قديماً قيل بأن شكسبير كان يفضل أن يكون ممثلو مسرحياته ممتلكين لخاصية “الحضور”(presence) أكثر من أي صفة أخرى. لا يبدو أن صفة الحضور تنقص محمد ممدوح، فالممثل المصري المولود عام 1981 لعائلة مصرية في الكويت، والذي تربّى في شوارع الحلمية يحيطك –كمشاهد- بحضوره الآسر: جسد ممتلئ، وجه لماح، وفوق كل هذا صوت يتهدج عند كل شيء، ونفسٌ قصيرٌ للغاية. فلنراقب هذا العام في مشهده الأول مع فرح (مي عمر) في الحلقة الثانية من مسلسل “ولد الغلابة”: هي تقنعه بأنها تحبه. تتغيّر ملامح وجهه، يصبح وجهه بمعالمٍ غير مفهومة، صوته يظهر الأمر أكثر. تمدحه فرح وتسأله إذا ما كان حنوناً، لا يفهم ماذا تقصد، وحينما يحاول مجاراتها يغير ملامح وجهه بأكملها: يحرك شفاهه ويصدر صوته الخاص بتنفسه القصير ليخبرها بأنه “أحن إخوته كما كانت تخبره أمه”.
تخيلوا هذا المشهد: إنه يلعب هنا دور الشرير في هذا المسلسل. المدهش أنه هنا شرير، فيما في مسلسل “قابيل” هو ضابط الشرطة الذي يعاني من أمراضه النفسية التي تجعله حياً بين الواقع والخيال، مع هذا فإنه “أقسى” إلى حدٍ كبير في ردات فعله وانفعالاته. “يشخط” في مساعده عبد الرحمن (علي الطيب) يبدو منقطع النفس طوال الوقت، حاداً على الدوام. يقنعك “تايسون” كما كان يلقب إبان ممارسته للمصارعة في طفولته -مع العلم أن مايك تايسون كان ملاكماً، وهو لا يشبهه في الشكل أبداً- بأنه لا يجيد التمثيل فحسب، بل إنه هذه الشخصية التي يظهرها لك ها هنا. هنا يظهر لك ممدوح حرفته العالية هو لا يستخدم جسده في أدائه في كلا الدورين، فلا تشعر بحجمه الكبير في كلا المسلسلين، إنه لا يحتاج “لجسده” هنا.
استخدم الفنان المصري جسده في فيلم “تراب الماس” حينما أدى دور “البلطجي” في فيلم “السرفيس” هناك أظهر أنه هذا القاتل الذي يحب الوحشية. إنه يعرف كيف يستخدم ملامحه، وحجم جسده وصوته وتنفسه حتى في خدمة الشخصية التي يؤديها؛ وهي ميزةٌ تجعله لا مجرد ممثلٍ خاص الأداء، بل حالةً خاصة بكل ما للكلمة من معنى في عالم الدراما العربية.
ولأن الحديث عن حرفة التمثيل، ينبغي لنا أن ندرك كمشاهدين قبل أي شيء أن الممثل _أي ممثل_ كي يدخل إلى عقولنا عليه أن يسلك طريقاً مختلفاً عن ذلك الذي يستعمله للدخول إلى قلوبنا. يحتاج الدخول إلى عقول المشاهدين حرفة خاصة لا يمتلكها كثيرون، حرفة وذكاء واختيارات لأدوار تناسب الممثل في حد ذاته؛ أما الدخول إلى القلوب فيتطلب مراسا وزمنا وفوق كل هذا “شخصية” خلقها الله يحبها الناس أو لا يفعلوا. لكن أن تنجح في دخول عقول وقلوب الناس معاً: فتلك هي الجائزة الأكبر.
يستطيع محمد ممدوح القيام بذلك بسهولة، إنه محببٌ حينما يريد أن يكون كذلك، “مسكيناً” حينما يريد وهل ينسى أحدٌ دوره في “جراند أوتيل” وقدرته على تجسيد حالة من القصور العقلي البسيط بهذه الحرفة والدقة أوكأحمد في لا تطفئ الشمس؟ يستطيع أن يكون شريراً وقاسياً وظالما في أحيانٍ كثيرة وهذا أثبته غير مرة سواء في ولاد رزق أو اختفاء.. وقِس على ذلك. إنه مرنٌ إلى هذا الحد؛ لكنه محبب في آنٍ معاً.
بقيت نقطة أخيرة، قاسيةٌ وإن كانت ضرورية للغاية: اختار محمد ممدوح ثلاثة أفلام في العام 2017 ليشارك بها: الأصليين، بشتري راجل والخلية. كانت كل هذه الأفلام دون مستواه؛ على الرغم من الأسماء الكبيرة فيها والانتاجات وحتى تنوعها، لكن هذه الأفلام كانت خارج “معتاده” التمثيلي/الأدائي. لذلك ولأن المقالة في حب “محمد ممدوح” يجب تنبيهه أنه مع موهبةٍ كموهبته عليه دائماً أن يكون حذراً في اختياراته، إذ هو يعرف أنه يستطيع تمثيل أي “دور” يعطى له، لكن هل يمكنه وحده أن ينجح “فيلماً” بلا نص أو بلا مخرج جيد أو بلا ظروف ومواصفات جيدة؟