لا حيلة لنا في المحبة خاصة أولئك الذين شكلوا ذكرياتنا كبرنا سويًا، وكانوا صوتنا في الكثير من الأحيان، وبمرور الوقت تتوثق العلاقة .. من بين هؤلاء الذين شكلوا جزءًا كبيرًا من ذكريات جيل التسعينات، يبرز اسم محمد محيي، الصوت الذي لا يختلف أحد عليه.
يشبه صوت محمد محيي حب تعلقت به العين والقلب لكن اللسان لم يفصح، تمر السنوات ولا تدرك سببًا واحد لتلك المحبة ولا لماذا لم تجاهر بها يومًا، ولا تتحدث بها إلا بينك وبين نفسك… ياه هو أنتي / أنت.. كبرتي / كبرت.. أجمل حب في حياتي لا يعرف عنه أحد.
تنقلك موهبة محيي دون رغبة منك إلى غرف الذكريات المغلقة، سنوات الطفولة، والتعلق، والأحلام الأكثر براءة، تجاربك الأكثر جرأة التي صارت فيما بعد تشعرك بالخجل، غيابه مهما طال لا يدفعك أبدًا لنسيانه، ذلك الحب الهادئ الصامت داخلك والذي لا يقفز في الواجهه إلا حين تحدث أحدًا عنه أمامك، غيابه الدائم لا يعد غياب بالمعنى المعروف، لكنه قدرة على التحول بسهولة إلى سكون لطالما كنت أنت نفسك تحتاج إليه لكنك لم تتمكن من ذلك.
-العين تحب أيضًا لكنه لا يصبح حبًا إلا إذا تملك قلبك وافصح عنه لسانك وتصرفاتك.
في كل حياتي لم أحب صوت كما أحببت محمد محيي، ولم أشعر بحنين إلى حب خبئته في أقصى أركان قلبي كما أشعر به حين أسمع صوت محمد محيي، ولا أشعر بشجن لأن أيدينا لم تتشابك كما تشعرني نغماته أيضًا.. غير هذا والأكيد بالنسبة إلي أن لا شيء في العالم قادر على دفعي للكتابة إلا المحبة، أو أن أكتشف أمرًا بداخلي لا أستطيع أن أقوله بلساني فأكتبه.
محيي هو الشخص الأكثر وفاء لمشاعره وحالته المزاجية دون أن تدفعه الحياة ولا السعي ورائها لتغيير.. ذلك دون حسابات معقدة يسير، وكلنا كنا نرغب في أن نكون ملك أنفسنا لكننا فشلنا أو هكذا أظن.
تملك الموهبة دون غيرها أجراس تلفت الانتباه وتوقظ الموتى، تدفعهم ربما للسير خلفها، لكن لا تتوفر الموهبة دائماً في الكثير، كما أنها مرتبطة دائماً بنماذج تميل إلى المزاجية ربما الانعزال أيضاً، الجنون كثيراً أو التصرفات الحمقاء، لكنني رغم ذلك أحب من يملك الموهبة أتجاوز عن كل شئ له، لأنني أؤمن أن ما يقدمه في قيراط غيره سيقدمه في فدادين…ولمحيي القدرة على ذلك.
مظلوم، مفيش حاجه، أنا حبيت، أعاتبك، أهل الهوي، صورة ودمعة، الكثير من الأغاني، والكثير من الحنين مع صوته وأغانية، كان آخر مرة رأيت فيها محمد محيي يغني ويتحاور في 2014 مع صاحبة السعادة إسعاد يونس، تحدث عن سر الغياب ونيته العودة بألبوم جديد، والمشاكل التي مر بها وتغيرات السوق، وأخيرًا قرر أني في بعهده بألبوم “سهرانين” والذي أتوقع أن يلقى النجاح الذي يليق بأحد أهم أبناء جيله، والأكثر ظلمًا لنفسه ولموهبته ولمحبية.