“أورسولا كوربيرو“الممثلة الأسبانية، التي عرفها الجمهور العربي في دورها الأشهر “طوكيو”، في المسلسل الأسباني الأعلى مشاهدة على شبكة نتفليكس / Money heist/ la casa de papel (لا كاسا دي بابيل)، لم تكن البطلة الأولى للمسلسل ، صحيح أنها واحدة من الشخصيات الثمانية الرئيسية في المسلسل، وأن أول مشاهده بدأت بها؛ لكنها ليست ضمن ثنائية البروفيسور/المحققة؛ وبرغم ذلك استطاعت أن تصعد بسرعة الصاروخ في سباق شعبية أبطال المسلسل الذي حظي بمتابعة استثنائية من كل الفئات العمرية لمشاهدي نتفليكس.
شعبية طوكيو صاحبة الشخصية المندفعة والمتهورة، جذبت بشدة جمهور المراهقات اللائي أصبحن يقلدن تصفيفة شعرها، وصار وصف ” بقيتي شبه طوكيو” عبارة مديح بين جيل المراهقات، وهو أمر قد يُسعد صُناع المسلسل، لكنه بالتأكيد يبعث على القلق أو على الأقل يدفع إلى كثير من التفكير، حول كون شخصية شديدة الاستهتار نموذجاً تحاول الصغيرات الاقتداء به.
يختار صُناع المسلسل أن تبدأ اللقطة الأولى بوجه طوكيو، ما يترك انطباعاً طوال الوقت بأن الحكاية تخصها، خاصةً..مع مشهدها وهي تتصل بأمها التي تتمنى أن تراها لكنها تكتشف أن ذلك سيضعها في قبضة الشرطة، فيخلق ذلك تعاطفاً معها، باعتبارها الصغيرة الخائفة التي ترغب في اللجوء لحضن أمها لكنها لن تستطيع، وبرغم شخصية طوكيو المتهورة والاستقلالية طوال حلقات المسلسل بأجزاءه الأربعة حتى الآن إلا أن علاقتها بزعيم العصابة/ البروفيسور، تجعلها تبدو دوماً كطفلة ترغب في الاحتماء بشخصية قيادية تمنحها الدفء الذي لاتلبث أن تنفضه مراراً، رغبةً منها في أن تبدو شديدة الاستقلالية، وأن تكون حرةً بشكل مطلق.
نرشح لك: فاطمة خير تكتب: ألينور..فرصة ثانية للنجاة في العالم الآخر فهل تنجح؟ نساء نتفليكس(2)
هذهِ الطفلة التي تحب أن تكون مدللةً عن رفاقها، هي ذاتها شخصية يبدو وكأنها توقفت عند مرحلة المراهقة بتقلباتها المزاجية، واندفاعاتها، وقراراتها المفاجئة، وتمردها على القوانين، وجموحها نحو المجهول.
لكنها هي أيضاً المرأة التي استطاعت أن تحتوي شاباً أصغر منها في السن ليصبح حبيبها (ريو)، لتثبت نفسها كامرأة مكتملة الحضور الأنثوي، تمارس الحب لأبعد حدوده، وتباغتها تقلباته في أي وقت حتى لو كان لحظةً فارقة في عملية سطو دموية، لكنها حتى في هذا تحب نفسها واستقلاليتها وتحترم مزاجيتها أكثر من وجود الحبيب، الذي تترك الجنة معه لتنطلق مرةً أُخرى إلى المجهول الذي تنتمي إليه أكثر من انتمائها إلى قصة حب مع رجل يعشقها بجنون، وتحبه هي بصدق لدرجة أنها تورط زملائها من جديد في عملية جديدة لإنقاذه من ورطة كانت هي سبباً فيها، لكنها لاتتردد عن أن تخوض غمخار المواجهة من جديد وبالقدرة نفسها على الصِدام، كي تنقذ حبيبها، وذلك بعد أن تستطيع إقناع الرفاق القدامى بالتنازل عن الاستقرار والأمان عقب فشل الشرطة الأسبانية في التوصل إليهم، فقد استطاع البروفيسور تخطيط وتنفيذ خطة هروب واختباء عبقرية..كعادته.
طوكيو..أو أورسولا، أصبحت بين يومٍ وليلة أيقونة تمرد لدى الفتيات والشابات في حيز جغرافي “محافظ”: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهل يعني هذا أنها طموحهن المختبئ؟ أم أن الممثلة الموهوبة استطاعت تجسيد الشخصية المكتوبة بعناية ومنسوجة بتماسك كأفضل ما تستطيع ممثلة، فجعلتها حيةً للغاية؟ وأعتقد أنه مما ساعدها هو ملامحها التي تصلح لأن تكون غربيةً وشرقية في الوقت نفسه، مراهقةً وشابة وامرأة ناضجة..حين تحب،و في الأغلب أنها حازت مساحة الشعبية لديهن للسببين.
أما شعبية طوكيو لدى الشباب، فأعتقد بشدة أنها أيضاً بسبب حلمهن بفتاة تمتلك جرأتها، وقوة شخصيتها، واندفاعها في الحب دون تفكير، لكن طبعا..على الشاشة، كعادة الشباب الشرقي على الأغلب. فهل يتحمل الرجل الشرقي امرأة بهذهِ الرغبة في الاستقلال؟ والاندفاع بلا نهاية؟ صعب.
طوكيو إذن هي حلم مشترك، بين رغبة الشابة الشرقية في التحرر من القيود التقليدية، والاختيار في الحب كيفما تريد، وبين رغبة الشاب الشرقي في امرأة تحبه بكل ما أوتيت من قوة وأنوثة، لكنها بالتأكيد هي أيضاً نموذج يجسد رغبة جيل كامل في الذهاب إلى حيث يجد اليقين، اليقين الذي ضاع منه فلا ظل اقتناع بما ورثوه عن سابقيهم، ولا مرشدين يدلونهم إلى طرق تقود إلى المستقبل، هو جيل تائه لقيط تماماً مثل طوكيو، المندفعة لكنها في حقيقة الأمر هي تائهة إلى أقصى حد، لكن أيضاً..ذلك لايمنع أنها ستقتنص الفرصة حين تراها مواتية لتتبوأ منصب القيادة، حتى ولو رآها الآخرون غير صالحة لذلك، لكنها لاتكترث كالعادة..وتقتنص ما ترى نفسها صالحةً له..فهي على الأقل تمتلك القدرة على المبادرة والإمساك بزمام الأمور حين يسوء الوضع، كما أنها لاتتخلى عن أصدقائها مهما حدث.
نرشح لك: فاطمة خير تكتب: راكيل.. المرأة تختار الحب ولو كانت أشهر المفاوضين.. نساء نتفليكس (1)