طاهر عبد الرحمن
الصحافة، مثلها مثل أي مهنة أخرى في الدنيا، لها ما لها وعليها ما عليها ويمارسها أنواع مختلفة من البشر، فيها الطيب والخبيث، الشريف والوضيع، لكن ذلك – بأي مقياس – لا يقلل من أهميتها ورسالتها السامية.
والميزة الكبرى التي تنفرد بها مهنة الصحافة، ربما دونا عن باقي المهن، أن أبنائها والمنتسبين لها هم أول من يكشفون سلبياتها قبل إيجابياتها، وذلك حرصا منهم على مستقبلها ورسالتها، وهذا ما فعله الكاتب الصحفي والروائي، خالد إسماعيل، في روايته “قهوة الصحافة” الصادرة مؤخرا عن دار الأدهم في القاهرة.
في هذه الرواية يقدم لنا الراوي، واسمه “خلف رضوان”، مجموعة من “البورتريهات” شخصية ومهنية لمجموعة من الصحفيين والصحفيات عرفهم وتعامل معهم من خلال زمالة العمل في مجلة “صوت الفن”.
تبدأ الأحداث وتنتهي من “القهوة”، المكان الأكثر حميمية بالنسبة لجموع الشعب المصري بشكل عام، وبالنسبة للصحفيين والكُتّاب والشعراء والمثقفين بشكل خاص، لكنه – بالتوازي مع ما حدث في عالم الصحافة سلبا بحسب شخصيات الرواية – فإنه أيضا يتأثر ويهبط مستواه بعد وفاة صاحبه ومديره ويضطر الأبناء لبيعه تقسيما للميراث، وكأن ذلك هو أحد العوامل الجانبية للتدهور الذي شهدته الصحافة، وأصبح لزاما على المالك الجديد تغيير اسمها بدلا من “قهوة الصحافة”.
يصعب بدقة تحديد السبب أو الأسباب التي قادت الصحافة – كما نقرأ بين سطور الرواية – إلى ذلك الوضع الصعب والمأساوي، هل هي لحظة التحول الكبيرة والخطيرة عندما قرر النظام الناصري تأميمها؟ أم لحظة أن قررت الأجهزة الأمنية السيطرة عليها والتحكم فيها عن بُعد، أم هي الظروف التاريخية التي سمحت للانتهازيين أن يدخلوا المهنة ويصلوا لمراكز قيادية فيها؟ لا توجد إجابة محددة أو قاطعة، فأي رأي مرتبط بظروف وعوامل شخصية وعملية وتاريخية مختلفة.
على جانب آخر وبالنظر لطبيعة مهنة الصحافة باعتبارها تتيح لكل ممارس لها قدر من الشهرة، فإن قارىء الرواية – وإن لم يرد – سوف يبحث عن الشخصيات الحقيقية التي أخفاها المؤلف بأسماء فنية، وهذا بالطبع لم يكن بين دوافعه وهو يكتب، لكن بلا شك – والمؤلف صحفي بارز – فإن كل أو معظم أبطاله لها أساس واقعي.
لكن – ومن وجهة نظر فنية – فإن المؤلف نجح في تقديمه لكثير من الشخصيات وبأسلوبه التسجيلي السريع وغير المترهل – أن يرسم ملامح لها ابتعدت عن الأصل الواقعي بحيث يتحول اهتمام القارىء لما تعبر عنه الشخصية وترمز له.
رواية – بكل شخصية فيها – تفتح تساؤلات كثيرة، كتبها صحفي عاش في الكواليس ورأي وسمع، وفيما كتبه فإنه يبدو مهموما بأحوال مهنته، وربما يمكن القول بأن “قهوة الصحافة” خير تعبير عن مقولة قديمة للأستاذ هيكل حيث قال بأن “القارىء يريد أن يعرف عن الصحافة أكثر من أن يعرف منها!”
نرشح لك: 100 كتاب ورواية يرشحها لك المثقفون للقراءة خلال حظر التجول