نقلًا عن جريدة المقال
لا يمكن اعتبار عروض أبناء المخرج خالد جلال “حكومية” بالمعنى المتعارف عليه، جلال نجح في انشاء نظام خاص به للإنتاج والإبداع والتسويق من داخل النظام الحكومي القاتل لكل ما سبق، على خط مواز نجح أبطال مسرحية ” 1980 وأنت طالع” في تأكيد قدرة الفرق المستقلة على جذب الجماهير الكبيرة لأطول فترة ممكنة، غابت عنهم إمكانات الدولة نعم، لكنهم تعافوا من عراقيل موظفيها الذين حيدهم خالد جلال في تجربته، لكن قبل أن تغلق ملف مسرح الدولة للأبد، وتتأكد أن نجاح عروضه هو الإستثناء خصوصا لو أن على خشبة المسرح نجم يأتي له الناس كما نتوقع لعرض يحيي الفخراني المقبل “ليلة من ألف ليلة وليلة” على المسرح القومي”، قبل أن تفقد الأمل تماما، إذهب فورا إلى قاعة “صلاح عبد الصبور” بمسرح الطليعة التي تتسع لأقل من 100 شخص لكن يدخلها يوميا عدد أكبر من ذلك بكثير لمشاهدة عرض “روح” أو soul bar للمخرج باسم قناوي، عن مسرحية نص “الوردة والتاج” للكاتب الإنجليزي “جي. بي. بريستلي” والدراماتورج لياسر أبو العينين.
المسرحية التي لا تزيد مدتها عن 70 دقيقة تدور بالكامل داخل “بار” وباللغة العربية الفصحى حيث كل رواد البار يشعرون باليأس من الحياة ويتمنون التخلص من أرواحهم لو واتتهم الشجاعة، هكذا يتكلمون خلال النصف الأول من العرض تقريبا، حتى يدخل في النصف الثاني الشاب الوحيد المفعم بالأمل والذي يعيش الحياة كما هي، لكن زيارة “ملك الموت” تغير كل القواعد وتظهر حقيقة كل الأشخاص، يؤكد “ملك الموت” لرواد البار أنهم جاء لاصطحاب أحدهم للعالم الأخر، ويطلب منهم أن يفكروا ويقرروا من سيذهب معه ليحدث الانقلاب المتوقع في كل شئ، السباك اليائس تماما يتراجع، المطربة التي تعاني المرض والتجاهل تقول أنها ستغنى للسعادة لا للتعاسة، الموظف البسيط الرافض للإنجاب خوفا من قسوة العالم سيعلن حبه للأبوة، والسيدة العجوز التي مات كل ذويها ترى أن لازال لديها في الحياة فرصة، الكل سيتصارع من أجل البقاء ويأت الإختيار في النهاية مفاجئا للجميع.
يحدث هذا كله باللغة العربية الفصحى ومن خلال ممثلين يجلسون على بعد سنتيمترات من الجمهور، لكن الضحكات المنطلقة من قلوب حزينة وأوراح بائسة لا تتوقف، ضحكات تدعو للتأمل في حياة الأبطال وفي حياتنا نحن أيضا، العمل رغم أنه ليس مصريا بالأساس لكنه مكتوب للمصريين في هذه المرحلة، كلنا بلا استثناء الرافضين لما يحدث حولنا، من نعلن السخط الدائم على الأحوال، التفكير في الهرب من الوضع القائم، كلنا نحتاج ربما لنفس الخيار العصيب الذي وقع فيه أبطال المسرحية، الخيار الذي كشفهم أمام أنفسهم وأجبر المتفرجين على التفكير في المثل، أداء رفيع المستوى من جميع الممثلين، ياسر عزت، لبني ونس، فاطمة محمد علي، سماح سليم، والشباب الثلاثة الذين يظلمهم منتجو الدراما بعدم الالتفات لهم محمد يوسف، فتحي سالم، أحمد الرافعي، “روح” مسرحية قابلة للاستمرار لعام كامل على مسرح الطليعة، فقط لو نجح القائمون على مسرح الدولة في اعطاءها ما تحتاج من الدعاية والإمكانات .