– أبويا مهندس محترم مش زيك يا صحفي ياللي كل ما تملكه هو ورقة وقلم.
– أنا محدش صنعني، لا صحيفة ولا صحفيين، أنا تعبي ومجهودي وشقايا هما اللي صنعوني.
– مفيش صحفي يمحو فنان لأن أكل عيش الصحفي هو الفنان.
– الفنان فنه أهم من صحفي بيكتب سطرين على ورق بيتلّف بيه سندوتشات بعد كده.
– علشان تتفرج وتقول رأيك كناقد ده زيك زي اللي بياكل ويقول رأيه.
في الساعات الأخيرة من ليلة أمس، فوجئ الجميع بهجوم وشتائم من فنان لا داعي لذكر اسمه لصحيفة مرموقة وناقد فني شهير، لن ندخل في تفاصيل الخلاف بينهم، فلهم الرد على بعضهم البعض كيفما شاءوا، لكن اللافت هنا كانت هذه العبارات التي قالها الفنان نصًا عن الصحفيين والنقّاد الفنيين.
نرشح لك: الإفتاء: الدعوات التي يطلقها البعض للتجمع غير جائزة شرعًا
موقف الفنان المشار إليه من الصحافة ليس بجديد، فمعروف عنه في الوسط أنه لا يقبل أي أخبار “مش على هواه” و”عايش دور النجم”، إن جاز التعبير، لكن أن يصرّح علنا بهذه العبارات ويتهم الصحفيين بأنهم لا شيء، وأن ما يفعلونه مجرد “كتابة سطرين في ورق بيتلّف بيه السندوتشات”، فهذا لا ينم على ضغينة تجاه المهنة بقدر ما ينم عن جهل أعمى.
الصحفي الذي يسخر منه الفنان بأنه لا يملك سوى ورقة وقلم، هو في الحقيقة يملك أشرف وأعظم سلاح يمكن الدفاع عن الحق والعدل به، وشرف أي مهنة لا يتأثر بوجود خلل لدى بعض ممتهنيها، مثلما لا تتأثر قيمة الفن بوجود أشباه فنانين لا يملكون موهبة ولا علما ولا أدبا ولا ثقافة، لكن ابتلينا بهم ولا مفر من انتظار الزمن كي يدفن سيرتهم، ولا يبقى سوى سيرة الموهوبين حقّا.
لكن تقودنا هذه الواقعة إلى معضلة حقيقية أوجدها التافهون من كلا الفريقين؛ فريق من الفنانين معروف لدينا في الوسط أنهم يكرهون الصحافة، ويتعاملون بغلظة وإهانة مع أي صحفي، ويرون دوما أن الصحفي “أكل عيشه الفنان فهيجري وراه طول الوقت”، مثلما قال شبه الفنان السابق ذكره، وبالتالي لا غرابة في أن نجد مثلا فنانة تسب العمالة اليومية بطريقة مبتذلة، وعندما توجه لها الانتقادات، تلقي باللوم على الصحفي الذي كتب الخبر من حسابها الشخصي، وكأنها لا تدري أنه في الفضاء الإلكتروني لا يوجد شيء اسمه خصوصية، وأن ما نقله الصحفي كان سينقله شخص عادي وينتقدها أيضا، وكان من باب أولى أن تضبط تعبيراتها وتحترم صعوبات الحياة التي يمر بها هؤلاء العمال، بدلا من أن تلقي باللوم على الصحافة.
أما الفريق الثاني، فيتكوّن من مجموعة صحفيين للأسف يتذللون للنجوم، لكي يحصلوا منهم على تصريحات، فمهدوا الطريق للجهلاء من الفنانين بأن يعتقدوا أن الفنان أهم من الصحفي، وآخرون لا ينفكون عن فبركة الأخبار وإلقاء التهم بلا دليل على الجميع، وهم أيضا معروفون في الوسط.
وبين هذا وذاك يوجد أغلبية من الفنانين المحترمين، والصحفيين الشرفاء، الذين يعطون لكل شيء قدره، ويحترمون أنفسهم قبل الأخرين، فيخرج من بين أيديهم جمهور يحترم الفن ويحترم نقد الفن ويحترم الحرية في التعبير، والحرية في الاختلاف، والحرية في الإبداع، وليس جمهورا جاهلا متعصبا يظن نفسه أحسن الناس وهو أسوأهم!
في النهاية، كل فنان له نصيب من السمعة الطيبة والثبات والثقة المتبادلة، سواء مع الجمهور أو الصحافة، حسب أسلوبه وأخلاقه وموهبته وما تسعه نفسه من الاختلاف معه، لذلك ربما مع انتشار أشباه النجوم في كل المجالات، يظن البعض أن وجود مكاسب “لحظية” في المسار الخاطئ ستجعله صحيحا يوما ما، لكن في الواقع لن يحدث ذلك، لأن “شبه الإنسان” لن يكون محترما أو محبوبا حتى لو حمل لقب “نجم النجوم”… أو “الفنان الشهيد”.