طاهر عبد الرحمن
يفتح الأديب محمود الورداني في روايته “باب الخيمة”، الصادرة عن دار العين، القاهرة 2018، أبوابا كثيرة للتأمل في أحوال الحياة الثقافية والصحفية في مصر والعالم العربي، وأسئلة أكثر عن طبيعة العلاقات فيها.
بالتأكيد إن قارىء الرواية (العادي!) برضاه أو رغما عنه سيحاول أن يبحث عن “الأسماء الحقيقية” لأبطال الرواية، أو ربط بعض أحداثها بوقائع معروفة أو مشهورة.
من ناحية أخرى تختلف قراءة القارئ الذي ينتمي – بأي شكل – إلى الجماعة الثقافية أو الصحفية، لأنه بالقطع – وبعيدا عن أية محاولات لربط شخصيات الرواية بالواقع – يعرف يقينا أجواء وطبيعة العلاقات داخل الوسط، وربما يكون هو نفسه أحد “الضحايا” أو “الجناة”!
وحتى لا ننسى فنحن أمام رواية، أي عمل فني بحت، لا يصح ولا يُعقل أن نستنطقه أو نُحمّله بأكثر من ذلك، ولا يسعنا إلا نناقش القضية من خلال ذلك المنظور وفقط.
“جمال الصاوي” صحفي مصري، يعمل – كمعظم الصحفيين المصريين – في أكثر من جريدة، حتى يستطيع الوفاء بالتزاماته، لكنه – على كل المستويات – يبدو مهزوما ومحطما.
قبل ذلك هو واحد من الجيل الثالث – إذا صح التعبير – من الحركة الشيوعية المصرية، وهو الجيل الذي “تبخر” وتحلل وجوده الذاتي والمعنوي قبل حتى أن تتبخر أحلامه وطموحاته، على عكس الجيل السابق، والذي ينتمي إليه والده، حيث قام بحل نفسه بنفسه وقبِل أن ينضم للنظام الناصري في الصفقة الشهيرة، و”جمال” يقر بتلك الحقيقة لكنه لا يرهق نفسه في البحث عن أسبابها أو تحليل ما حدث، ما عدا تلك الإشارة الخاطفة لمأساة الكاتبة المنتحرة “أروى صالح” وكتابها الذي يُغني عنوانه عن الكلام الكثير: “المبسترون”.
وهو ما يفعله مع كل ما ومن حوله، بدءا من حبيبته وزوجته ورئيسه في العمل، حيث يقر لنفسه – وللقارىء – بالوقائع والحقائق لكنه طول الوقت يتخذ دور المشاهد أو المتابع، دون أن يحاول – مجرد محاولة – تخطي ذلك الدور.
المرة الوحيدة التي اتخذ فيها رد فعل قوي هو هروبه من لقاء العقيد “معمر القذافي”، فلقد بدا له ذلك اللقاء الذي استدرجه إليه صديقه الشاعر “عبد الرحمن سبعاوي” وكأنه “باب الجحيم”، الذي ما إن يدلفه فإن حياته – الغير مستقرة أساسا – سوف تنقلب رأسا على عقب.
لم يكن ذلك الهروب أو التهرب نوبة شجاعة أو بطولة، بقدر ما كان – و”جمال” يعرف نفسه – تفاديا للحظة سقوط مهنية وأخلاقية رأى بعضا من ملامحها قبل ذلك في زيارة سابقة – في الثمانينيات – للعراق، ففي تلك السنوات كانت “المصالح” هي اللغة السائدة بين بعض المثقفين والأنظمة الحاكمة، وكان كل طرف يستخدم الآخر، وربما حد الاستنزاف الكامل، ولقد تبين في النهاية أن كلا الطرفين خاسر، وإن كانت خسارة المثقف أفدح وأعظم.
“جمال” – كنموذج روائي وواقعي ورغم كل شيء – لم يكن فاسدا ولم يكن يطمع سوى في الحد الأدنى من الحياة الكريمة كعائد لمجهوده وعمله، ولذلك هرب قبل أن يقف على “باب الخيمة” كغيره ممن سبقوه، لكن – في الرواية والواقع – المشكلة الكبرى في اللاحقين.. ربما حتى الآن!
نرشح لك: 100 كتاب ورواية يرشحها لك المثقفون للقراءة خلال حظر التجول