدم الفيلم، الناقد لن يجد شيئاً يكتبه، لكن في نفس الوقت أقرأ مقالات نقدية غريبة الشكل، فهناك ناقد تحدث على ضرورة تقديم تاريخ درامي للمستشفى في 122، فأنا لو استجبت لوجهة نظره، وكتبت المستشفى في الصعيد مثلاً، سيخرج محامي صعيدي يرفع علي قضية ويتهمني بالإساءة لسمعة الصعيد، وأن الصعايدة دمهم رخيص إلى هذه الدرجة، ولو قدمتها في الإسكندرية، سيرفع محامي من الإسكندرية عليّ قضية وهكذا، وبالتالي أنا أبعدت الفيلم عن كل هذه التفاصيل، فظروف عمل السيناريست عموماً تشبه تفاصيل حلقة مسلسل “بلاك ميرور” التفاعلية، فهذه الحلقة ترصد معاناة السيناريستات، لأن السيناريست عندما يكتب أي عمل يكون أمامه عدد من الخيارات اللا نهائية، وعليه أن يختار اختيارًا واحدًا يكون جيد الصنع ومحبوكًا وغير مقحم على الدراما، فأنا أسهل ما علي أن أستمع لملاحظات بعض النقاد وأرصد الخلفية الاجتماعية لكل شخصية، لكنني في النهاية سأضيع إيقاع الفيلم، وأجعل المشاهدين يملون من مشاهدته، فأنا يهمني بشكل أساسي عندما أكتب أي عمل “المقادير الدرامية”، بمعنى أن كل جزء في العمل محسوب، سواء كان خطًا دراميًا أو كوميديًا أو أكشن، والمهم ألا يفسد أي خط درامي إيقاع الفيلم، فقصة فيلم “الخلية” تقليدية وقدمت في أفلام كثيرة، لكن في نفس الوقت الفيلم استطاع أن يضحك ويبكي المتفرج في مشاهد هو متوقعها سلفاً، وهذا قمة النجاح من وجهة نظري أن الفيلم يحرك مشاعرك ويقدم لك وجبة كاملة من الكوميديا والدراما والرومانسية والأكشن، ثم إن نجاح أعمال مثل “122” و”الخلية” و”البدلة” و”هروب اضطراري” يعتبر بمثابة إنعاش للسينما، فنحن نعيش في مناخ سينمائي صعب جداً، لك أن تتخيل أن هناك بعض شركات التوزيع حالياً تبني مجموعة من السينمات داخل بعض المولات الجديدة، وأول شرط لهذه الشركات هو “رفع الحماية عن الفيلم المصري”، فنحن على المحك كصناعة سينما، وبالتالي أي تجربة جديدة تدفع الجمهور لمشاهدة الأفلام المصرية، يجب تشجيعها ودعمها وليس هدمها، لكن هل النقاد يدركون هذا الأمر؟!، بالطبع لا، هل أنا مجبر على سماع وجهة نظرهم؟ بالتأكيد لا، في النهاية، النقاد يمارسون دورهم وأنا أفلامي تنجح وتحقق أعلى الإيرادات.
أشعر دائماً أنك مهتم بالِإنتاج وبالجانب التسويقي لعملك بنفس قدر اهتمامك بالسيناريو، هل تحليلي صحيح؟
أنا أحاول أن أكون منتجًا بالفعل، ليس معي القدرة المادية الكافية لذلك الآن، لكن اهتمامي بالناحية الإنتاجية والتسويقية للعمل لا يقل عن اهتمامي بالسيناريو بالتأكيد، وهناك مقولة شهيرة قالها الأستاذ وحيد حامد أنه “يجب على كل سيناريست يسعى للنجاح والبقاء لمدة طويلة داخل هذه المهنة أن يعلم 60% من شغله، و40% من شغل الآخرين”، بمعنى أنه يجب أن يكون لديه علم باختيار الممثلين، ومدير التصوير والإضاءة والديكور وبالنواحي الإنتاجية والتسويقية، وهذا ما أحاول فعله طوال الوقت في عملي، ألا أكون مهتماً بالكتابة فقط، لأن العناصر الأخرى مكملة بشكل أساسي لعملية كتابة السيناريو، وهذا أهم شئ تعلمته من المخرج طارق العريان.
كتابة السيناريو ماذا تمثل لك؟
رأيي الشخصي أن كتابة السيناريو في مصر مثل دراسة الجدوى لأي مشروع استثماري، بجانب أهمية الشق الفني، هناك أهمية وأولوية قصوى للشق التجاري، فإذا أراد كاتب سيناريو عرض أحد السيناريوهات على منتج معين، أول سؤال سيسأله المنتج “الفيلم ده هيجيب كام؟” سؤال صعب جداً بالمناسبة، ولا يصح الإجابة عليه “بإن شاء الله هيجيب أو أنا أتوقع”، يجب أن يكون مع السيناريست دليلاً وبرهاناً على أن هذا السيناريو سيحقق 39 أو40 مليون، هذا الدليل مبني على نجاحات الأفلام السابقة المشابهة لتيمة السيناريو المعروضة على المنتج، لذلك أنا طوال الوقت أفكر في ما الذي يحتاجه السوق، وما أهم الأشياء والتيمات التي تعجب الجمهور على السوشيال ميديا، وأحلل نجاح الأفلام الأجنبية في السينمات المصرية، وأستطلع آراء أصدقائي على الفيس بوك في أهم القضايا السينمائية المثارة على الساحة، فأنا أؤمن تماماً أنه ليس كافياً أن أقدم فيلم يعجبني ويثيريني بشكل شخصي بل يجب أن يحبه ويستمتع به المتفرج في المقام الأول، يدرك أن ما شاهده في إعلان الفيلم سيشاهد أفضل منه داخل الفيلم، فالهدف الأساسي من صناعة السينما هو الترفيه أولاً ثم يأتي بعد ذلك أي شئ أخر.
كتبت “بوست” على فيس بوك قلت فيه بأنك لا تحب الشهرة، ألا ترى أن هذا الأمر يعد غريباً بعض الشئ بالنسبة لمهنة يطمح كل العاملون فيها والساعون لاحترافها للشهرة في المقام الأول؟
هذا جزء من طبيعة المؤلف بشكل عام، فالمؤلف الحقيقي مشغول ومهموم بعمله، يجلس داخل منزله فترة طويلة لإنجازه، لذلك أنا لا يشغلني أن أكون صديق للفنانين أو أتصور معهم أو أحضر مناسبات وحفلات فنية، ما يشغلني هو كتابة وتنفيذ أفكاري بشكل أكون راضٍ عنه بنسبة كبيرة.
أشعر دائماً أنك مهتم بالدراما السريعة والأحداث الساخنة المثيرة الجذابة القائمة على تيمة الأكشن أو الإثارة والتشويق، ولا تهتم كثيراً بالدراما الاجتماعية وفكرة الإيقاع الهادئ، البطئ، هل تتفق معي؟
“أنا بتاع سينما”، وفي السينما أنت لست في كامل قوتك كسيناريست بمعنى أن أي سيناريست سينمائي محصور داخل حكاية مدتها 120 دقيقة، لذلك يجب أن يكون مهتما بالإيقاع السريع الذي يناسب طبيعة الفيلم عكس وضع السيناريست في الدراما التلفزيونية، فالسيناريست في الدراما يستخدم كل عضلاته الإبداعية، فأمامه 30 حلقة، من الممكن أن يقدم كوميديا وأكشن ودراما ورومانسي في عمل واحد، لذلك أنا حتى الآن لم أخرج كل قدراتي الإبداعية بسبب طبيعة عملي كسيناريست يكتب أفلام سينمائية باستمرار.
كتبت على صفحتك على فيس بوك بأنه “على الرغم من أن السيناريست صاحب الكرة إلا أنه لن يكون هداف الفريق”، هل وضع السيناريست صعباً ومأساوياً لهذه الدرجة؟
السيناريست مثل الولد الذي يذهب للمدرسة بالكرة، ولا يجد الاهتمام الكافي من زملائه، ثم ينقلب الأمر بعد ذلك، ويطلب الجميع الكرة منه، فالسيناريست يستغرق من وقته ومجهوده وصحته لكتابة وتسويق المشروع، العمل الفني يبدأ من عند السيناريست، وعلى الرغم من ذلك هو العنصر الوحيد الذي قد لا يتقاضى أجره في حالة عدم تنفيذ العمل، كما أن أغلب كتاب السيناريو لا ينفذ من أعمالهم سوى 30 أو 40%، والنسبة الباقية لا تنفذ، وهذا شيء لا يحدث إلا عندنا، كما أن هناك أمور غريبة تحدث مع بعض المؤلفين، فتجد أن بعض الممثلين يضعون جمل ومشاهد من تأليفهم “عشان هم النجوم طبعاً”، وعندما ينتقد العمل، يهاجم المؤلف أولاً، على الرغم من أنه لم يكتب هذه الجمل أو المشاهد أصلاً، وتجد كذلك أن أغلب مهرجانات السينما لا تحتفي بالمؤلفين، تهتم بالمخرج وبالنجم فقط، كل هذه الأمور تجعل من كاتب السيناريو عنصر غير مؤثر،على الرغم من أنه صاحب الكرة في الأساس.
هل سيأتي وقت يكون السيناريست فيه هداف ونجم الفريق؟
السيناريست هداف الفريق في المسلسلات الأمريكية بالفعل، فالقائمون على الصناعة هناك اكتشفوا أن كلما كان السيناريست هو المسئول الأول عن المسلسل، كلما حقق العمل نجاحاً جماهيرياً ونقدياً، فالدراما الأمريكية مكسبها السنوي في 2017 ستة ونصف مليار دولار، والمؤلف هناك هو المنتج المنفذ للعمل، وله سلطة كاملة على المشروع، فالعنصر الأساسي في الدراما الأمريكية المؤلف وليس النجم، عكس عندنا تماماً، فالسيناريست في مصر أقل عنصر يتقاضى أجر في مثلث النجم والمخرج والمؤلف، النجم أجره 30 ضعف المؤلف، ” =ده لو براد بيت عمل مسلسل عمر أجره ما هيكون 30 ضعف المؤلف أبدًا”.
هل خيال السيناريست في مصر محكوم بالسقف الإنتاجي؟
بالتأكيد، فطموح السيناريست في مصر “محكوم بمتطلبات السوق وبالسقف التنفيذي”، دعني أسألك، هل كتاب السيناريو في مصرعاجزون عن كتابة فيلم تاريخي أو حربي أو خيال علمي أو رعب؟ إطلاقاً، المشكلة تكمن في متطلبات السوق، أن طوال الوقت السيستم الإنتاجي يركز على موضوعات معينة، وبالتالي على السيناريست أن يتنازل عن طموحاته وأحلامه ويتوائم مع ما يتطلبه السوق كي يعمل ويستمر.
هل تعتقد أن شخصية كتاب السيناريو تراجعت كثيراً عما كانت عليه في جيل وحيد حامد وأسامة أنور عكاشة وبشير الديك؟
أغلب المنتجين عندنا يلعبون على المضمون، بمعنى أن المنتج يتعاقد مع النجم ويذهب للقناة، فالقناة تشتري المسلسل بمئة مليون وتكون ميزانية المسلسل حوالي خمسون أو ستون مليون، وثلث الميزانية يذهب للنجم وحده، بالمناسبة لا يوجد نجم في مصر لا يعلم ثمن بيع مسلسله، فالقناة لا يفرق معها السيناريست ولا الحدوتة، ما يهمها في المقام الأول النجم، فتصبح كل أمور العمل في يد النجم، هو الذي يختار المخرج والسيناريست “ويصبح مصدر رزق السيناريست في يد النجم”، يستطيع أن يستغني عنه في أي لحظة إذا لم ينفذ طلباته، فيتحول السيناريست إلى ترزي ومنفذ لطلبات النجم أولاً وأخيراً، وفي النهاية تظهر الدراما بشكل متدني ومتواضع للغاية والأهم أنها محصورة تماماً داخل المحيط المصري والعربي، فالمسلسلات المصرية لا تسوق ولا تباع لأي قناة أو منصة أوروبية أو ميكسيكية أو أمريكية، لأن أغلب المنتجين الآن يتحمسون للنجوم أولاً قبل المشروع، يتعاقدون مع النجوم ثم يفصلون مشاريع على مقاسهم ومزاجهم، فالدراما الأمريكية حققت 6 ونصف مليار في موسم واحد، ويشاهدها مليارات على مستوى العالم، ومسلسلاتنا يشاهدها 120 مليون مواطن فقط، ونواجه أزمة كبيرة حالياً في إنتاج وتوزيع المسلسلات، كل هذه العوامل تؤكد مما لا يدع مجالاً للشك بأن منظومة الدراما عندنا بها عيوب كثيرة جداً.
لماذا منتجو السينما يسيرون وراء الموجة دائماً، ولا يحاولون صنع أفلام مختلفة عن الموجود في السوق؟
بعض منتجي السينما يبحثون عن السهل والمتاح دائماً، بمعنى أن هناك 6 نجوم سينمائين، لو تعاقد معهم أي منتج في مصر، هو ضامن أنه سيوزع الفيلم خارجياً بسعر جيد جداً، لأن كل نجم في مصر له سعر في التوزيع الخارجي، لذلك يتعاقد المنتج مع النجم، وهو بالتأكيد يعلم سعره في التوزيع الخارجي، ويصنع فيلمًا سهلًا وغير معقد ومربح يتيح له استعادة فلوسه سريعاً، هذا هو التفكير السائد حالياً، لكن هل يوجد منتج يفكر في صناعة بطل جديد؟، هل هناك منتج حالياً يحاول إعطاء فرصة لشاب جديد في دور بطولة؟، للأسف لا، وبالمناسبة محمد رمضان ومحمد إمام هما حالات فردية تماماً، ولم يكن في حسبان صناع فيلمي “عبده موتة وكابتن مصر” أن الفيلمان سينجحان ويحققان كل هذه الإيرادات، فبعض منتجي السينما ليس لديهم فكرة المشروع، أن تكون هناك خطة لصناعة نجم بعد خمس سنوات، نخلق مرحلة ومواسم لصناعة أفلام حربية وأفلام خيال علمي ورعب، التفكير المنهجي ودراسة احتياجات ومتطلبات السوق بشكل دقيق ومرتب، كل هذه الأمور غائبة تماماً عن بعض منتجي السينما، والأمور تدار بعشوائية شديدة بكل أسف.
الفئة الأولى التي تقبل على السينما حالياً هي المراهقين، هل تعتقد أن هذه الفئة يقدم لها المحتوى الذي يليق بها؟
للأسف لا، فنحن لا يوجد عندنا نوعيات أفلام مثل الأفلام العائلية على سبيل المثال، وأنا كان لدي تجربة في أول أفلامي “30 فبراير” وكان من نوعية الأفلام العائلية، ولم يقبل عليه الجمهور، لأنه “مش متعود” على مشاهدة فيلم عائلي مصري، فحالياً توجد عائلات لا تشاهد الأفلام المصرية، لأن السينما المصرية حالياً فقيرة المحتوى، لا توجد أفلام كارتون، أو أفلام عائلية، رعب، خيال علمي، وهذا يرجع بشكل أساسي لعقلية بعض المنتجين عندنا، فعيوب الشخصية المصرية متجسدة في الإنتاج السينمائي والدرامي، فإذا فتح مواطن محل كشري ونجح، تجد جاره يفتح محل كشري اعتماداً على نجاح المحل الأول، هذا يحدث عندنا في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، فيلم أكشن نجح، الكل يقدم أكشن، فيلم كوميدي نجح، الكل يقدم كوميدي، لك أن تتخيل أن منذ عامين كان هناك أربع أفلام لقصة “علي الزيبق”!!، في موسم 2017، عرضت أربع مسلسلات تتحدث عن فقدان الذاكرة، وفي موسم 2018 عرضت 4 مسلسلات تتحدث عن دخول البطل للسجن وخروجه للانتقام ممن ظلموه، هل هذا صدفة؟! بالتأكيد لا، فهذا ما أقصده أن لا أحد يفكر خارج الصندوق، ونحن كصناع نواجه مشكلة كبيرة في محاولة الخروج خارج القوالب التي يحددها ويسير عليها أغلب المنتجين في مصر.
هل تعتقد أن الجمهور المصري متقلب المزاج بشكل مستمر، ما يعجبه اليوم قد لا يعجبه غداً؟
تذكرة السينما حالياً وصلت إلى 100 أو 120 جنيهًا في المولات التجارية، هذه التذكرة من الممكن أن تدخلك فيلم تكلفته 60 مليون جنيه، ومن الممكن أن تدخلك فيلم تكلفته 500 مليون جنيه، فما الذي يدفع المتفرج المصري لمشاهدة الأفلام المصرية مع أنه من الممكن أن يشاهد أفلام أكثر جودة وجاذبية وتنوعاً مثل الأفلام الأمريكية؟، فالجمهور يحتاج لمشاهدة أفلام متنوعة، فنحن لا ننتج حالياً سوى أفلام الأكشن والكوميدي، وقطاع كبير من الجمهور حالياً يشاهد مسلسلات وأفلام من جميع أنحاء العالم، ومستوى رؤيته لم يعد قاصراً على المنتتج المصري فقط، وإقبال الجمهور على أفلام مثل “الخلية” و”هروب اضطراري”، لأنه ما زال لديه أمل في المنتج المصري، يحاول دعمه وتشجيعه كي يستطيع الوقوف أمام طوفان الأفلام والمسلسلات الأجنبية، لذلك يجب أن يرتكز مجهود صناع السينما والدراما حالياً على تقديم محتوى عالي الجودة من جميع النواحي كي نحافظ على الجمهور الذي مازال لديه ثقة في المنتج المصري.
وسط الإمكانيات الإنتاجية المرتفعة حالياً، هل نستطيع تقديم أفلام أكشن قريبة من مستوى أفلام الأكشن الأمريكية؟
نحن رفعنا مستوى طموحات الجمهور، وهذا يعني أننا يجب أن نصرف مبالغ هائلة كي نقدم أفلام أكشن عالية الجودة ترضي طموحات الجمهور، وهذه مشكلة بالتأكيد، لأننا لدينا سقف إنتاجي لا نستطيع تجاوزه بسهولة، وهناك نقطة مهمة جداً أريد التأكيد عليها، أن الجمهور حاليا يشاهد المنتج المصري كي يشجعه ويدعمه وليس لأنه عالي الجودة أو رائع، لذلك يجب أن تقدم له أفلام عالية الجودة، وهذه الأفلام تتطلب ميزانيات هائلة، لذلك لابد أن نتحرر من أي سقف إنتاجي، ونصرف على الأفلام ببذخ شديد، حتى نرضي مستوى طموحات الجمهور، ونرضي مستوى طموحات كتاب السيناريو كذلك، لأن خيال كتاب السيناريو في مصر محدد ومحكوم بالسقف الإنتاجي.
هل تعتقد أن هناك حملة ممنهجة على جيل صلاح الجهيني ومحمد سيد بشير وبيتر ميمي من قبل بعض النقاد، وأن هذا الجيل لم يأخذ حقه إعلامياً وجماهيرياً بشكل كاف على الرغم من أنه أنعش الصناعة وأعاد الجمهور للسينما؟
“مفيش جيل سينمائي لم ينتقد”، فنحن متميزين للغاية في الهجوم على أي حالة نجاح، ونحاول دائماً تحطيم صناع أي نجاح بأي شكل، وفي تقديري، أن الأجيال السابقة لنا كانت أسعد حظاً مننا بكثير، فمنذ عشر سنوات كانت توجد قنوات أفلام متخصصة تشتري الأفلام بمقابل مادي كبير، فكان هناك دخل آخر للمنتج بجانب شباك التذاكر، بينما الآن لا توجد قنوات تشتري الأفلام، بالإضافة إلى انتعاش سوق الأفلام الأجنبية في مصر، فالأفلام الأجنبية تحقق إيرادات مرتفعة للغاية وفي مواسم مهمة مثل الأعياد، فجيلنا أصبح في مواجهة حتمية ومميتة مع الأفلام الأجنبية، لو لم نقدرعلى هذه المنافسة والمواجهة سننتهي فعلياً، لأن الأفلام الأجنبية مثلما تحقق إيرادات مرتفعة داخل مصر، تحقق إيرادات خيالية في البلاد العربية، وصناعة السينما في مصر تعتمد بشكل أساسي على التوزيع الخارجي في البلاد العربية، فعندما تتحدث الآن مع أي موزع خارجي وتعرض عليه فيلم مصري، لا يتحمس له بالشكل الكافي، لأن لديه الأفلام الأجنبية التي تحقق إيرادات مرتفعة للغاية، لذلك اتهامات من نوعية أفلام أمريكية الهوى، وأفلام هواها غير مصري، اتهامات “خايبة جداً ” فتقديم أفلام قريبة من المستوى الأمريكي في التنفيذ والصورة أفضل من عدم وجود أفلام نهائياً، وفي جميع الأحوال نحن يجب علينا الآن وسط كل هذه التحديات التي تعيشها الصناعة أن نقدم أفلام ممتعة وجذابة وإلا سنتنهي.
ما رأيك في ظاهرة بيتر ميمي؟
يوجد مثل أمريكي مهم جداً ترجمته بالعربية نصها ” لا يجوز أن تجادل النجاح”، بيتر ميمي بالنسبة لي نموذج ناجح ومتحقق تماماً، من المفترض أن ندرس عوامل نجاحه، ونسير عليها، بدلاً من الهجوم عليه باستمرار، ولكن تتحدث مع من؟ فنحن أساتذة في محاولة تحطيم وتكسير أي شخص ناجح في مصر، ولا أنسى جملة قالها لي ممثل شهير من فترة “لما الناس تمدحك أوي خاف، لأنهم هيرجعوا لطبيعتهم ويهدموك ويكسروك”، فهذه طبيعتنا للأسف الشديد.
هل نعيش في العصر الذهبي للدراما؟
بالتأكيد، فالعالم كله حالياً يتوجه للدراما سواء عن طريق المنصات أو القنوات الفضائية، وعندما نكون في عصر الدراما ونواجه صعوبة في إنتاج مسلسلات، فبالتأكيد القائمون على صناعة الدراما “منتجين، ممثلين، مؤلفين” ليسوا على مستوى الحدث، لذلك ما المانع من استقدام كتاب وخبراء من الدراما الأمريكية لتطوير الدراما المصرية ومعرفة كيف نكسب من وراء الدراما مثلما هم استطاعوا الكسب وجني الأرباح من وراء الدراما الأمريكية، وهذا سيكون في صالح الدراما المصرية بكل تأكيد.
هل سنشهد عصر اختفاء مسلسلات الـ30 حلقة؟
في أمريكا، هناك ثلاث أنواع من المسلسلات “مسلسلات نيتفلكس، المسلسلات 24 حلقة وتعرض أسبوعياً، المسلسلات العشر حلقات، وتعرض أسبوعياً أيضاً”، كل هذه الأنواع مستمرة ولها جمهورها، ولا يوجد نوع طغى على نوع آخر، بل كل نوع له مميزاته له عيوبه، لذلك من الصعب أن تنتهي مسلسلات الـ 30 حلقة، لكن في نفس الوقت ستظهر أنواع أخرى من المسلسلات الأسبوعية، وهذا سيحدث تحديداً عند انتقالنا بشكل كامل من عرض المسلسلات على الفضائيات إلى عرضها على المنصات.
لماذا لم تكتب مسلسلات حتى الآن؟
لم تساعد الظروف إنتاجيا على ذلك، ولكن أنا ليس لدى مانع بالفعل من كتابة الدراما التليفزيونية، ولكن أوقات المنتجين يصنفوا المؤلفين سينما ودراما.
هل السوشيال ميديا أثرت على بعض كتاباتك؟
فيلم 122 قررت كتابته بسبب تعليقات الناس على تويتر والفيس بوك على أفلام الرعب التي تعرض على “MBC 2″، فأنا “اتعصبت” وغضبت كثيراً بأن صناعة السينما في مصر بكل هذا التاريخ لا تنتج أفلام رعب، ووجدت رغبة شديدة من الجمهور في مشاهدة فيلم رعب مصري، ونفس الأمر تكرر مع “ولاد رزق 2″، وفي جميع الأحوال، السوشيال ميديا مقياس لمعرفة آراء وتطلعات الجمهور.
حدثنا عن علاقتك بطارق العريان؟
أهم قاعدة تعلمتها من طارق العريان “أن النجاح هو نجاح للمجموعة مش نجاح لشخص واحد فقط”، كما أنه أفادني كثيراً على مستوى الكتابة، سواء في أعمالي التي قدمتها معه، أو الأعمال التي أقدمها مع مخرجين آخرين، كما أن “طارق” ديموقراطي للغاية، يتقبل آراء الجميع في “اللوكيشن” وليس ديكتاتوراً على الإطلاق، وأتذكر أول يوم عمل معه قال لي نصاً “يا صلاح أنا عملت في 25 سنة شغل 5 أفلام، فيلمنا هيبقى الفيلم السادس، فأنا مش ههزر ولا هعمل حاجة وحشة”، هذا هو منطق طارق العريان الذي أطبقه وأسير عليه الآن، الجدية الشديدة والعمل المستمر، والرغبة الشديدة في عمل منتج محترم يمتع الجمهور في المقام الأول.
أشعر دائماً أنك تحاول أن تسبق خيال الجمهور، بمعنى أنك تسعى دائماً أن تقدم أعمالًا مختلفة وجديدة على الجمهور ولم يشاهدها من قبل في السوق المصري، هل تحليلي صحيح؟
سأروي لك شيئاً، في 2015 اتفق معي أحد المنتجين على تنفيذ فيلم في مدينة أسيوية، فكرته تقوم على طائرة تحطمت في جزيرة نائية، وعاش الناجون من الحادث داخل هذه الجزيرة، نفس فكرة المسلسل الأمريكي الشهير “لوست”، وبالفعل سافرت مع المنتج للمدينة الأسيوية، وعاينت أماكن التصوير، وكان تصور المنتج أن هذا الفيلم أفضل من يقوم ببطولته هم أبطال فرقة مسرح مصر، في محاولة لاستغلال حالة نجاحهم في هذا الوقت، فقلت له صراحة “هوجة أفلام مسرح مصر هتخلص قريب”، فاندهش بشدة، لكنني راهنته على هذا الأمر، واقترحت أن نلعب في الفيلم على تيمة الأكشن الكوميدي، وكتبت الفيلم بالفعل، في وقت “مكنش فيه أفلام أكشن كوميدي في مصر”، والطريف واللافت والمدهش أن بعد هذا الحديث بفترة قصيرة، انتهت موجة أفلام أبطال مسرح مصر، ويتم التحضير الآن لمجموعة من أفلام الأكشن الكوميدي ستنزل في السينمات قريباً، فهذا ما أتحدث فيه أنني طوال الوقت أحاول أن أسبق خيال الجمهور، وقد تخطئ توقعاتي ذات مرة بالمناسبة، لكن المهم أنني أحاول طوال الوقت.
نرشح لك: عباس أبو الحسن: الصحافة أضعفت “إبراهيم الأبيض”.. وتحوّلت لـ”ناشط” بسبب الثورات
حدثنا عن تفاصيل كتابتك؟
هناك تصور خاطئ عند كثير من المواطنين عن الكتابة والكتّاب في مصر، فالبعض يتصور أن الكاتب يكتب عندما يأتيه الإلهام، لكن هذا تصور خاطئ بالتأكيد، فالكاتب الحقيقي موظف، يستيقظ من نومه، يفكر في ما سيكتبه اليوم، يجب أن يكون ذهنه حاضرًا طوال الوقت و”عايش في النص اللي بيكتبه”. لذلك عندما أكون مضغوطًا أكتب ليلًا ونهارًا، وإذا لم يكن لدي تسليم شغل، أكتب ليلاً فقط، وأدوّن ملاحظات كثيرة عن العمل في البداية، ثم أحولها إلى بناء درامي ومعالجة، ثم أحول هذه المعالجة إلى مشاهد، وأضع المشاهد أمامي على الحائط وأنا أكتب، وكل مشهد مكتوب ماذا سيحدث فيه، وأي مشهد يعجبني أخذه من على الحائط وأكتبه في السيناريو، وطريقة الكتابة على الحائط مفيدة جداً نفسياً لأنها تجعلك تشعر دائمًا بأن وراءك عمل يجب أن تنجزه، لذلك أنا ألتزم بهذه الطريقة دائمًا.
لماذا رحلة كتاب السيناريو مليئة بالمصاعب والمتاعب الشديدة في أغلب الأحيان؟
مهنة السيناريو في مصر، تنقسم إلى قسمين، القسم الأول كتابة السيناريو، والقسم الثاني تسويق السيناريو، فكاتب السيناريو من المفترض أن يكون كاتب و”sales man ” في نفس الوقت، والقسم الثاني لا أحبه، فأنا من الممكن أن أسوق شغل الآخرين لكنني لا أستطيع تسويق شغلي، وهناك قاعدة هامة جداً في علم التسويق أنه “إذا رفض العميل منتج، هذا ليس معناه أنه يكره البائع”، هناك عوامل كثيرة جداً تدفع المنتج أو النجم أو المخرج لرفض السيناريو حتى لو كان جيداً، كما أن كتابة السيناريو بالنسبة لأي كاتب عبارة عن رحلة، يجب أن يمر خلالها على محطات كثيرة حتى يصل للمحطة التي يتمناها، وأول محطة يجبر على عبورها هي محطة “الطامحين والنصابين والدجاليين”، بمعنى أن كاتب السيناريو قد يقابل منتج هو في الأصل تاجر عقارات أو رجل أعمال يود اقتحام عالم السينما ولا يعلم عنه شيئاً، ويسعى هذا المنتج للعمل معه بكل قوة، فهذه المرحلة لو استسلم لها ستضيع من وقته ومجهوده وعمره، وتجعله يكره نفسه والكتابة والفن عموماً، ثاني محطة يواجهها كل كاتب سيناريو في رحلته، هي محطة “تاجر الشنطة” بمعنى أن هناك مخرج “محروق في السوق” ولا أحد يريد العمل معه، يجمع سيناريوهات كثيرة ويسوقها بنفسه إلى شركات الإنتاج لعل وعسى ينجح في تسويق أحدهم، ثم ثالث محطة يواجهها كل كاتب سيناريو هي محطة “تجار الأمل الكاذب”، بمعنى أن كاتب السيناريو يجد منتجًا يتحدث معه بحماس شديد جداً عن أن السقا يريد أن يقدم فيلمًا كوميديًا، وحلمي يريد أن يعمل فيلم رومانسي، “معندكش حاجة تناسبهم”، فيعطيه أمل كاذب أن نصه الذي يكتبه سيقرأه هؤلاء النجوم، وفي الحقيقة هو الذي يستفيد من هذا النص، وهو لا يعرف هؤلاء النجوم في الأساس، فكل هذه المراحل تحرق السيناريست نفسيا وذهنياً وإبداعياً، لذلك كاتب السيناريو في مصر “عامل زي اللي ماشي ولابس واقي ضد الرصاص” طوال الوقت يتعرض لضربات من كل جانب بكل أسف.
ما أبرز الأخطاء التي يقع فيها كتاب السيناريو المبتدئين والجدد من وجهة نظرك؟
الخطأ الشائع الذي يقع فيه كتاب السيناريو الجدد في تقديري هو محاولة التواصل دائماً مع الكتاب والمخرجين والممثلين الناجحون والمتحققون والذين يعملون داخل السوق بالفعل، فهم بكل أسف لا يدركون أن أحمد حلمي على سبيبل المثال لا يحتاج لكاتب ولا مخرج جديد، وكذلك شريف عرفة، لأنهما لديهما فريق العمل الذين يعملون معه وبالتالي أي محاولة للتواصل مع أي نجم أو كاتب أو مخرج لن تفيد، لأنهم لن يقابلوا هذا بجدية، فالحل الأمثل من وجهة نظري، أن يجب على كل كاتب جديد أن يعمل مع فريق من نفس مرحلته الفكرية والعمرية، والسوق سيطلبهم لو هم مميزون بالفعل كما حدث مع شيكو وهشام ماجد وأحمد فهمي، لكن محاولة التواصل المستمرة مع نجوم السوق هي محاولة فاشلة ولا تنجح في معظم الأحيان.
لو جاءك شاب يريد احتراف كتابة السيناريو، ماذا ستقول له؟
داخل ورشة كتابة سيناريو قدمتها من فترة طويلة، كنت أول نقطة أقولها للمشاركين داخل الورشة “أنك لازم تقتنع أن السوق مش عايزك ورافضك تماماً”، وأنت ككاتب يحاول اختراق منظومة السينما يجب أن تدرك أنك غير مرغوب نهائياً، وأن أي منتج يفضل دائماً أن يتعاقد مع كاتب شهير ومعروف على التعاقد مع كاتب شاب لا يعرفه وغير واثق فيه بشكل كامل، لذلك إذا كان رهانك الوحيد ككاتب جديد على تقديم أعمال تقليدية مثل أعمال كثيرة موجودة داخل السوق المصري “يبقى أسهلهم يشتغلوا مع الناس اللي يعرفوهم”، فأي كاتب جديد يجب أن يقدم منتجًا وبضاعة مختلفة عن الموجودة في السوق، حتى يستطيع أن يجذب إنتباه الجميع.
الكتابة علمتك إيه؟
“الكتابة علمتني أن مفيش نجاح سهل، بس أي حاجة بتجتهد فيها، بتلاقي نتيجة من وراها”.
نرشح لك: بشير الديك: ندمت على ترك حقي في “الهروب”.. و”زعلان” من عاطف الطيب
بشير الديك: ندمت على ترك حقي في “الهروب”.. و”زعلان” من عاطف الطيب