رباب طلعت
خمس ساعات قاسية لن تُمحى من ذاكرة أبناء الدكتورة سونيا عبد العظيم عارف، وزوجها الدكتور محمد الهنداوي، الذين وقفوا عاجزين عن التحرك لدفن والدتهم، في مسقط رأس والدهم، قرية شبرا البهو، التابعة لمركز أجا، بمحافظة الدقهلية، بسبب تجمهر الأهالي، رافضين دفنها استجابة لدعوات مغرضة صدرت من مكبرات الصوت التابعة لمساجد القرية التي يُذكر فيها اسم الله الأحد 5 مرات، لحث الناس على التوجه بقلوبهم إلى الرحمن الرحيم في خشوع، لم يدخل قلب المانعين لتشييع جثمانها إلى مثواه الأخير.
11 أبريل.. تاريخ لن ينسى
في واقعة هي الأكثر غرابة على المجتمع الريفي المترابط، اجتمع أهالي شبرا البهو، حول سيارة الإسعاف التي تقل الدكتورة سونيا عبد العظيم أحد ضحايا وباء كورونا المستجد (كوفيد – 19)، لمنع أسرتها من دفنها في القرية ظنًا منهم أنه من الممكن لجثمانها نقل الفيروس إلى القرية، لعدم وعيهم بأنه يتوفي مع صاحبه، كما أن الطب الوقائي، يتخذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع العدوى، خلال تغسيل ودفن المتوفي، وكان مصاحبًا لأسرة الفقيدة، لتنفيذ عملية الدفن، وفقًا لتعليمات وزارة الصحة.
وصل عدوان الأهالي تجاه جثمان الطبيبة المتوفية، وأسرتها، إلى تكسير زجاج سيارة الإسعاف، والتعدي على شباب من أسرتها، بحسب شهود عيان، حيث تعرض بعضهم لتقطيع ملابسه من شدة التدافع، بالرغم من محاولاتهم للحديث معهم بهدوء، ولم يتم الدفن إلا بعد تدخل الشرطة، التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع.
أقاويل كثيرة ترددت عما حدث في الساعات الخمس القاسية التي واجهتها الأسرة قبل دفن فقيدتهم، حيث نشرت بعض المواقع الإلكترونية أنهم اتجهوا بها إلى مسقط رأسها قرية ميت العامل المجاورة لشبرا البهو، إلا أن زوجها وابنها نفوا ذلك في مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد موسى، في برنامجه “على مسؤوليتي” المذاع على “صدى البلد”، كما نفاه أهل القرية أنفسهم، بالتعليق على الأنباء التي تدعي ذلك.
من الأقاويل التي ترددت أيضًا هو أن الطبيبة المتوفية، أصيبت أثناء علاجها لحالات مصابة بفيروس كورونا، وهو ما يتوافق بما صرح به النائب السيد حجازي، عضو مجلس النواب عن دائرة مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، لـ”اليوم السابع”، إنها توفيت وهي تؤدي واجبها الوطني، وهو ما نفاه مصدر مطلع لـ”إعلام دوت كوم”، حيث أكد أنها لم تكن من الأطباء المعالجين لحالات مصابة بكورونا أبدًا.
نرشح لك: بسبب رفض الأهالي.. الشرطة تتدخل لدفن طبيبة في قرية “شبرا البهو”
وعن سبب تجمهر الأهالي، قال شهود عيان، إن أغلبهم شباب من سن صغير، ونساء خائفات على أبنائهن من العدوى، حيث ادّعى المنادون في مكبرات صوت المساجد أن البلد ستتحول إلى حجر صحي، ما أثار الرعب في نفوس أبناء شبرا البهو، أما وزارة الداخلية، في بيانها الصادر مساء السبت، قالت إنه تم القبض على 23 فردًا من المحرضين على الواقعة، وأكد البيان أنهم لجان تابعة لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة.
الكثير من الجهات المعنية في الدولة أيضًا، تابعت الواقعة وأصدرت بيانات تتعلق بما حدث، أبرزها النيابة العامة التي نشرت بيانا عبر صفحتها الرسمية على “فيس بوك”، أكدت فيه أن النائب العام أصدر أمرًا بالتحقيق العاجل في الواقعة.
دار الإفتاء المصرية، أصدرت بيانًا مفصلًا تستنكر فيه ما حدث مؤخرًا من حوادث اعتراض مشيعي جثمان ذويهم من مرضى فيروس كورونا، مؤكدة على أنهم في عداد الشهداء، مشيرة إلى أنه ليس لأحد الحق في منع آخر من الدفن.
وكيل مجلس النواب السيد الشريف، أكد في مداخلة مع الإعلامي أحمد موسى، أن أبناء القرية اعتذروا لأسرة الطبيبة المتوفية، بعدما تفهموا فداحة خطئهم، ومن جانبه صرح الدكتور أيمن مختار محافظ الدقهلية، أنه أصدر قرارًا بإطلاق اسمها على إحدى المدارس الابتدائية بالقرية تكريمًا لها.
12 مارس.. بداية الأيام الصعبة
عن ملابسات العدوى، أكدت الدكتورة داليا الإتربي، رئيس قسم مكافحة العدوى في مستشفى الباطنة التخصصي، لـ”إعلام دوت كوم”، أن كل ما تم تداوله عن إصابة الطبيبة سونيا عبد العظيم بالعدوى أثناء إشرافها على علاج المصابين بالفيروس خاطئ، حيث تم اكتشاف الإصابة أثناء تلقيها العلاج في إحدى المستشفيات الخاصة، يوم 12 مارس، حيث دخلت لإجراء عملية جراحية إثر شكواها من مشكلة في الأوعية الدموية.
فيما قال مصدر على صلة بالأسرة، لـ”إعلام دوت كوم”، إن المتوفية، كانت وشقيقتها في زيارة للاطمئنان على ابنة خالتهما، بالإسماعيلية، حيث كانت مريضة، وبعد عودتها بدأت الأعراض في الظهور، قبل إجرائها العملية الجراحية في المستشفى، وبعدما علموا بإصابة قريبتهم، أجروا تحليل كورونا، فكانت النتيجة إيجابية.
مصدر طبي مطلع على الحالة، فضل عدم ذكر اسمه، أوضح أن مصدر الإصابة بالفيروس، لا يمكن التأكد منه، حيث إنه يمكن استنتاجه، من تاريخ اختلاط الحالة، وعن عدوى الطبيبة سونيا، قال إنه أثناء تواجدها في المستشفى لتلقي العلاج، حضرت ابنتها من الخارج للاطمئنان عليها، وقد تأكد إصابة الابنة بالفيروس بعد ظهور العلامات على والدتها.
نرشح لك: عمدة شبرا البهوا: مثيرو الشغب هددوا بإحراق المقابر
وعن انتقال العدوى من جسد الميت، أكدت أن لا دلائل علمية على ذلك، والأرجح أن الفيروس يموت مع صاحبه، كما أن الطب الوقائي المسؤول عن دفن الحالات وتغسيلها يتبع إرشادات عالمية لتفادي أي احتمالية للعدوى.
لفت المصدر إلى أن الكثير من المرضى تعرضوا لضغط نفسي شديد بسبب ردود أفعال المحيطين بهم بعد تأكد إصابتهم بكورونا، مطالبًا بضرورة الوعي والترشيد بأن كل من يخرج من مستشفى العزل، يكون قد شفي تمامًا ولا خطر منه، بل الخطر عليه من تكرار العدوى إذا ما خالط أحد المصابين مرة أخرى، وعن أسرة الطبيبة المتوفية قال المصدر: “عانوا الكثير منذ تأكد الإصابة بتاريخ 12 مارس، وجاء الوقت للسكوت عن الحالة وعدم الخوض مرة أخرى في أية تفاصيل، فمن حقهم أن يرتاحوا.. يكفيهم ما تعرضوا له؛ خاصة موقف اعتراض موكب دفن والدتهم”.
من جانبه، نفى نجل المتوفية رواية إصابة والدته بعدوى كورونا من ابنتها العائدة من الخارج، دون بيان مصدر العدوى، حيث قال الدكتور أحمد الهنداوي نجل الطبيبة سونيا، إن والدته كانت تعاني من مرض السكري، وذهبت إلى المستشفى لإجراء عملية غرغرينة في قدمها، وتدهورت حالتها ليتم احتجازها في العناية المركزة، وبعدها انتقلت إلى مستشفى الصدر، وتم أخذ مسحة طبية للتأكد من إصابتها بكورونا، وجاءت سلبية.