تتسبب بعض السياسات التي تفرضها الدول الغنية لمكافحة فيروس كورونا في نتائج عكسية، إذا طبقت بحذافيرها في الدول التي يعد أغلبيتها من ذوي الدخل المنخفض، الأمر الذي قد يعرض حياة أشخاص للخطر بدلاً من أن يساهم في إنقاذهم.
في رد فعل شائع على تفشي الوباء كورونا، تبنت دول العالم مستويات مختلفة من التباعد الاجتماعي، بما في ذلك الصين ودول أوروبا ومعظم الولايات المتحدة، وذكرت دراسة نشرتها مجلة فورين بوليسي أن مئات الملايين وافقوا على توقف شبه تام لأنشطة حياتهم استسلامًا للأمر الواقع علاوة على خسائر اقتصادية فادحة عملاً بالرأي القائل إن إبطاء انتشار فيروس كورونا يمكن أن يجنب أنظمة الرعاية الصحية الكثير من الضغوط ويمنعها من الانهيار في الدول الأشد فقرًا.
أوضحت المنحنيات البيانية لنماذج انتشار الوباء أن عدم التدخل في الدول الغنية سيسفر عن أعداد تتراوح بين مئات الآلاف إلى ملايين الوفيات، وهي نتيجة أسوأ بكثير من أي آثار لأعمق ركود اقتصادي يمكن تخيله. وبعبارة أخرى، فإن التدخلات بفرض الابتعاد الاجتماعي والعزل الذاتي على الرغم من التكلفة الاقتصادية المرتبطة بالعزل لها ما يبررها في المجتمعات ذات الدخل المرتفع.
ولكن المنطق الذي تأسست عليه هذه الاستجابة قائم على خصائص المجتمعات الصناعية الغنية نسبيًا. أما الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، مثل بنجلاديش ونيجيريا، فتثار فيها أسئلة مختلفة، من بينها: هل فوائد الإغلاق الإلزامي على مستوى الدولة تفوق تكلفة هذا القرار في الدول الفقيرة؟.
يكتسب السؤال وجاهته لعدة أسباب على رأسها التكوين السكاني الديموغرافي ومصادر الرزق وقدرة المؤسسات القائمة في الدول الفقيرة، هذه الأسباب مجتمعة تشير إلى أن الإجابة قد تكون مختلفة عن أي إجابة في الولايات المتحدة أو أوروبا.
من المتوقع أن يؤدي فرض حظر التجول والإغلاق الإلزامي في الدول الفقيرة إلى عدد مماثل من الوفيات بسبب نقص الغذاء والأمراض الأخرى التي لها علاج معروف، حيث يعتمد الناس غالبًا على اليد العاملة اليومية لكسب ما يسد رمقهم.
هذا ما يجعل التفكير في التأثير المحتمل للوباء على البلدان المختلفة أولوية، أشارت المصادر الطبية إلى أن الشباب ليسوا آمنين بنسبة 100%، ومع ذلك يصيب فيروس كورونا كبار السن بأعراض شديدة، حيث يقدر معدل الوفيات بنحو 6.4 في المائة في الأشخاص فوق سن 60، ويزيد إلى 13.4 في المائة للأشخاص فوق سن 80.
ووفقاً لبيانات البنك الدولي، فإن الدول ذات الدخل المنخفض (التي يقل بها نصيب الفرد من الدخل عن 1000 دولار في السنة) لديها نسب أقل ممن تزيد أعمارهم عن 65 (3 في المائة) عن الدول الغنية ذات الخصوبة المنخفضة (17.4 في المائة).
ونتيجة لذلك، يقدر نموذج تأثير الوباء الذي أعده فريق استجابة COVID-19 لدى كلية Imperial College اللندنية أن انتشار فيروس كورونا سيتسبب في وفاة 0.39 في المائة من سكان بنجلاديش و0.21 في المائة من سكان دول أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى؛ وهو أقل من نصف معدل الوفيات البالغ 0.8 في المائة حسب تقديرات الولايات المتحدة وسائر بلدان منظمة التعاون الاقتصادي.
يفسر هذا النموذج التركيبة السكانية الخاصة بكل بلد، والاختلافات في قدرة قطاع الرعاية الصحية، ومعدلات الإصابة، كما أنه يسجل ارتفاع معدل الوفيات في الدول الغنية على الرغم من الجودة الرديئة نسبيًا للأنظمة الصحية في الدول الفقيرة، ومع ذلك، لا يراعي النموذج ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة وحالات الجهاز التنفسي والتلوث وسوء التغذية في الدول منخفضة الدخل، مما قد يزيد من معدلات الوفيات من تفشي فيروس كورونا.
من المتوقع أن تقلل سياسة التباعد الاجتماعي الفعالة بنفس القدر من الوفيات بسبب فيروس كورونا بمقدار 1.3 مليون شخص في الولايات المتحدة و426 ألف في ألمانيا، ولكن نفس السياسات يمكنها إنقاذ 182ألف شخص فقط في باكستان و102ألف فقط في نيجيريا.
سيدو أن المصالح بعيدة المدى حسب تقديرات الولايات المتحدة وأوروبا الغربية لا تتيح مجالًا للنقاش حول قيمة الصحة العامة لعمليات الإغلاق الواسعة النطاق وأوامر الإقامة في المنزل في المناطق الفقيرة من العالم.
وترجح الدراسة أن الصورة الكمية أقل وضوحًا في الدول منخفضة أو متوسطة الدخل. يريد هؤلاء المواطنون أيضًا أن يكونوا آمنين من المرض، لكنهم لا يريدون أن يتحولوا إلى عاطلين عن العمل، أو يزدادوا فقرًا وجوعًا.
يقلل الابتعاد الاجتماعي من مخاطر الوباء عن طريق الحد من فرص العدوى ولكن بتبعات اقتصادية قد تكون مؤلمة، ووفقًا لأبحاث مجلة فورين بوليسي الأخيرة، فإن الفقراء بشكل طبيعي أقل رغبة في تقديم تضحيات اقتصادية كبيرة، فهم، في الواقع، يضعون قيمة أكبر نسبيًا لمخاوفهم المعيشية مقارنةً بالمخاوف من الإصابة بفيروس كورونا، حين يضعوا في حساباتهم منع التباعد الاجتماعي للفقراء من العمل وكسب العيش خاصة إذا كان عملاً لا يمكن أداؤه من المنزل أو في حالة عدم انتماء العمالة للقطاع الحكومي الرسمي وإنما يعتمدون على أجر نقدي يومي بدون مظلة تأمينات اجتماعية، في هذه الحالة على المدى القصير، سيجنبهم التباعد الاجتماعي الإصابة في حين يمنعهم من العمل والحصول على دخل؛ ولكن على المدى الطويل، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الجوع وسوء التغذية ومشاكل صحية أخرى، قد تؤدي أيضًا إلى الوفاة، ولكنها غير متعلقة بفيروس كورونا.
هذه المخاوف لم تعد افتراضية، وبدأت فورين بوليسي بالفعل في جمع بيانات منهجية الأسبوع الماضي من عينات تمثيلية للأفراد في ريف بنجلاديش ونيبال عن طريق إجراء الآلاف من المقابلات الهاتفية المنظمة، وتوجد مؤشرات على أن انعدام الأمن الغذائي والبطالة – وليس الصحة والسلامة – هم الآن أكبر مخاوف الفقراء الذين يعيشون في فقر مدقع في المناطق الريفية.
وتوصل البحث إلى أنه بعد فرض حظر التجول في نيبال، انخفضت ساعات العمل في المناطق الريفية بنسبة 50 في المائة ليصبح أدنى من العدد المحدود لساعات العمل التي تمكن السكان من كسب الدخل خلال موسم الجفاف أو ما يسمى موسم الجوع في دورة المحاصيل الزراعية.
نرشح لك: بسبب كورونا.. عمرو الليثي يقدم “خط الخير” على راديو مصر