"السيمفونية الخامسة".. عزف منفرد على ضربات القدر

مرفت عمر

ألقت أزمات الاحتلال الإسباني لشمال المغرب في ثلاثينات القرن الماضي بظلالها على شخصيات رواية “السيمفونية الخامسة”، للكاتب المغربي “محمد اليونسي”، إذ أن أحداثها ترصد حقبة هامة من تاريخ المغرب كان لها عظيم الأثر على شعبها.

جعلت الرواية شخوصها محركين للأحداث سلبا أو إيجابا ومتأثرين كليا أو جزئيا، رصدت عين الكاتب أمراضا جسدية ونفسية دمرت العلاقات الأسرية، رصدت أيضا حالة الإفقار والجهل والأوبئة، فعلى خلفية حقبة زمنية عاشها المغاربة تحت هيمنة إسبانيا عانوا خلالها من الاضطهاد والقمع وضيق الحال، خرج عليهم ثوار من بين المدنيين دافعوا عن أراضيهم التي سُلبت ونُهبت خيراتها، وهو ما جعلهم الأكثر عرضة للإصابة والاعتقال وضيق الحال، كما تم استقطاب ضعاف النفوس واللاهثين وراء لقمة العيش لخيانة جماعاتهم.

فها هي الفتاة الإسبانية “ماريا” تدفع ثمنا باهظا جراء إنسانيتها ورفضها إزهاق أرواح الأبرياء، يعاقبها والدها الضابط في جيش الاحتلال الأسباني بالحبس في قبو بيته ثم يجبرها على الرهبنة، كما تجبر الريفية “توضا” على قبول الزواج من “حدو” شقيق زوجها امتثالا لعادات مجتمعية، سلكت كل السبل لعلاج زوجها الذي تأبى أن تكن لغيره إذا فارقها، مورست عليها كل الضغوط وكان صمودها مرهونا بمؤازرة زوج لا يجرؤ على مخالفة أعراف جماعته ولا أمل في شفائه، وها هن الراهبات اللاتي يجبرن على الانصياع لأوامر قوات الاحتلال والقساوسة ورغباتهم دون اعتبار لرسالتهن الدينية، أيضا الطفلة “ماكيتا” التي تعاني سوء معاملة والدها “بوزيان” لها منذ ولادتها لرفضه أن لا يكون لديه ابن يعوله في كبره، وجاء مرضها مع ضيق العيش ليجعلا من عمله مع الاحتلال ملاذا أخيرا وعوضا عن صناعة “قفف الدوم” التي لا تكفي حاجتهما، كان مجندا من قبل الكنيسة لإفشاء تحركات قومه..

راعى الكاتب في سرده للتفاصيل تسليط الضوء على حياة كانت قبل الاحتلال وأخرى يتجرع مرارتها أبطال روايته، أبجديات فقدت ولا مجال للبحث عنها بينما حافظت الأعراف على بقائها مهما كانت مجحفة، رمزيات تبعث رسائل دون الحاجة لحوار، الأمل الذي يولد من جملة حوارية أو رسالة مكتوبة ليبدد ظلام شهور أو سنوات، النماذج الايجابية والسلبية في ذات المنظومة وآلية تعايشهما، البطولات الزائفة التي تصنع أمجادا يخلدها التاريخ، وأماكن العبادة التي فقدت قدسيتها بعد أن أحكم الاحتلال قبضته عليها، الحب الذي بقدر ما يمنح المرأة من قوة قد يكون الدافع الأساسي للقهر.

“السيمفونية الخامسة” عنوان الرواية، هي واحدة من روائع الموسيقار العالمي لودينج فان بيتهوفن وحملت عنوان “ضربة القدر”، وكانت “ماريا” الفتاة ذات السبعة عشر عاما دائمة العزف على البيانو، عقاب والدها لها كان حرمانها منه، وإذا مررت أناملها عليه دبت فيها الحياة من جديد، “السيمفونية الخامسة” هي عزف منفرد على إيقاع ضربات القدر.

نرشح لك: يوسف زيدان.. قليل من التأثير كثير من الجدل