المتابع للأعمال الدرامية بصفة عامة، ولما يقدم في شهر رمضان خاصة، يجد أن القائمين عليها والمسئولين عنها يستسهلون، ويتبدى ذلك في تسكين الممثلين، وهي العملية الفنية التي يطلقون عليها كاستنج (سلام قوﻻ من رب رحيم) والكاستنج كما ينبغي أن يكون يلزمه قاعدة بيانات كبيرة متوفرة تمد المطلع عليها الطالب لها أسماء كثيرة وخيارات رحبة لأسماء الممثلين والممثلات التي يمكن الاستعانة بها وانضمامها للعمل !
أما الواقع، فإنه جد مختلف، يعتمد على علاقات شخصية وتليفونات ليلية وحفلات ودية وقبلات أخوية !!
أتذكر مخرجا كبيرا قال لصديق لي لماذا ﻻ تتصل بي باستمرار؟!! لماذا ﻻتتابع معي ؟!
لماذا ﻻتأتي وتشاركنا جلساتنا باستمرار؟!
والخلاصة أن هذه الأسئلة تلخص واقع الحال، وحقيقة المآل الذي يبين عدم وجود صيغة علمية أو نظام system يساعد في تقديم أفضل العناصر لدولة تعدادها يربو على ثمانين مليونا وفيها مواهب تستطيع أن تكون ذخرا وكنزا للمنطقة العربية كلها من أقصاها إلى أقصاها!
هذا إلى وجود أعداد غفيرة من كوادر تتطلع إلى فرصة وهي تلك التي نشأت في جامعات ومعاهد متخصصة وأكاديميات وقصور ثقافة ومراكز شباب منتشرة على اتساع الجمهورية وجمعيات فنية وفرق شبابية.. ولقد لخص أحد كبار مفكرينا هذا كله فقال بحق إن تحت كل حجر في مصر موهبة!
إن تكرار الممثل بشكل مستفز لدليل فقر وتخلف وعلامة على استسهال وترخص ولعب على المعروف والمضمون وهو الأمر الذي يفقد الفن متعته ومغامرته وجنونه ويفرغه من حيويته وعدم التوقع ويحيله إلى سبوبة ولقمة عيش!
والحقيقة إن الممثل الذى يتكرر يصبح (راكورا ) أساسيا وكأن الدراما ﻻتكون دراما إﻻ بوجوده ويتحول الفن والعمل الإبداعي إلى (لقمة قاضي) وشللية ومحسوبية. فندور ليلا نهارا حول مجموعة من الوجوه تتكرر حتى وإن كانوا موهوبين ( وهم كذلك بالفعل) فإننا نصاب بالسأم والضجر لأننا نصبح حافظين للأداء ويكون التوقع مثبطا ومفقدا بهجة ومتعة العملية الفنية..
لن أذكر أسماء لأن القارئ الهمام ﻻ يحتاج ذلك ولن يهمه ﻷنه لن يضيف إليه جديدا فهو يعرف ويحفظ ويسأم هذه الوجوه وتلك الأسماء ..
مسكين أيها المشاهد لقد تورطت في وجوه وأسماء فرضت عليك فرضا في حياتك الشخصية وعلاقاتك الإجتماعية ولم نكن في حاجة أبدا لاستمرار هذا الملل (والزهق) حتى في أعمال درامية كان من المفروض أن تخرجنا من الروتين والتوقع والتكرار إلى حالة مغايرة يغلب عليها البهجة والمتعة وعدم التوقع..
لن أطيل عليكم حتى ﻻتصابوا بما ننتقده ولكني أزعم أن التشخيص(التمثيل) في مصر أصبح يتسم بالأداء التقليدي الروتيني المتوقع وهو عبارة عن شويتين صراخ وبكاء وبذاءات وتكرار ونصيبه من الإبداع وعدم التوقع والتجديد أصبح محدودا ومتواضعا إن لم يكن أثرا بعد عين !
أعتقد أيها القارئ الصابر أنك أدركت اﻵن من هي الهبلة و ماهي الطبلة!
وأخيرا الحل أن تترك الهبلة الطبلة وتبتعد عنها نهائيا …طارق البرديسي