إياد صالح
في عام 2005، وسط التحضيرات لمسلسلات رمضان، كان هناك حديث في أوساط العاملين بالمسلسلات عن اختيار مخرج سوري هو “هيثم حقي” لتقديم مسلسل “أحلام في البوابة” من تأليف الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة وبطولة النجمة سميرة أحمد، كان ظهور المخرج السوري في الدراما المصرية أمر ملفت للنظر خاصة مع ارتفاع الأصوات الصحفية التي تشيد بالدراما السورية وتفوقها في المسلسلات التاريخية، خاصة أنه في نفس العام “2005” قدم عملين بعنوان “الظاهر بيبرس” الأول كان سوريًا من بطولة عابد الفهد وإخراج محمد عزيزية، والثاني كان مصري من بطولة ياسر جلال وإخراج إبراهيم الشوادي، وكان الظاهر بيبرس المصري ضعيف فنيا بالمقارنة بالظاهر بيبرس السوري، وهو ما زاد من الحديث عن تفوق الدراما السورية، وتراجع الدراما المصرية.
لم يكن الأمر يعني الجمهور المصري، الذي كان ينتظر مسلسلات نجومه المحبوبين في رمضان، فلقد قدم في هذا العام مسلسلات مثل “المرسى والبحار” و”ريا وسكينة ” و”سارة” و”امرأة عادية”، وغيرها من الأعمال التي حققت نجاحًا كبيرًا يفوق نجاح “أحلام في البوابة” .
ولكن ما كان يحدث هو أن المنافسة بين المسلسلات المصرية والسورية كانت على السوق الخليجي، والذي كان بدأت قنواته في الإقبال على المسلسلات السورية وتحديدا التاريخية والتي كانت لغتها الفصحى وأحداثها الملحمية عنصرًا جاذبًا للقنوات والجمهور الخليجي، وهو ما جعل المنتج المصري، يشعر بالتهديد ويبدأ الحديث عن المستوى الفني والتقني للمسلسل المصري.
وبالطبع بدأت الصحافة المصرية في الهجوم على المسلسلات المصرية والحديث عن تفوق الدراما السورية بشكل فيه الكثير من المبالغة، كانت أول تلك المبالغة هي الحديث عن أن سر التفوق هو في طريقة التصوير، حيث قالوا إن المسلسل السوري يتم تصويره بطريقة أفلام السينما “بكاميرا واحدة”، ولكن نحن نصور مسلسلاتنا بأكثر من كاميرا وهو ما يجعلها أقل علي مستوي الصورة، ولذلك فنحن نحتاج لمخرجين سينما ليصنعوا مسلسلات مصرية أفضل.
مغالطة ذلك الطرح كانت تكمن في أمرين، أولا أن في ذلك الوقت كان الكثير من مخرجي السينما المصرية الكبار اتجهوا لصناعة المسلسلات مثل سمير سيف “أوان الورد 2000” وخيري بشارة “مسألة مبدأ 2003” ونادر جلال “الناس في كفر عسكر 2003” وعادل الأعصر “العمة نور 2003″، وجميعهم كانوا مدركين للفرق بين صناعة فيلم مدته ساعتين وصناعة مسلسل مدته 22 ساعة،
وأن الجودة الفنية ليست في الكاميرا الواحدة أو الكاميرات المتعددة ولكن في السيناريو والممثلين والديكور وغيرها، خاصة أننا اليوم نصور كل المسلسلات بأكثر من كاميرا ولا يوجد حديث عن سوء الصورة أو قلة الجودة التقنية.
نرشح لك: رمضان 2010 “نهاية وبداية”.. صناعة المسلسلات في مصر (1)
الأمر الثاني كان في عدم إدراك طبيعة صناعة المسلسلات السورية، والتي كانت تتم في بلد لا تملك صناعة سينما بنفس شكلها في مصر، لذلك فإن طريقة تنفيذها للمسلسلات كانت تتم كما تتم الأفلام في مصر، ليس فقط بكاميرا واحدة، ولكن بعدم وجود أي تدخلات من النجوم في الاختيارات الفنية، وفي سيادة المخرج والمؤلف علي كل العناصر وكذلك في حالة لعدم وجود نجومية لأي ممثل في العملية الإنتاجية في المسلسل السوري كان يتم تسويقه بقصته ومخرجه وليس بأبطاله، والأهم هو بساطة أجور كل العاملين بما فيهم الممثلين مقارنة بما كان في مصر في تلك الفترة.
كل ذلك لا ينفي أن تصاعد تلك الموجة والتي كان دافعها الرئيسي المنافسة في البيع الخارجي للقنوات خارج مصر وسوريا، أن تحدث تلك الموجة بعض التأثير في صناعة المسلسلات في مصر، خاصة بعد ما حدث في عام “2007”.
في عام “2007” عرض مسلسل “الملك فاروق” من إخراج المخرج السوري حاتم علي وبطولة النجم السوري تيم حسن، وحقق المسلسل نجاحا كبيرا وأصبح حديث الصحافة في ذلك العام ونال العديد من الجوائز، وهو ما أعاد الصحافة للهجوم على صناع المسلسلات المصرية مرة أخرى واتهامها بالتراجع أمام الدراما السورية ومسلسلات مثل “باب الحارة وملوك الطوائف” وغيرها، تذكر جيدا أن ذلك الهجوم لم يكن من الجمهور الذي كان يتابع في نفس العام مسلسل “يتربى في عزو” ليحي الفخراني ويبكي على وفاة ماما نونا، وكذلك مسلسل “الدالي” لنور الشريف و”أنا سعد الدالي..أنت مين”.
ولكن ما حدث في الملك فاروق، كان له صدى في الصناعة، حيث بدأ المنتجون في مصر بمحاولة عمل خلطة جديدة لدعم تسويق المسلسل المصري خارجيا، فبعد أن بدأ الأمر بجذب ممثلين سوريين لأعمال مصرية مثل جمال سليمان وسولاف فواخرجي في الأعوام السابقة، فأن عام 2008 شهد وجود 4 مخرجين سوريين في أعمال مصرية هم محمد عزيزية في “إيد أمينة” ورشا شربتجي في “شرف فتح الباب” وباسل الخطيب في “جمال عبد الناصر” وزهير قنوع في “طيارة ورق” وكذلك المخرج التونسي شوقي الماجري الذي حقق نجاحا في الدراما السورية ليخرج في نفس العام مسلسل “اسمهان”.
لم يحقق أي من تلك الأعمال النجاح الذي حققه مسلسل “الملك فاروق” لـ حاتم علي، ولم يكمل الكثير من المخرجين السوريين تجربتهم في مصر، حتى من جاءوا بعد ذلك عادوا ليكملوا مشروعهم الفني في سوريا ولبنان، بل وسيعود حاتم علي للإخراج في مصر عام 2017 بعد عشر سنوات (باستبعاد بعض الأعمال التي أشرف عليها).
وهو ما سيعود بنا لنفس السؤال، هل كانت أزمة المسلسل المصري في المخرج أو التصوير بكاميرا واحدة أم تفاصيل أخرى كثيرة أهمها هي تراجع الاهتمام بالنص والسيناريو، وكذلك حالة نجم الشباك التي سيطرت على النجوم وأجورهم وتدخلاتهم الفنية، وكذلك تدخل الوكالات الإعلانية في الاختيارات الفنية وبعد مرور كل تلك السنوات لا يمكن إنكار أن شعور صناع المسلسلات في مصر بالخطر من المسلسلات السورية وتهديدها لتسويق المسلسل المصري خارجا، كان دافعا للتطوير والبحث في سبل تطوير الصناعة، وبالرغم من مبالغة الصحافة في الهجوم على المسلسلات المصرية، إلا أنه كان هناك جزء من الحقيقة، وهي أن المسلسل المصري كان يحتاج فعليا أن يتطور تقنيا في طريقة التعامل والسرد البصري، خاصة مع التطور الكبير في تقنيات التصوير وظهور معدات حديثة، وكذلك مع انتشار القنوات الفضائية وتوسع الإنترنت في مصر أصبح الجمهور المصري يتعرض لمسلسلات أجنبية، وكذلك انتشار الدراما التركية المدبلجة في كل القنوات.
والأهم كان التطور في شكل السيناريوهات والموضوعات وطريقة تناولها، كل ذلك دفع صناعة المسلسلات المصرية أن تدخل في صراع حول التطور، لتأتي النقلة الأهم في صناعة المسلسلات في عام 2010 بمسلسل مصري.. لمخرج مصري.. وللحديث بقية.
نرشح لك: يحيى الفخراني – يسرا “معايير قياسية”.. صناعة المسلسلات في مصر (2)