هل أصبحت نيويورك تايمز مثل فيسبوك أو جوجل؛ عملاقًا رقميًا خارج المنافسة؟.. يقول الصحفي الأمريكي بن سميث: “في المرة الأولى التي قابلت فيها إيخ جي سولزبيرجر”، ناشر صحيفة نيويورك تايمز، حاولت استقطابه للعمل معي، بل حاولت تعيينه أيضًا”.
كان ذلك في الأيام الذهبية للمنصات والوسائط الرقمية في عام 2014، وكان سميث يكتب حينها في موقع BuzzFeed News الإخباري، وهو واحد من عدة شركات ناشئة في صناعة الأخبار، ويستعد كغيره لاكتساح صحف قديمة ذات تراث إخباري عتيق مثل “التايمز”.
في 2014، كانت أسهم “التايمز” لا تزال في حالة تخبط، وكانت الشركة قد باعت كل شيء باستثناء أثاثها لمواصلة دفع تكلفة إصدار الصحيفة، وفي ذلك الوقت كان سولزبيرجر ولي العهد، الذي تجري تهيئته لقيادة التايمز، فرفض بأدب عرض سميث للعمل معه.
واليوم، بعد ثماني سنوات، حدث العكس، ووجد سميث – رئيس تحرير BuzzFeed، نفسه يستلم ظيفته ككاتب عمود إعلامي جديد لدى “التايمز”.
يبحر سميث في مقاله المنشور في “التايمز” في الفضاء الواسع الذي فتحه “ديفيد كار” قبل 10 سنوات، كاتب العمود الذي تولى التأريخ لسيل من المواقع الإخبارية الجديدة عبر الإنترنت وهي صحف إلكترونية دمجت كل شيء من الأفلام إلى الأخبار، حيث تتعرض صناعة الوسائط للفوضى من خلال نفس الأغنياء الذين يزدادون ثراءً ويحصلون على المزيد من القوة التي أعادت تشكيل الشركات من قطاع الطيران إلى الأدوية.
ويعتقد سميث أن قصة الدمج في وسائل الإعلام هي قصة “التايمز” نفسها، ويوضح أن الفجوة بين التايمز وبقية صناعة الأخبار واسعة وتستمر في الازدياد، إذ أصبح لدى الشركة المالكة للتايمز الآن عدد مشتركين رقميين أكثر من “وول ستريت جورنال” و”واشنطن بوست” و250 صحيفة محلية أخرى مجتمعة، وفقًا لأحدث البيانات.
وتوظف التايمز 1700 صحفيًا، وذلك بعد أن انخفض إجمالي العمالة بها على مستوى الولايات المتحدة إلى ما يتراوح بين 20,000 و 38,000.
وتهيمن صحيفة التايمز على قطاع الأخبار لدرجة أنها استوعبت العديد من الأشخاص الذين هددوها في السابق، منهم كبار المحررين السابقين في جاوكر وريكود وكوارتز؛ جميعهم يعملون اليوم في “التايمز”، وكذلك العديد من المراسلين الذين جعلوا قراءة مجلة “بوليتيكو” ضرورة قصوى في واشنطن.
وأضاف سميث: “لقد قضيت مسيرتي كلها في منافسة التايمز، لذا فإن المجيء إلى العمل هنا يشبه إلى حد ما رفع الراية البيضاء وإعلان الاستسلام، وأشعر بالقلق من أن نجاح التايمز يمثل خطرًا على المنافسة”.
فيما يتوقع جيم فانديهي، مؤسس موقع أكسيوس، الذي بدأ في عام 2016 بخطط لبيع الاشتراكات الرقمية ولكن لم يفعل ذلك بعد: “نيويورك تايمز ستكون احتكارًا أساسيًا، ستصبح التايمز أكبر وستصبح مكانتها أكثر خصوصية، ولن يبقى أي شيء آخر.”
من جانبها، قالت جانيس مين، المحررة السابقة لصحيفة يو ويكلي التي أعادت اختراع صحيفة هوليوود ريبورتر، إن مزيج محتوى التايمز المتسع يمثل عقبة هائلة أمام الشركات الأخرى العاملة في مجال الاشتراكات الرقمية.
وتابعت مين: “لأننا نتحدث عن أعمال النشر، فلا يزال الأمر محزنًا، ولكن في هذا الكون الموازي يتحدث الناس عن صحيفة نيويورك تايمز بذات الطريقة التي يتحدث بها الناس في هوليود عن نتفليكس؛ إنه الذيل الذي يزعج الكلب، بل الكلب نفسه”.
صعود التايمز من العملاق الجريح إلى العملاق السائد كان مذهلاً مثله مثل أي شركة ناشئة، في وقت قريب من عام 2014، كان الإعلان المطبوع ينهار، وفكرة أن يدفع المشتركون ما يكفي لدعم جمع الأخبار العالمية المكلفة للشركة كانت تبدو وكأنها حلم كبير.
ويتابع سميث: “أخبرني سولزبيرجر، الذي أصبح ناشرًا في عام 2018، في مقابلة أجريت معه الأسبوع الماضي: “لقد بعنا كل جزء من الشركة يمكننا بيعه للاستثمار في الصحافة بقدر الإمكان، وأعتقد أن جميع الأذكياء في وسائل الإعلام قالوا عني أنني مجنون، وأعتقد جميع المساهمين لدينا اعتبروا ذلك القرار غير مسؤول من الناحية المالية”.
بعد بضع سنوات فقط، وسط أزمة متفاقمة في الصحافة الأمريكية، وهجوم متواصل من رئيس الولايات المتحدة، انتعشت أسهم التايمز إلى ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في عام 2014 وأضافت غرفة الأخبار إلى سجلها 400 موظف، وكان الراتب الأساسي لمعظم المراسلين هو 104,600 دولار، فيما تدار الصحيفة حاليًا بهدوء للهيمنة على صناعة مجاورة هي المحتوى الصوتي المسجل.
وتجري “التايمز” مفاوضات حصرية للاستحواذ على استوديو “بودكاست” المذهل الذي اجتذب أكثر من 300 مليون عملية تنزيل، وتطلب هذه الصفقة من أجل إتمامها مبالغ تقدر بحوالي 75 مليون دولار، وفقًا لشخصين مطلعين على المفاوضات، على الرغم من أنه من المتوقع أن تدفع التايمز مبالغ أقل بكثير، فيما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الشهر الماضي أن الاستديو معروض بالفعل للبيع.
يمكن أن تشكل الصفقة، جنبًا إلى جنب مع شراء صحيفة “ذي دايلي The Daily”، الأساس لمنتج جديد مدفوع وطموح – مثل تطبيقات الكلمات المتقاطعة للطهي الخاصة بالشركة – التي يعتقد المسؤولون التنفيذيون أنها قد تصبح محورًا جذابًا للبودكاست.
عندما تحدث سميث إلى سولزبيرجر الأسبوع الماضي، ذكره بشخصيات أخرى في هذا الاقتصاد الرقمي الذي حققوا من خلاله نجاحًا على نطاق وسرعة مذهلة.
ويعتقد سميث أن ناشر التايمز يرى الكثير من المنافسة ضد التايمز – فقد استشهد بقناة كيبل، على الرغم من أن مستقبلها غير مؤكد، والأكثر من ذلك، كما يقول، سيشتري الأمريكيون أكثر من اشتراك أخبار واحد، وهو يعتقد أن التايمز لا تسيطر على السوق بقدر ما تخلق سوقًا جديدًا، وقال سولزبيرجر إن مجموعة صغيرة من المؤسسات الإخبارية تشاركه هذا التفاؤل.
وقال برايان ماكجروري رئيس تحرير صحيفة بوسطن جلوب التي اجتذبت أكثر من 100000 مشترك رقمي: “لقد أظهرت التايمز لبقية الصناعة طريقًا إلى بعض النجاح”، ويقول المديرون التنفيذيون لصحيفة التايمز إنهم يبحثون أيضًا عن وسيلة لمساعدة أبناء عمومتهم الأضعف، بالنظر إلى التهديد الذي يمثله انهيار الصحافة المحلية على الديمقراطية.
وقال مارك طومسون، الرئيس التنفيذي للصحيفة: “لكن كما يقولون في الطائرات، ضع قناع الأكسجين الخاص بك أولاً قبل البدء في مساعدة الآخرين”.
ولأن صحيفة التايمز تطغى الآن على الكثير من الصناعة، فإن المعارك الثقافية والأيديولوجية التي اعتادت أن تندلع بين المؤسسات الإخبارية -مثل ما إذا كانت تقول إن الرئيس ترامب كذب- تلعب الآن دورًا في صياغة المناخ العام داخل التايمز.
وقد ابتلعت التايمز الكثير مما كان يُعرف سابقًا بالوسائط الجديدة بحيث يمكن للصحيفة أن ينظر إليها كمنافسة غير ملتزمة بتقاليد المبارزة، إن قسم “ستايل” هو نسخة مصقولة من موقع “جاوكر” بينما تعكس صفحات الرأي أفضل وأسوأ استفزازات على غرار مجلة “ذي أتلانتيك” وتنشر التايمز حججًا جريئة حول الموضوعات الإثنية والعرقية والتاريخ الأمريكي، وتتبع نهج مجلة “بوليتيكو” في شن العدوان المغلف.
تجدر الإشارة ‘إلى أن “بن سميث” هو كاتب عمود في التايمز، انضم إلى “نيويورك تايمز” في عام 2020 بعد ثماني سنوات من عمله كرئيس تحرير مؤسس لموقع BuzzFeed News الإخباري.