للتواصل مع الكاتب عبر تويتر (من هنــا)
وسط حالة المتابعة اليومية من الملايين في مصر، والمليارات في العالم، للأرقام الخاصة بـ وباء الكورونا سواء أرقام الحالات أو الوفيات، ووسط كم هائل من الأخبار والتحليلات والإشاعات يظل هناك سؤال ملح على الجميع (متى سينتهي كل ذلك؟).
سؤال لا يملك أي شخص على كوكب الأرض كله أن يعطيك إجابة صحيحة عليه، ولكن يندفع الكثيرون لمحاولة أن يقدم نظريات أو احتمالات، مثل عندما سيأتي الصيف يبدأ الحل، أو هناك أخبار عن اكتشاف علاج في فرنسا وبدأت التجارب وتنتهي في أسبوعين، أو تطعيم الدرن هو السر.. إلخ.
كلام وأخبار وتحليلات تتنوع بين الأكاذيب والحقائق علمية والأمنيات، لكن جميعها لا تجيب عن سؤالك الأصلي بشكل حاسم بل تدخلك في متاهات أكبر، أنت تسأل السؤال لأنك تريد أن تعرف متى ستعود لحياتك الطبيعية مرة أخرى؟ متى ستعود للعمل بشكل منتظم دون الخوف من إغلاق الشركة؟ متى سيعود الناس للشراء من متجرك؟ متى ستذهب لقضاء إجازة في الساحل الشمالي؟ متى ستزور عائلتك وأصدقائك؟ متى ستذهب للسينما؟
الحقيقة أنه لا توجد إجابة لكل تلك الأسئلة، لأن الجميع مشغول بالأمور العلمية التي تخص الفيروس نفسه ومحاولات اكتشافه ودراسته للوصول إلى علاج ولقاح، وكذلك مشغولون بالوصول لحلول تخص القطاع الطبي في مواجهة المصابين سواء بتوفير احتياجات أساسية مثل الكمامات والقفازات أو احتياجات أكبر مثل أجهزة الكشف عن الفيروس، وأجهزة التنفس الصناعي بل وأماكن تصلح أن تكون مستشفيات ميدانية في حالات عجز المستشفيات الحالية، مشغولون بقرارات الحظر والإغلاق العام وطرق تنفيذها.
حقائق نخشى أن نفكر فيها
الحقيقة الأولى: التي يجب أن تعرفها جيدًا، أن العالم بعد “وباء الكورونا ” لن يعود كما كان قبل الكورونا، ومصر وحياتك التي تعرفها قبل ذلك الوباء ستختلف عن ما بعد الوباء، لأنه لو جاء إليك شخص في يوم 1 يناير 2020 وقال لك أن الطيران سيتوقف في العالم، والمدارس ستغلق والشركات ستطلب من الناس العمل من منزلهم، وسيُفرض حظر التجول، وستصبح الكمامة الطبية سلعة نادرة، ويقف الناس طوابير أمام فروع كولونيا خمس خمسات، لن تصدقه للحظة.
ولكن هذا ما حدث فعلا ويحدث ليس لـ 100 مليون مصري بل لـ 7 مليار إنسان في العالم لم يواجهوا حدثًا مشتركًا واحدًا من قبل، حتى الحرب العالمية الثانية لم تجمع كوكب الأرض كما جمعه وباء الكورونا.. لذلك فمن المستحيل أن يعود العالم بعد الكورونا كما كان قبل الكورونا.
الحقيقة الثانية: أن الوباء سينتهي في يوم من الأيام، ولكن ما نفعله اليوم هو ما سيحدد ويرسم شكل مستقبلنا، ويحدد كيف ستصبح حياتنا بعد انتهاء الأزمة، خاصة أن الأمر الآن أكبر من مجرد مرض منتشر بل حياة كاملة تتغير كل جوانبها وأركانها.
أزمة صحية أم أزمة شاملة
كل التقدير والاحترام والامتنان لكل العاملين في المجال الطبي بكافة أشكالهم، والذين يواجهون الآن خطرًا حقيقيًا يجعل وصفهم بالجيش الأبيض، وصف لا مبالغة فيه فإنهم على خط المواجهة مُعرضين للخطر في كل لحظة، ولكن كما يخاطر الأطباء بحياتهم، ويحاول المسئولون الحكوميون العمل على مواجهة ما يحدث، فأن هناك جهود كثيرة يجب أن تبذل من الكثيرين من أجل مواجهة الأزمة.
هناك أزمة في منظومة التعليم بكافة مستوياته، هناك أزمة في المنظومة الاجتماعية والعلاقات الأسرية، هناك أزمة في المؤسسات الدينية، وهناك الأزمة الأكبر الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن توابع مواجهة انتشار الكورونا، أعلم جيدا أن محاولة الحديث عن الأزمة الاقتصادية وصعوبة توقف العمل يبدو أمر مستفز للناس، عندما يتحدث عنه رجال الأعمال لأنه يدفع الناس في التفكير في أنهم حتى في ظل احتمالات موتهم من الوباء، يظل هؤلاء يريدون أن يمتصوا دمائهم في تلك الوظائف من أجل أن تزيد ثرواتهم في البنوك.
ولكن في حقيقة الأمر لا يخلو أي حوار بين 2 من الأصدقاء عن الكورونا وتطوراتها، للحديث عن العمل وما سيحدث وعن أخبار الشركات وإجراءاتها واحتمالات تخفيض العمالة وتقليص المرتبات، بل والإغلاق وهو ما بدأ يحدث مع بداية شهر إبريل وبدأت آثاره وأخباره.
ننتظر أم نبادر.. نتابع أم نشارك
أنا لست خبير اقتصادي أو من رجال الأعمال أو حتى من العاملين في مجال الاستثمار والأموال، ولكن أرى بشكل واضح أن هناك أزمة حقيقية وتتطور دون أن يتم مواجهتها بشكل حقيقي، سواء بمنطق أن الوضع استثنائي أو لا صوت يعلو فوق صوت الكورونا، لكن أنا وأنت يا عزيزي نعرف أن الأزمة بدأت وأن المديرين لا يعرفون ماذا يفعلون، وأن الكلام عن انتظار نهاية شهر إبريل أو انتظار شهر رمضان هو من قبيل المسكنات أو المهدئات.
دعنا نضع فرضية، سنستيقظ غدا لنجد أن أحد العلماء توصل للقاح وتم تجريبه والتأكد أنه صالح وذو فعالية أكيدة في مواجهة الكورونا (طبعا مستحيل أن يحدث ذلك غدا أو حتى في خلال شهر)، لكن دعنا نفترض، هل تعتقد أن إنتاج الدواء سيكون بكميات كافية لسكان العالم وأن يصلك هنا في مصر، سيستغرق يومين.. بالطبع لا.. فقد يستغرق شهور حتى يصل لنا ويتم التأكد من حصول 100 مليون مصري عليه.
أزمة استثنائية.. حلول استثنائية
لا أعتقد أن حل ما يحدث الآن في كافة قطاعات الأعمال سيتم حله بحلول تم وضعها من قبل أو بأي خطة طوارئ كانت موجودة في الإدراج المغلقة، الأمر يستدعي أن يتم التعامل مع الأزمة الآن بوضع خطط بناء على الوضع الراهن
والخطط يجب أن تكون متنوعة بين (قصيرة المدى/ متوسطة المدى/ طويلة المدى).
ويجب أن يفتح الجميع عقولهم لتقبل أفكار قد لا تكون منطقية أو غريبة، ولكن في ضوء الأزمة، وضوء الالتزام المجتمعي أمام العاملين يجب أن يتم التعامل معها، ويجب أن يتكاتف جميع العاملين في كل قطاع للوصول إلى حلول لأن جزء من الخروج من الأزمة هو التفكير المشترك بين جميع الأطراف
لأنه من الصعب علي طرف واحد أن يجد الحل.. وحتى مع وجود خلافات أو منافسات، لذلك فأن الصين لا تتوقف عن مد العالم بكل ما تعرفه عن الفيروس حتى لو كان ذلك سيفيد أمريكا منافستها الرئيسية، لأن بدون ذلك لن تستطيع الصين مواجهة الأزمة الاقتصادية مع عالم مغلق بسبب الكورونا.
والقصد من الابتكار والتفكير الجماعي، هو أن يكون هناك “حوار بناء”، فكل فكرة يتم التفكير فيها وفي مزاياها وعيوبها دون أن نقول من أول لحظة “لا”، بل يجب أن نطور الفكرة حتى تصبح قابلة للتنفيذ، فنحن لسنا في جدال حول من فكرته أفضل، بل نحن في تحدي للخروج من الأزمة، فمثل أن يبدأ مصنع ملابس.. في تصنيع كمامات طبية باستخدام نفس العاملين (حدث في إيطاليا)، أو أن تستخدم أوبر وكريم الكثير من السيارات في توصيل البضائع بعد زيادة الشراء أونلاين، قد تكون حلول قصيرة المدى للأزمة، أن كان لدي محل ملابس ولن يأتي أحد ليشتري مني بسبب ما يحدث، سأفكر في إنشاء موقع إلكتروني وعرض منتجاتي عليه وتحويل العاملين في المحل، لـ كول سنتر لتلقي الطلبات وتحويل جزء آخر لتقديم خدمة التوصيل للمنازل.
أن كان لدي مصنع سأتواصل مع المصانع الأخرى للتواصل مع الدولة لإنشاء جهة مثل الأمن الصناعي.. تقوم بدور تحت مسمى مثلا “أمن الوباء”، ولكنها تحدد شروط وإجراءات صحية لعودة العمل داخل المصنع، دون أن يكون بيئة لانتشار المرض.. الأمر مكلف ويحتاج لميزانية لأجهزة ومعدات، وقد يجعل المصنع لا يعمل إلا بنصف كفائته، ما المانع.. أليس أفضل من التوق.. ولكن سأحتاج فقط نصف العمال وسأفصل النصف الآخر، ولماذا لا يصبح العامل يعمل 3 أيام فقط بالتبادل، ليعمل الجميع وتنخفض الأجور للنصف حتى تحل الأزمة، خاصة أن العامل هنا سيوفر مصروفاته الشخصية التي كان يتحملها في الذهاب للعمل 6 أيام.
الدوري الأنجليزي لكرة القدم أعلن أنه سيعود في شهر يوليو القادم بدون جمهور، وذلك في إطار وضعهم لاستعدادات تضمن أن جميع اللاعبين المشاركين والحكام يتم التأكد من خلوهم من المرض قبل المبارايات، وهو أمر مكلف جدا ولكن رابطة كرة القدم هناك رأت أن عدم استكمال الدوري سيحقق خسائر لا تتحملها الأندية، ولكنها يمكنها أن تتحمل تكاليف تأمين الملاعب واللاعبين من الإصابة بالمرض.. واختاروا أن يتأخر الأمر حتى يوليو.. حتى يعطوا الدولة وأجهزتها فرصة للتعامل مع الأزمة، وكذلك حتى تتضح الأمور في كيفية التعامل العلمي مع الوباء.
كل ما سبق قد يكون عبثي وغير قابل للتنفيذ، ولكن من المؤكد أن لو دخل أهل كل صناعة وكل قطاع اقتصادي في حوار بناء لوضع حلول للأزمة سيجدوا لها حلولا قد لا تحقق للجميع نفس الوضع السابق، ولكنها تكفل للجميع الحد الأدنى من العمل الذي لا يدفعهم اقتصاديا للانهيار بل ويضع تصور لحياتنا بعد انتهاء الأزمة، التي نتمنى أن ينتهي الجزء المخيف منها الآن وهو المرض والموت
ولكن يجب أن نفكر في ماذا بعد الخوف من المرض حتى لا نجد أنفسنا نخاف من الحياة نفسها.
نرشح لك: لماذا تفوق موقع “سكاي نيوز” على “العربية” و”الجزيرة” في تغطية أزمة “كورونا”؟