اعتادت وسائل الإعلام الغربيّة وخصوصاً الأميركية أن تحاضر المواطن الشرقي وحكوماته عن القيم الإنسانية. تلك المنابر الإعلامية التي أوسعت الجميع حديثاً عن استقلاليتها وكونها مثالاً للإعلام المهني الدقيق الذي يرى الحقيقة، ولا يتعامى عن بطش هذا ولا قهر ذاك، لا تتوانى عن فضح فظائع الأنظمة في حق شعوبها، ولا سيّما تلك الأنظمة التي تربطها صداقة بالدول التي تعمل تلك المنابر من داخلها.
وسائل الإعلام الغربية دائمة التحدّث عن القيم النبيلة الضائعة والإنسانيّة المعذّبة التي تلتقطها عدساتها، من دون أن تشمل فوهة البندقية الموجّهة نحو تلك الإنسانية المعذّبة في الأرض. فربما يكون مكتوباً على السلاح أنّه صُنع في الولايات المتحدة الأميركية أو غيرها من أنصار إنسانية الفوتوغرافيا.
تأتي فقرات المقالات في صحف مثل «نيويورك تايمز» و«نيوزويك» و«غارديان»، على شاكلة عبارة أنور السادات أثناء توقيعه إتفاقيّة «كامب ديفيد»، مصافحاً السفاح الصهيوني الشهير مناحم بيغين: «فلنملأ العالم بتراتيل السلام».
ذلك المشهد المتكرّر بصور متباينة، والمعبّر عن مرادفات القيم والإنسانيّة لدى الغرب والولايات المتحدة، المُشير إلى معنى سلامهم المنشود في كُل زمانٍ ومكان، هو ذاته خلاصة العبارات والأخبار المُستهلكة على صفحات جرائدهم التي تشنّف آذان وتُلمّع أعين القارئ كُل صباح برسائلها الموحّدة عن الشرق الذي يقتل بعضه بعضاً والغرب الذي يقف بعيداً متأثراً من لا إنسانيّة هؤلاء. ويُرسل الفنّان هذا والفنّانة تلك لتلتقط صورة مع ذلك اللاجئ وبالقرب من تلك المنازل المحطّمة.
يذهب سفير النيات الحسنة إلى الصومال ليلتقط الصور مع الأطفال الذين يقتلهم الجوع والعطش والمرض، وتحاصرهم العصابات التكفيرية، وتنهب ثروات أراضيهم عبر عقود طويلة دول الغرب والاستعمار. يذهب ليلتقط الصور الفوتوغرافيّة التي ستنشرها صحف بلاده الاستعمارية، ليترك الأطفال يتلقّون أجولة القمح والدقيق الملقاة لهم من طائرات من يعيشون على خيراتهم، ولتبدأ سيمفونيات الإنسانية المبعثرة على صفحات الصحف الأجنبية هنا وهناك.
وحينما نتحدّث عن الشأن المصري من خلال تلك الألسن والأقلام ذات الإنسانيّة العالية، يجب أن نتوقّف عند نقطتين لحدثين وقعا أخيراً في مصر وكيفيّة تناولها من قبل الإعلام وبالتالي الرأي العام العالمي والغربي على وجه الخصوص.
الحدث الأوّل هو حكم الإعدام على الرئيس المعزول محمد مرسي ومن معه في قضية التخابر، وأحكام الإعدام عامة على المتهمين في قضايا إرهاب وتخابر.
في ما يخص أحكام الإعدام في تلك القضايا وبغض النظر عن آراء المجتمع المدني المصري والتيارات السياسية المختلفة داخل مصر، الجدير بالتأمّل هو كيفية تناول الإعلام وبعض المسؤولين الدوليين له، ورد فعل رئيس البرلمان الألماني نوربرت لامرت على سبيل المثال.
فقانون العقوبات المصري منذ أزمنة متعاقبة، يتضمّن أحكام الإعدام في قضايا عدة مثل القتل والعمالة والتخابر لصالح جهات أجنبية. وأحكام الإعدام يتم تنفيذها بشكل مستمر في المتهمين بتلك القضايا والمحكوم عليهم بالإعدام بعد إحالة أوراقهم على المفتي، وإقراره بأنّهم يستحقون تنفيذ حكم الإعدام عليهم. ومنذ عقود طويلة أيضاً وقطاع كبير من الحركة الوطنية المصرية يطالب بإلغاء تلك العقوبة باعتبارها حكماً نهائياً لا يمكن الرجوع عنه إذا ما ثبتت براءة المتهم يوماً ما، وعلى اعتبار أنّها مخالفة لمواثيق حقوق الإنسان.
لكن الآن، أدرك المجتمع الدولي أنّ قانون العقوبات الجنائية في مصر يتضمّن حكم الإعدام، حين أصبح الأمر يتعلّق بالإخوان المسلمين، وتحديداً رئيسهم الضائع ومرشدهم ومموّليهم. هنا، ظهرت إنسانيّة الفوتوغرافيا لدى رئيس البرلمان الألماني الذي قرر مقاطعة زيارة عبد الفتاح السيسي لألمانيا، وظهرت تلك الإنسانية أيضاً لدى «نيويورك تايمز» التي عنونت أحد مقالاتها: «أوّل رئيس مدني منتخب لمصر، محكوم عليه بالموت».
أما النقطة الثانية، والتي تجلّت فيها التناقضات والمسافة الشاسعة بين الغرب ومصر، بين ما يتحدّث عنه الشعب وما تتحدّث عنه أميركا باسم الشعب المصري، كانت في ما يخص تعيين المستشار أحمد الزند وزيراً للعدل. وهو المحسوب على نظام حسني مبارك ومشروع التوريث. الرجل الذي قالها نصّاً إنّ القضاة أسياد ومن سواهم عبيد، وغضب الشعب لتعيينه لأسباب عدّة منها مناصرته لمبارك، ومناصرته لمرسي حين طالب بشنق من يخطط لثورة ضده. الرجل الذي أهان الشعب بتصريحاته وفتح مجالات كبيرة ليصبح القضاء مسيّساً بشكل كبير، اكتفت «نيويورك تايمز» بأن تتحدّث عن الاستياء الشعبي في مصر بسبب تعيينه مبرّرة إياه طبقاً للهوى الأميركي في مقال بتاريخ 21 أيار (مايو) الحالي بعنوان: «قاضٍ معادٍ للإخوان، وزيراً للعدل». وتلك العبارة تلخّص كل ما يمكن أن يُقال في كيف ينظر الغرب بإعلامه إلى الأحداث، وكيف يحدد زاويته، وكيف يرى الشعب شؤونه. الغرب لا يريده معادياً للإخوان، تلك العبارة التي من المتوقع أن نسمعها كثيراً كمعاداة السامية. والشعب لا يريده معادياً للحرية. فمن كان إعلام الاستعمار الجديد مرجعه سيرى عالمه الموازي بتلك الصورة، وإنسانيّته المزعومة لن تتعدّى كونها إنسانيّة فوتوغرافيّة.
نقلًا عن “الأخبار اللبنانية”