نور الهدى فؤاد
أثرت تداعيات انتشار وباء فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، بكافة قطاعاته خاصة قطاع النشر وسوق الكتب الذي يعتمد بشكل أساسي على معارض الكتب المحلية والدولية مع البيع المباشر بالمكتبات، وهو ما يتعارض مع مبدأ التباعد الاجتماعي الذي من شأنه تقليص انتشار المرض.
نداءات عدة من أصحاب دور النشر الكبرى حول العالم للحكومات، للحد من هذه الآثار ومحاولة دعم واحدة من أهم الصناعات في العالم، وتساؤلات أصبحت مطروحة حول مستقبل النشر والكتابة عالميا، وفي هذا التقرير تواصل “إعلام دوت كوم” مع العديد من أصحاب دور النشر والمكتبات المصرية، للوقوف على أبعاد تلك الأزمة، ومدى وجود سبل للخروج من هذه الأزمة، وهل سيؤثر ذلك على خريطة النشر بمصر وحقوق المؤلفين؟ خاصة مع الركود الذي يواجه بيع الكتب كلام شهر رمضان.
بداية يرى الناشر سعيد عبده رئيس اتحاد الناشرين المصريين، أن تداعيات أزمة كورونا الثقافية كبيرة وتسببت في شبه إغلاق كامل لكل روافد الثقافة في مصر وتهدد عدد كبير من دور النشر بالإغلاق النهائي لعدم استطاعتهم تغطية رواتب العمالة ومتابعة العمل، إذ يقول: “الأمر يحتاج لتدخل عدة جهات لدعمنا، ولذلك أرسلت عدة خطابات لعدد من الوزراء والمسؤلين، من بينهم وزير المالية ووزير التجارة والصناعة للمساهمة في تخفيض وتقسيط ضرائب دور النشر عن العام 2019 – 2020 وتسهيل سبل منح القروض خلال الأزمة ودعم مجلس تصدير الكتب”.
واستكمل: كما أرسلت طلبا للدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة لدعم الناشرين وخاصة الدور الصغيرة وهو ما استجابت له بالفعل وسيتم تطبيقه بداية من العام المالي الجديد، بالإضافة إلى إتاحة تداول وبيع الكتب على منصات وزارة الثقافة الإلكترونية دعما للناشرين واستفادة من نجاحها بعد طرح كتب مجانية منذ بداية الأزمة، وطالبت كبار الكتاب بالمشاركة من خلال رسائل أحثهم فيها على تبني تلك المشكلة الخطيرة التي تمسهم ككتاب بالكتابة والمناقشة”.
أهتمت بعض دور النشر بالحفاظ على التواصل مع الجمهور وجذب انتباهه من خلال أنشطة تفاعلية على مواقع التواصل الاجتماعي، تعويضا عن وقف المناقشات والأنشطة الثقافية، مثلما فعلت دار نهضة مصر إذ تقول كاملة سلام، مسؤول التسويق بالدار، إنهم نظموا ندوات بث مباشر عبر الفيس بوك مع إعلانات مسبقة لها، لعمل مناقشات أونلاين، والتي ظهر خلالها الكاتب والإعلامي الدكتور خالد حبيب والكاتبة الدكتورة ريم بسيوني والإعلامية نشوى الحوفي، لمناقشة أعمالهم والإجابة عن اسئلة الجمهور، هذا بالاضافة لمنصات البيع الأون لاين التي لها عندنا نظام مسبق وليس جديد.
نرشح لك: تأجيل الدورة الـ 30 لمعرض أبو ظبي للكتاب
كذلك محمد مفيد أحد مالكي دار دون للنشر والتوزيع، الذي يرى أن إغلاق المكتبات هو أكثر ما أضر بسوق النشر بالإضافة لإلغاء المعارض بداية بمعرض الإسكندرية للكتاب، مشيرا إلى أن إقامة ندوات اون لاين نشط التواصل مع الجمهور، بعض الشيء، حيث تستضيف الصفحة الرسمية للدار 3 كتاب في الأسبوع، لافتا إلى ان البيع الالكتروني ربما يشكل حلا لانتعاش سوق النشر لكنه يحتاج للمزيد من الثقة لدى الجمهور المصري مقارنة بالخليج التي يشكل فيها البيع بالماستر كارد عنصرا أساسيا.
وأضاف “مفيد” أن فترة شهر رمضان والأعياد ليست فترة عمل بالنسبة للنشر وهي فرصة لإعادة النظر في الوضع وتحليله حتى يستطيع كل ناشر استعادة نشاطه قدر المستطاع.
أما شريف بكر، صاحب دار العربي للنشر وعضو لجنة حرية الناشر في اتحاد الناشرين الدولي، فاعتبر تلك الأزمة بمثابة تغيير كبير في الاقتصاد العالمي ولاسيما صناعة النشر التي تحتاج لتخطيط جديد ودراسة أبعاد أزمة كورونا التي ستغير الكثير من مفاهيم التسويق وتخلق مجالات عمل ووظائف جديدة، كإدارة الأعمال من خلال الهاتف وتفعيل التخزين على الانترنت واختلاف وسائل التواصل بين الإدارة وموظفيها وعملائها ليصبح بشكل إلكتروني أكبر، مشيرا إلى أن علينا في مصر أن ندرس زيادة مبيعات النشر الإلكتروني بالخارج خلال الشهرين الماضيين، وكيف نواكب ذلك في أي أزمات مستقبلية.
تابع “بكر” أنهم في دار العربي محظوظين لأنهم اهتموا قبل أزمة كورونا بتواجدهم على منصات البيع الإلكتروني، في مصر وخارجها في الوقت الذي كان ينظر لنا البعض فيعتبرنا نهدر وقتنا في الكورسات ومتابعة تطور النشر الالكتروني، لافتا إلى أن الدار تعمل بكل طاقتها الآن من المنزل في حين توقف عدد من دور النشر عن العمل نهائيا، مؤكدا أن لديه 70 كتابا مترجما جاهزين للطرح، وأنه يدرس حاليا إمكانية نشر أعمال جديدة للجمهور الكترونيا للمرة الأولى. هذا بخلاف الخصم على الكتب الإلكترونية للدار الذي يصل إلى 45% منذ بداية الأزمة، ونشر فصول كاملة من الكتب جديدة مجانا، تعويضا عن فكرة تصفح الكتاب قبل شرائه.
نرشح لك: بسبب “كورونا”.. تأجيل معرض بغداد الدولي للكتاب
ويختلف رأي حسام حسين صاحب دار نون للنشر، إذ يرى ان الكتاب الالكتروني سيصعب معه حماية حقوق النشر والتأليف كما سيتسبب في تسريح وظائف كثيرة، مؤكدا على أهمية البيع اون لاين في ظل التباعد الاجتماعي، لافتا إلى أن إصدارات الدار متوفرة عبر مواقع التسوق والمواقع المتخصصة في بيع الكتب مع خصومات 20% وتوصيل مجاني لمن تتعدى مشترياته 200 جنيه.
ويوافقه محمد جميل صاحب دار كيان للنشر في أهمية الالتفات إلى التسويق الالكتروني لأنه مستقبل النشر، ولكنه سيظل عنصر جزئي، فمبيعاته لا تغطي أي التكلفة وخاصة مع اضافة مصاريف التسويق الالكتروني والاعلانات حتى وان وفرنا مصاريف الطباعة.
كذلك دار الرواق التي يقول عنها هاني عبد الله عضو مجلس إدارتها: “تنشط عمليات البيع اون لاين على المنصات الالكترونية كـ امازون وجوجل بوك، ولكن المشكلة في الجمهور الذي لا زال لا يعترف بالكتاب الالكتروني أو بشراء الكتب بتلك الطريقة، وربما يرجع الأمر إلى أن الكتاب لا يزال منتج ترفيهي وغير أساسي لدى الشريحة الأكبر، بدليل اختيارهم للكتب المزورة والمقرصنة للتوفير.
مضيفا: “أكاد أجزم أن معدل القراءة زاد خلال تلك الفترة ولكن لمعتادي القراءة والمثقفين بالأصل، لذلك من الصعب أن يغامر ناشر بالعمل في تلك الأجواء، مهما تداولنا الكتب اون لاين، لأن النشر بزنس بالمقام الأول يعتمد على عمالة ورواتب وحقوق مؤلف ويحتاج لمصاريف، بالإضافة لتفاقم مشكلة القرصنة الالكترونية على الكتب، حيث انتقل التزوير من الأرصفة إلى صفحات التواصل الاجتماعي التي تبيع كتبنا بأسعار زهيدة ومكسب مضاعف، والتي تروج لها على انها كتب هاي كوبي”.
نرشح لك: قائمة.. أبرز 10 روايات عن كواليس صاحبة الجلالة
اختارت دار ومكتبة آفاق التوقف عن العمل بشكل مؤقت، إذ يقول مديرها مصطفي الشيخ: “نعيش مرحلة صعبة، ما يجعل تحديد خطوات استباقية أمرا ليس بالسهل، لذلك أوقفنا العمل بشكل مؤقت، فحتى البيع أون لاين يعتمد على الاحتكاك المباشر بين المشتري وعامل التوصيل، ورغم ذلك نطرح الخدمة على الانترنت، كما أن المحتوى الإلكتروني متاح على بعض منصات الكتب، ولكنه لا يصلح أن يكون حلا ولا نتوقع زيادة إقبال الجمهور، ولا نتوقع أن تترك الدولة قضاياها الأخطر في هذا الوقت الحرج وتلتفت لنا، لذلك أنصح زملائي الناشرين أن نتحمل حتى بداية موسم الصيف.
وبالمثل دار المصرية اللبنانية إذ يقول موسى على مسؤول التوزيع بها: “العمل متوقف بشكل كبير وهناك الكثير من الدور التي أخفضت عمالتها وأغلقت أبوابها، فلم يعد ينزل للعمل لدينا إلا اثنين لتحضير طلبات التوصيل للمنازل، فالطلبات تأتينا من منصاتنا الالكترونية وجوميا وسوق وجماليون وغيرها من منصات الكتب، التي تعتبر بديلا قويا لكنه غير فعال جماهيريا، وبالتالي مردوده لا يكفي حتى مع تخفيضاتنا وتحمل تكاليف الشحن إذا تعدت المشتريات 150 جنيه.
أما دار ليان للنشر فيقول مالكها فتحي المزين أن العاملين بالنشر يحملون على عاتقهم دور مجتمعي وثقافي، وهو ما حرصنا عليه لدعم القراء وتحريضهم على المكوث في المنازل، بداية بلقاء مفتوح على صفحاتنا الرسمية يوميا في الثامنة مساء لتقديم ملخصات للكتب، بالإضافة لتوفير أي كتاب (بي دي اف) مجانا من خلال المراسلة على الصفحة او البريد الإلكتروني، كما ركزنا مؤخرا على التسويق الالكتروني وجذب أكبر عدد من الجمهور لمنصاتنا الإلكترونية.
نرشح لك: 100 كتاب ورواية يرشحها لك المثقفون للقراءة خلال حظر التجول