حوار عادل إمام
كلما زادت نجومية الفنان كلما زاد اهتمام الصحافة به، وبالتالي يزيد أرشيفه لديها عامًا بعد عام. وهو ما ينطبق على الفنان عادل إمام الذي تربّع على عرش النجومية لعشرات السنوات، متمسكًا بالاستمرارية والنجاح والتواجد بشكل جيد في ساحة العطاء الفني، رغم التقلبات المستمرة في أمزجة الجمهور وشرائحه المستهدفة من آن لأخر.
ولأن كل فترة من فترات نجوميته كان لها كواليسها وأزماتها ونجاحاتها وإخفاقاتها، التي تناولتها الصحافة لا ريب، نقدم اليوم حوارًا مُجمَّعًا للزعيم من أرشيف الصحافة المصرية، اختارنا منه أسئلة بعينها عن مسيرته بمراحلها المختلفة، والتي لا يزال بعضها يتكرر في حواراته بل ويشغل الجمهور حتى الآن.
أنا مفيش واحدة رشحتني لعمل. ولا مسؤول جابلي الدور الفلاني. أنا رجل خجول وحريص جدا على بيتي وأسرتي، وتربيتي تربية دينية، واللي زعلوا لما قلت إن ”عادل” عمل نفسه وقالوا إنك لا تعترف بأفضال السابقين لا يسمعون إلا أنفسهم فقط، لأنني قلت من قبل إننا أحفاد جورج أبيض ونجيب الريحاني وسلامة حجازي وسيد درويش وغيرهم.
في أول أفلامي مع شريف عرفه “اللعب مع الكبار” البطل مارس الجنس مع خطيبته في مكتب مدير أمن الدولة ولكن المهم كيف تقدم الجنس؟. والدكتور ميلاد حنا بعد أن شاهد الجزء الثاني من “بخيت وعديلة” قال لي: يا عادل أنت نبهتنا إلى نقطة مهمة في الدراسات التي نجريها بالنسبة لأزمة السكان، فلم نكن نضع الجنس في حساباتنا. وهذا الدكتور لا يقول كلام هزار. وحكاية البنات اللاتي يتزوجن عرفيا والطلبة والطالبات أليس المحرك لهم هو الجنس؟.. أنا نفسي أعمل موضوع عن ده. وفي “طيور الظلام” يسرا البطلة “مومس” وكذلك سعاد حسني في “المشبوه”، وفي “الأنثى والنمر” آثار الحكيم، وفي “الحب في الزنزانة” مع سعاد حسني.. وقام بالأدوار بطلات كبار ولا أعتقد أنهن يعملن هذه الأدوار للإثارة! فالمهم كيف تتناول الجنس في العمل الذي تقدمه.
يقولون عادل إمام “سيء” فترد عليهم وتقول شباك التذاكر يحكم.. هل شباك التذاكر عندك هو مقياس النجاح؟
فيلم “رسالة إلى الوالي” حقق في ثلاثة أسابيع 3 ملايين جنيه _وقت الحوار_ والعجب ممن يقولون هذا ليس دليل النجاح! وبعضهم قالوا الإيرادات ليست مهمة.. أومال هنعيش منين ونصرف على أولادنا منين ونشغل ناس منين.. وأصحاب دور العرض تأكل منين.. مش كل ده من الجمهور؟!.. هو إحنا بنعمل الفيلم لمين؟ ولا يمكن الناس تذهب لفيلم “وِحِش” لا يمكن.. وشباك التذاكر يعني المتفرج. فالتذكرة عبارة عن شخص. ولماذا الهجوم على كل شي ناجح وجميل؟ مثل الهجوم على المطربين الشبان، هل لا بد أن يكونوا مثل عبد الوهاب وعبد الحليم وأم كلثوم؟.. ولا تتخيل مدى شعبيتهم في الدول العربية ويحققون أرقامًا ومبيعات عالية جدا.. لماذا نهاجمهم؟ وبعدين البلد بتغني عاوزنا نحزن ليه وليه نكشر؟! وليه نقول إن الإيرادات ليست هي مقياس النجاح.. الفن مثل الأكل والشرب لا أحد يأكل غصب عنه.
أنا في الفن لا أجامل إطلاقًا؛ ومن قبل قالوا عني أني عميل للحكومة لأني عملت فيلمًا عن الإرهاب. واتهمني البعض أنني استغلالي من خلال تقديم هذه النوعية من الأفلام. وأنا لا أجامل أحدًا.. ولو جاملت كان زمان عندي عزي وأراض زراعية واتعفيت من الضرائب.. شيء مرعب.
المطرب طوال عمره موجود من خلال المسرح الاستعراضي، فالمسرح الاستعراضي موجود بمطربيه، فأرجوك نفصل المطرب عن الراقصة، أما الرقص الشرقي فأنا لا أعتبره فنًا ولا أحترمه، والراقصات بذكائهن يعرفن أن الرقص لن يدوم لهن وأن التمثيل هو الباقي ولذلك لجأن إلى المسرح على أساس أن يرقصن ولو فيه شوية تمثيل يساعدهم بعد كده.. وأنا لا مع ولا ضد هذه الظاهرة. ولو فيه مسرحية تحتاج إلى راقصة شرقية موظفة جيدا ما المانع؟ وعندنا نجوى فؤاد تمثل الآن بدون رقص.. لكن يعملوا هذا بعد أن يكبروا. وده غير تحية كاريوكا وسامية جمال فهما أول من بدأ التمثيل.
أنا لن أرد على أحد.. ولو تفرّغت للرد على الشتّامين فلن أستطيع العزف على قيثارتي الجميلة؛ فقيثارتي وأنا أعزف يستمتع بها جمهوري استمتاعًا شديدًا. كما أنني أيضًا أعزف بجودة، فلا يهمني السب والشتائم. ولماذا أضيع وقتي في الرد؟
سافرت لأعرض في لبنان وكان والدي “عم إمام” في مرضه الأخير، وكنت أتابع حالته لحظة بلحظة قم عليمت بوفاته والحفلات محجوزة ولا أستطيع الاعتذار وقبت لهم: “شيعوه”، وفضلت ماسك نفسي ولم يعرف بالخبر إلا المقربون جدًا من الأصدقاء. وعزاني رفيق الحريري ونبيه بري وعدد كبير من الكتاب والمثقفين اللبنانيين والعرب. ولكن في الحلفة الأخيرة وبعد يومين من الوفاة وجدت أني لا بد أن أرثي والدي وأعظم مكان لرثائه هو خشبة المسرح.. ولم أستطع أن أمسك نفسي وكلمت الجمهور بعد نهاية العرض عن والدي وانهمرت دموعي.. كانت لحظة صعبة جدا.
**الأهرام العربي
أنا عشت أوقاتًا سوداء بمعنى الكلمة عام 67، الفن يتأثر بالوضع السياسي لا شك في ذلك.. قيام حرب معناه أن المسرح والسينما “مفيش”. أيامها لقيت نفسي في الشارع بدون مليم، ومسؤول عن أسرة. كنا نروح عند سمير خفاجي نستلف فلوس ونحط همنا على بعض، عبقرية الشعب المصري بقى في الظروف دي إنه كان من همه يسخر من نفسه، أنا فاكر عبد الناصر وقتها قال “بلاش كده”. رغم كل هذا كنت عارف إن مصر مش ممكن تسكت. وبعدين جاءت 73 والمسرح ازدهر والحال مشي والحمد لله، دلوقت نضحك من قلوبنا في أمان، أعتقد أن كل بيت مصري يجيد الضحك.. يخلق الفرحة ويقول خير اللهم اجعله خير.
أحيانا أشعر بأنه ليس لدي ما أقوله.
زوجة الفنان عمومًا ولا زوجة عادل إمام؟.. هناك فرق. فزواجي من “هالة” وفّر لي الاستقرار النفسي والحياة الأسرية التي كنت أنشدها. أنا بطبعي أسري ولا أطيق الوحدة، نشأت في أسرة كلها حب وترابط وكنت الشقيق الأكبر.. أنا رجل فلاح أعيش البيت المصري العادي، وربنا وهبني زوجة فهمت هذا وحافظت عليه.. فهمتني وأنا صامت، وأنا أفكر.. تعرف ما أنوي عليه دون سؤال. قطعًا له دور كبير وتأثير ويد قوية في استقراري واستمرار قدرتي على الضحك وإسعاد من حولي.
أيوااااه.. قصدِك إيه؟!
أبدًا ده سؤال بريء جدا..
وماله لما تطلع نجوم جديدة.. فيها إيه؟ ده معناه إننا فنيًا ناجحون، بنتقدم، مش محلك سر، مصر ولّادة زي ما بيقولوا.. هو أنا محكتر النجاح؟ وبعدين مش فاهم فيلم ينجح يبقى يا إما ينجح زي عادل إمام يا أحسن من عادل إمام!، أرفض فيلم أتشتم.. ينجح لي فيلم أبقى أنا المسؤول لوحدي.. على العموم ده برضه كويس، شيء يسعدني إنه النجاح يقارن بعادل إمام، ده معناه إنني أصبحت وحدة متكاملة توزن بها الأعمال.
مش عارف ليه الإحساس ده.. قد ينزعج البعض.. لكن القدامى العباقرة لا يزعجهم نجاح أحد.. ولا أتكلم عن نفسي. لا يوجد نجاح يُزعج نجاح.. بل النجاح يعم على الجميع، والناجح الذي لديه رصيد بالتأكيد عنده ثقة في نفسه.
بصي هقولك حاجة بصراحة أنا بحب شغلي.. وطول عمري أعمل ولا أنظر لغيري، وأفكر في موضوعي القادم وفيلمي الجديد وازاي اعمل المشهد وأقف قدام الكاميرا، وانشغل بحركة المجتمع وما يدور فيه من تناقضات.. يعني بصراحة مش فاضي.. لا أحقد على أحد.. لا أشتم في أحد.
أومال هتقاس بإيه؟.. طول عمر السينما تتقاس بالفلوس وشباك التذاكر.. وحكاية ما يُقال أن هناك فيلم كويس وفشل يكون السبب في الناس، مسألة خاطئة تمامًا.. الفيلم فشل يعني ببساطة إن الناس معجبهاش.
صدقيني حب المهنة.. سعيد بفني وفرحان إن ربنا اختارني ممثلًا.. وأعتقد أنه صواب وليس خطأ أن أكون فنانًا.. الحقيقة أنا بحب التمثيل، أحب ألعب دور.. عارفة الكلمة دي جميلة ازاي.. بالعب.. يا سلام التوتر الجميل الذي يسبق كل عمل أقدمه.. أنا بادخل المسرح يوميًا وكأني بدخله لأول مرة في حياتي وباعمل المسرحية في أول يوم.
لن أنكر أنني قدمت أفلامًا سيئة في بعض الفترات لكنني لا أندم عليها لأنني وافقت عليها بإرادتي. وكنا نعتمد في ذلك الوقت على التوزيع الخارجي وعندما يعرض الفيلم لمدة 4 أسابيع كان يعتبر إنجازًا.
بعد الهجوم الشرس الذي واجهته من النقاد والممثلين هل ما زلت مصرًا على رأيك بأنك ترفض احتراف ابنتك للتمثيل؟
أنا حر في رأيي وما زلت متمسكًا به، لأن طبيعتي وثقافتي هي التي جعلتني أرفض احتراف ابنتي التمثيل. أنا من الحلمية وأساسا من المنصورة، فهل سأكون سعيدًا عندما أشاهد ممثلا يُقبِّل ابنتي ثم أقول لها بعد انتهاء المشهد “الله البوسة حلوة”. كما أن لديّ رأيًا في القبلات بصفة عامة فلا بد أن تكون مبررة دراميًا، لكنني تعرضت لهجوم شرس لدرجة أن أحد النقاد اتهمني بأني إرهابي.
يا نهار أبيض، لو شاهدت ماذا نفعل في الكواليس قبل أن نصعد إلى خشبة المسرح، رغم أن المسرحية تُعرض منذ 11 عامًا، فستجد المسيحي يصلي والمسلم يقرأ القرآن، وجميعًا ندعو الله أن يوفقنا في هذا اليوم. ولن تتخيل حالتي ورعبي قبل صعودي على خشبة المسرح. لكن الهتافات العالية التي أسمعها بمجرد صعودي إلى الخشبة تطمئنني، وفي أول عرض للمسرحية في المغرب وجدت القاعة مشتعلة من النيران ومعظم الجمهور أشعل شموعًا وظلوا يهتفون “عادل .. عادل”. كما أنني كنت أسير في موكب رسمي لأني ضيف الملك، حتى أن زوجتي قالت لي: “إيه ده كله؟” فقلت لها: “عشان تعرفي إنتي متجوزة مين”.
أنا شخص تصادمي بطبعي ولدي ثوابت قليلة، منها “الدين” ومن الممكن أن أغير رأيي في أشياء أخرى، فمثلا في البداية كنت شيوعيًا ثم أصبحت مع الإخوان المسلمين بسبب وجودي في الحلمية التي تشعر فيها بمصر، ومن الطبيعي أن الإنسان يغير رأيه عندما يتقدم في السن ويقرأ كثيرًا.
ليس عندي معلومات عن دفع أموال للمحجبات ولكن دعونا نسأل: هل الإسلام دين جديد على مصر؟ هل المصريون الذين عاشوا قبلنا لم يكونوا مسلمين؟ أنا شخصيًا نشأت في بيئة ملتزمة جدًا بتعاليم الدين ومع ذلك لا أفهم أسرار هذا التزامن الغريب بين التحجب والاعتزال وتحريم الفن والاغتيالات والإرهاب، نعم من حق أي فنانة أن تتحجب فهذه حرية شخصية لكن ليس من حقها تكفير الفنانين وتحريم الفن، أو ربما كان الفن الذي يقدمنه بشكل خاص من النوع الحرام!
ازاي.. أنا لا أفعل هذا إلا في المشاهد التي تناسب هذه التصرفات. مثلا في فيلم ”المشبوه” فيه مجرم وأنا راجل بوليس ازاي اتصرف مع المجرم. “الهلفوت” شخصية شاب عنده جوع جنسي ولا بد من وضع حد لتصرفاته، وليس الأمر استعراضًا للشتيمة.
لم أعش نجمًا في يوم من الأيام، وأحيانًا أكون في الشارع فأرى أحدهم يقود سيارته في بجنون وكأنه موكب رئيس، فأكتشف أنه مجرد ممثل شاب يقول لكل الناس بسلوكه الطائش بأنه ممثل. ولكنني على العكس.. أمشي متخفيًا و”اتكسف” أكون في وضع نجومية، ولكن على المسرح أحب أن أصبح دائمًا “سوبرمان” وهذا يجعلني يقظًا دائما وعامل حسابي لكل حاجة.
أنا لا أعمل فيلمًا على مزاج النقاد، ولا أخاطب النقاد ولا المهرجانات، أصنع أفلامي للجماهير، وأعتقد أنني ناجح في ذلك، لأن الجماهير تثق في عادل إمام ورأيها هو الأول والأخير.. وأنا واثق أن الجمهور لا يُقبل على فيلم سيء، لكنه ممكن وجايز ينصرف عن فيلم جيد.
لم نرك أبدًا في الاجتماعات والمناقشات التي تدور لحل أزمة السينما.. نجم بحجمك كان لا بد له من التواجد.
هما بيتناقشوا من سنة 40.. اسألي المخرج نادر جلال هيقولك إنه كان بيسمع والديه أحمد جلال وماري كويني بيتكلموا عن أزمة السينما.. قال لي يا عادل كانوا بيقولوا نفس الكلام.. عايز أقولك كون إني باعمل فيلم كويس والناس بتقبل عليه أنا باعتبر ده في حد ذاته حل لمشكلة السينما. فيه ناس متصورة إن أنا النجم الأعظم الأوحد.. مفيش حاجة اسمها نجم أعظم من خلال أفلام ضعيفة، أنا علشان أعمل فيلم بعاني معاناة كبيرة جدا.. واللي معايا كمان حاسين إن معاهم “بلوى” مسئولية كبيرة اللي هو أنا.
طبعا يراودني.. مبقاش فنان.. وده بيخليني حريص على عملي، أنا بقالي 30 سنة باشتغل.. لا نجيب الريحاني ولا يوسف وهبي قعدوا المدة دي.
هقولك على حكاية حصلتلي زمان.. مرة كنت ماشي أنا وصديق لي على كوبري قصر النيل ومكنش معايا ولا مليم، شوفنا شاب راكب عربية سوداء فارهة ومعاه بنت زي القمر وحاطه عقد فل في إيدها ومزيكا عالية من العربية.. احنا الاتنين نظقنا في جملة واحدة.. أنا قلت الله.. وهو قال يا ولاد الكلب.. زميلي لم يحقق أي نجاح حتى الآن.
أنا المنافس بتاعي الوحيد عادل إمام والزمن.. وقولتها قبل كده.. أنا عايز أعمل أدوار قبل ما أعجز وأكبر، وإن كان متيهألي لما أعجز هعمل أدوار وأبقا نجم برضه.
إياك أن تصدقي هذه الكلمات، أي ممثل مهما كانت عبقريته لا يمكن أن يقدم فنًا ناجحًا إلا من خلال نص جيد وفريق عمل جيد.
المسألة ليست بهذه الصورة، نعم أنا أقدم أفلامًا فيها سياسة لكنهاه أفلام محترمة، بينما تمتلئ أفلام أخرى بالعري والإسفاف ومن هنا يأتي الصدم بينها وبين الرقابة.
ألا يضحك الجمهور، وأحيانًا تهاجمني الكوابيس وأنا نائم، وأحلم بأنني على المسرح والصالمة جامدة لا تتحرك فأصحو من النوم فزعًا، وأحس بالتعب وأتصبب عرقًا وأشعر بارتفاع دقات قلبي.
نرشح لك: كيف بدأت قصة عادل إمام مع “الغرور”؟
شاهد: أين اختفى هؤلاء
حوار عادل إمام حوار عادل إمام حوار عادل إمام حوار عادل إمام حوار عادل إمام حوار عادل إمام