في رواية “وايلد” التي كتبتها الأمريكية “شيريل سترايد” نتعرف على قصتها الحقيقية في فترة من أصعب فترات حياتها، حين فقدت أمها بمرض السرطان، فأدمنت الجنس والمخدرات ووجدت نفسها ضائعة بكل ما تحمله الكلمة من معان، حتى قررت أن تجد نفسها من خلال القيام برحلة على الأقدام لنحو ثلاثة أشهر.
تذكرت “وايلد” حين قابلت “عماد”، أو عمدة كما يقول له أصدقاؤه المقربون، وهو شاب مصري عمره الآن 37 عامًا، وهو متزوج ولديه أربعة أبناء.
عماد من صعيد مصر، وجاء للقاهرة بعد أن انتهى من فترة الخدمة الإجبارية في الجيش المصري مباشرة، يقول إنه عمل في مصنع ملابس جاهزة، وأصبح يحصل على مبلغ يومي كبير حينها، كان ذلك حين كان الجنيه المصري لا زال بعافيته، قبل أن يتعرض لعملية تعويم تغير كل شيء في حياة المصريين من كل الفئات.
عرف عماد طريق الحشيش لأول مرة في هذه الفترة، وصدق أنه مزاج لا يسبب الإدمان، فبدأ يشتريه. وبعد عدة سنوات، أصبح مدمنًا وغير قادر على تركه، يتناوله بشكل يومي وحياته لا تمشي بشكل سليم إلا حين يقوم “بلف” عدة سجائر تحويه.
لم يدمن عماد السجائر فقط، أدمن كذلك الجنس، وبدأ يتعرف على فتيات عديدات وصار الجنس أحد أهم اهتماماته، لكن كل ذلك أثر على قدرته على العمل وأصبح يشعر بملل شديد من كل شيء في حياته، فترك عمله، وظل في المنزل ينفق من المبلغ الذي أدخره من عمله في مصنع الملابس.. حتى وجد نفسه دون أي أموال، حيث أنفقها كلها على النساء والحشيش.
قرر عماد في العام 2014 شراء توكتوك من مبلغ حصل عليه من والده، ويقول إنه في نفس الوقت اتخذ قرارًا بتغيير حياته تمامًا. أصبح يداوم على الصلاة وترك تمامًا الحشيش وابتعد عن النساء، لدرجة أنه غير رقم هاتفه حتى لا تتصل به واحدة من النساء اللاتي كان يعرفهن.
يعتبر عماد أن عمله كسائق توكتوك أقرب لرحلة طويلة لاكتشاف نفسه، من خلال التعرف على بشر آخرين ومواجهة الشارع المصري الذي لا يرحم على حد تعبيره.
ورغم أن العديد من سائقي التوكتوك يتعاطون الحشيش بحسب قوله، لكن هذا لم يجعله يضعف أبدًا، حيث توصل لحقيقة مهمة مفادها أن زوجته وأولاده أولى بكل قرش يكسبه من عمله كسائق توكتوك.
يقول عماد إنه نسي كل شيء عن مهنة صناعة الملابس الجاهزة؛ بسبب أن المهنة عبارة عن ممارسة، وهو لم يعد يمارسها منذ سنوات طويلة، لكنه يضيف أن المهنة السابقة علمته التعامل مع كل التفاصيل باهتمام، فصار يستمع لزبائنه باهتمام كبير خصوصًا لو قرر أحدهم أن يشكوا له من أعباء الحياة.
“أناس عديدة تتعامل مع سائق التوكتوك باعتباره طبيبًا نفسيًّا، يطرحون عليه حكاياتهم المختلفة، حتى يشعرون ببعض الراحة. ورغم إني شخصيًّا عندي مشكلات كثيرة، إلا أني أستمع للناس باهتمام، لأني أعرف جيدًا أن حديث أي شخص عن مشكلاته يجعله يشعر براحة نفسية، وفعلًا أكون سعيدًا حين أكون سببًا في راحة أي إنسان”.
وفق عماد، فإن مهنة التوكتوك علمته أن من يتعرف على هموم الناس تهون عليه همومه ويشعر أنها أقل بكثير من مشكلات غيره، وهو ما يجعله يحمد الله كثيرًا حين يتعرف على مشكلة أحد الأشخاص. على سبيل المثال، لا ينسى أبدًا السيدة التي ركبت معه في يوم ومعها طفل مريض بمرض نادر ويحتاج لأدوية بمبالغ كبيرة شهريًّا، وحكت له أن زوجها لم يتحمل ذلك، فقرر الهرب وتركها بمفردها لا تعرف كيف توفر للطفل علاجه.
“الحياة بها مشكلات كثيرة. وحين أتذكر الفترة التي كنت أنفق فيها أموالي على الحشيش والنساء، أشعر بندم شديد، ماذا لو كان توفاني الله وأنا أمارس الجنس مع سيدة، أو أتعاطى سيجارة من الحشيش، كيف كنت سأبرر لله سبحانه وتعالى ذلك؟ الحمد لله أنني أصبحت إنسانًا جديدًا”.
لدى عماد هاتف حديث يضعه أمامه على التوكتوك، ويقول إنه ليس للترفيه ولكنه للعمل، ويشرح أنه منضم لخدمة تُدعى “حالًا” وهو تطبيق تابع لإحدى الشركات يمكن للناس من خلاله طلب توكتوك، مضيفًا إلى أن الأمر يشبه كثيرًا تطبيقي أوبر وكريم، ويعتبر أن زبائن حالًا أفضل وأرقى بكثير من باقي الزبائن الذين يقابلهم في الشارع.
تعجبت حين أخبرني عماد أنه لا يوجد لديه أي أحلام، ويرى أن التوكتوك مهنة جيدة تجعله حر، وكل ما يتمناه فقط أن ينجح في تربية أبنائه تربية جيدة، تجعلهم قادرين على مواجهة الحياة في مصر. لم يخبر عماد زوجته أبدًا عن علاقاته الجنسية في الماضي، ويقول إنها تعرف فقط حكايته مع الحشيش، ويبرر ذلك بأن النساء لا تسامح أبدًا في الخيانة حتى لو تاب عنها الرجل، وهو لا يريد أن يدمر حياته خصوصًا وأن زوجته سيدة طيبة ومحترمة وتحبه فعلًا من قلبها، بحسب ما قاله لي.
يكتب عماد على خلفية مركبته كلمة واحدة، وهي “شطبنا” ويقول لي إن الناس كثيرًا ما تسأله عن معنى الكلمة، فيبتسم ولا يجيبهم، لكنه شرح لي أن هذه الكلمة تعني أنه انتهى من حياته القديمة كمدمن جنس وحشيش وأصبح إنسانًا جديدًا. “هي أكثر كلمة تعبر عني. وحين يعزم عليّ أحد الأشخاص بأحد السجائر الملفوفة، أقول له نفس الكلمة.. شطبنا. أما لو قابلت سيدة “شمال” (أي تطلب منه ممارسة الجنس)، فأقول لها نفس الكلمة”.
كان التوكتوك بالنسبة لعماد فرصة لإعادة اكتشاف نفسه، ومن خلاله أصبح أقوى وقادرًا على مواجهة كل التحديات في حياته.
سعدت جدًّا بأن عماد فتح لي قلبه وحكى لي كل شيء عن ماضيه، وتمنيت له من قلبي أن يوفقه الله في حياته الجديدة؛ فهو أثبت لي أن التغيير ممكن، وأن الإنسان مخلوق يمكن أن يتغير لو فعلًا قرر ذلك وعمل بجد على هذا الهدف.