نقلًا عن منتدى المحررين المصريين
ايهاب الزلاقى
منذ نحو ثلاثة سنوات أصدرت مجموعة “نيويورك تايمز” تقريرها الضخم عن الصحافة الرقمية واستراتيجيات التحول والذى حمل عنوان “الصحافة المتميزة” The Journalism that Stands Apart، وهو التقرير الذى قام بتحريره عدد من الصحفيين والخبراء تطلق المؤسسة عليها اسم “مجموعة 2020”. فى هذا التقرير تم رسم خارطة الطريق لتحديد استراتيجيات غرفة الأخبار وتطلعاتها للمستقبل.
التقرير جاء ضمن جهود المؤسسة وطموحها لزيادة أعداد المشتركين، وبناء أعمال رقمية حقيقية، وعلى الرغم من تركيز التقرير على التايمز، ومرور عدة سنوات على صدوره، إلا أنه يتضمن مجموعة من الدروس والخبرات والتجارب الصالحة للاستخدام فى إطار التطوير الرقمى بشكل عام، وفى السطور المقبلة نستعرض مجموعة من أهم الدروس المستفادة من هذا التقرير.
على الرغم من القفزات الهائلة التى حدثت فى السنوات الأخيرة فيما يتعلق بطرق العرض البصرى والتفاعلى على المواقع الالكترونية، إلا أن التقرير يقر حقيقة أن غالبية الموضوعات والمقالات المنشورة لا تزال مقاطع النصوص المطولة. الأكثر من ذلك، تشير الدراسة إلى أن نسبة 12.1% فقط من الموضوعات المنشورة على موقع نيويورك تايمز تتضمن عناصر مرئية موضوعة عمدا ضمن التصميم. ومع انتشار الأدوات الرقمية المتاحة لعمليات التصميم فى العصر الحديث لا يوجد أى عذر فى عدم استكمال العناصر الناقصة لتصميم الموضوعات الصحفية على الموقع الالكترونى.
يجب أن يهتم الصحفى ومسؤول النشر بأسلوب العرض وجاذبية القراءة لموضوعه، وهناك العديد من الأشياء التى تساعد القارىء على النقر والتصفح أكثر من مجرد عرض جدار طويل من النصوص دون أى عناصر لتفكيك تلك المساحة النصية. ويقول التقرير أن أحد القراء انتقد الجريدة التى نشرت قصة حول مسارات مترو الأنفاق دون أن تنشر حتى خريطة مبسطة لخط القطار المتنازع عليه.
المدهش أنك لا تحتاج حتى إلى وضع صورة لتقسيم عناصر النص الطويل. فإن مجرد وضع أحد التصريحات فى كتلة مستقلة باستخدام بنط أكبر يمكن أن يؤدى الغرض المطلوب.
وعلى الرغم من التطور الكبير فى غرفة تحرير التايمز، إلا أن التقرير يشكو من نقص الخبرة فى هذا المجال داخل الغرفة، ويقول إنه ربما يجب على الصحفيين الطموحين أن يتعرفوا على هذه التطورات التقنية، وأن يأخذوا على عاتقهم تنمية مهارات العرض البصرى لأنفسهم.
الإمكانيات الرقمية لتوزيع الصحافة هائلة، ومع ذلك فإن أفكار والغرائز المهنية للعديد من الصحفيين لا تزال تقليدية إلى حد كبير. بشكل عام يبدو أن غالبية الصحفيين يركزون على كتابة الموضوعات التى لا تتجاوز 300 كلمة، والاكتفاء بها عن باقى الأفكار. ولكن حتى إذا كان تركيز الصحفى منصبا على القصة، فإن وسيط العرض لا يجب أن يكون هو الآخر جامدا.
بدلا من ذلك، يجب أن نسمح لوسيلة العرض بخدمة القصة، وهذا النمط فى التفكير هو الذى أدى إلى نجاح “البودكاست” ونشرات البريد والفيديو عبر الوسائل الإجتماعية. وهكذا، فإن الوسائط المتعددة لا يجب أن تكون فقط جزءا من ترسانة الصحفى الشاب، ولكنها يجب أن تكون الطريقة الأساسية للتفكير فى القصص، أخذا بعين الاعتبار الأنساق الجديدة التى تظهر بشكل مستمر.
فى عصر الإنترنت، يكثر الخبراء فى كل المجالات، إذا كان الصحفى يرغب فى العثور على صوت موثوق بشأن موضوع ما فى أى مجال، يمكن القيام بذلك بسهولة كبيرة. والأكثر من ذلك أن هذا الصوت يمكن أن يكون موجودا بالفعل على تويتر أو غيرها من الشبكات الاجتماعية، ولن يحتاج الصحفى لبذل الكثير من الجهد للوصول إليه.
هذا التطور فى عمليات التفاعل الإنسانى يعنى أن الصحفى لم يعد بإمكانه الاكتفاء بمعرفة عامة أو أولية بموضوع ما، لأن رد الفعل على الشبكات الاجتماعية سيكون عنيفا. وبأخذ هذا المنطق فى الاعتبار، يوصى التقرير بتوظيف صحفيين يتمتعون بمستوى عال ومعرفة عميقة بملف معين، وهو الأمر الذى انعكس بالفعل على عدة أمثلة مثل تعيين محرر متخصص فى القضايا الجنسانية “الجندرية”.
مع أخذ ذلك في الاعتبار ، يوصي التقرير بأن تقوم التايمز بتعيين المزيد من الصحفيين الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من السلطة على إيقاع محدد. وقد انعكس ذلك بالفعل في تعيين محرر لتغطية القضايا الجنسانية.
ولذلك، يجب على الصحفى الطموح أن يجد موضوعا أو ملفا يمكن أن يصبح خبيرا فيه، ويجعله تخصصه فى المهنة، وسواء كان هذا الأمر يعنى متابعة جميع المجلات المتخصصة فى الصحة، أو مراقبة سوق الأسواق المالية بدقة، أو قراءة ملخصات السياسة البيئية، فإن كون الصحفى خبيرا فى مجال معين يعتبر الآن أحد المهام الأساسية للصحفى الناجح.
يبرز التقرير نجاح نموذج نيويورك تايمز الرقمى للاشتراكات، مع استعراض للرسوم البيانية التى تشير إلى أن الإيرادات القادمة من اشتراكات المستهلكين فى ازدياد حتى أنها تجاوزت فى الفترة الأخيرة الإيرادات القادمة من الإعلانات. الأمر الواضح فى هذا الإطار هو أن اشتراكات المستهلكين تعوض عائدات الإعلانات المفقودة.
ليس هذا الأمر فقط، ولكن النموذج المستخدم يساعد على مكافحة انخفاض رسوم الإعلانات، ويوضح التقرير الموقف بالقول: “المعلنون ينظرون أيضا إلى درجات المشاركة، ويهتمون أكثر بالقراء الذين يقضون وقتا طويلا مع المحتوى ويعودون للزيارة بشكل متكرر”.
المسار المستخدم للحصول على ولاء القارىء ورغبته فى المشاركو يختلف كثيرا عن الحاجة الملحة لدى أصحاب المواقع فى الحصول على نقرات الماوس وعدد مرات مشاهدة الصفحة. والقارىء الذى يشعر بالخيانة من عنوان خادع يغريه بالنقر عليه دون وجود محتوى حقيقى سيكون أقل عرضة للعودة إلى الموقع.
هذه أخبار جيدة جدا، لأنها تقدم سببا إضافيا للصحفى –بالإضافة إلى النزاهة المهنية- لتقديم محتوى يتميز بالجودة العالية، ورد فعال على من يقول إن القصص الجيدة العميقة لا تستحوذ على الاهتمام الكافى من القراء.
فى الوقت الحالى تتوفر تحليلات تفصيلية ومعقدة لمشاركات وتفاعل الجمهور، وعدد مشاهدات الصفحة، وما إلى ذلك الأمر الذى يعنى إنه يمكن تعريف النجاح ومتابعته بشكل فعال. وبطبيعة الحال، لا ينبغى أن تكون عدد مشاهدات الصفحة هى المقياس الأساسى، ولكن من المهم للغاية أن تمتلك الحس المناسب لمتابعة التحليلات المهمة.
ويشجع تقرير “نيويورك تايمز” المؤسسات الإعلامية أن تضع لنفسها أهدافا ملموسة، حتى يعرف الصحفين كيف يبدو النجاح، وكيف يمكن زيادته وتنميته، ولا يتعلق هذا الأمر بجعل الصحافة خاضعة للأعمال التجارية، ولكن الأمر الأساسى هو إنشاء محتوى يجتذب القراء، أو بعبارة أخرى: تقديم صحافة فعالة.
العناصر البصرية الجيدة لا تظهر من العدم، وتقديم قصة جيدة عبر الإنترنت فى بعض الأحيان يحتاج ما هو أكثر من فيديو مدمج من يوتيوب. ويفتخر التقرير بأن غرفة أخبار “نيويورك تايمز” تمتلك أكبر عدد من الصحفيين يمكنهم البرمجة أكثر من أى غرفة أخبار فى العالم.
بطبيعة الحال، ستجد أن هناك الكثير من الصحفيين لا يفهمون على الإطلاق سبب هذا التفاخر، حيث أن هؤلاء أقصى ما يفعلونه هو تقديم موضوعات تهيمن عليها بشكل كبير مساحات النصوص الصماء.
قد يكون الأمر صعبا فى البداية، ولكن ربما يكون الوقت قد حان الآن بالنسبة لطلاب الصحافة للتضحية ببعض الوقت وتعلم البرمجة لأنها قد تصبح عنصرا أساسيا فى أعمالهم خلال فترة قريبة.
لمزيد من المتابعة على منتدى المحررين المصريين