فاطمة خير
إخترت أن أكتب عن الشخصيات النسائية داخل الأعمال الدرامية، لا عن الممثلات اللاتي أدينها، لكنني عندما بدأت أكتب عنهن في الأعمال الرمضانية، لم أستطع سوى أن أتوقف أمام شخصية حقيقية، ليست بطلة في مسلسل، أو ممثلة تؤدي دورها بتميز؛ فقد استوقفتني فنانة حقيقية استطاعت أن تجعل الشخصيات النسائية في أعمالها الدرامية محورية، سواء بطلة العمل أو باقي الممثلات المشاركات، دون أي مبالغة درامية، فقط جعلتهن شخصيات حقيقية من لحمٍ ودم، غير نمطيات، احتفت بتفاصيلهن، وكأنها صنعتها “بروقان بال”، على مهل كما تُصنَع القهوة التي “تعدل المزاج”.
كاملة أبو ذكري..المخرجة المتميزة، هي بطلة حلقة اليوم من نساء رمضان، هكذا أقدم لها التحية على مسلسلها الممتع “بـ100 وش”، توافرت للمسلسل عناصر النجاح من كتابة وتمثيل وموسيقى..وإخراج، وما يهمني هنا هو العناية الفائقة التي قدمتها المخرجة للشخصيات النسائية..كعادتها، كان يمكن أن تكتفي بإبراز بطلة العمل، وهي نجمة كبيرة وجميلة وتتقاسم البطولة مع الفنان آسر ياسين، ولم يكن سينتبه أحد، لكن كاملة بذائقتها الخاصة، وبولائها الواضح لتقديم تفاصيل حياة النساء، أعطت لكل شخصية نسائية ظهرت في المسلسل حقها كاملاً.
برغم أن نيللي كريم هي البطلة إلا أن صديقتها رضوى، بدت في حالة متألقة ليس باعتبارها صديقة البطلة/السنيدة كعادة الأعمال الفنية، ولكن باعتبارها ممثلة تؤدي دورا له أبعاده، وليس هذا بسبب أنها لم تكن المشاركة الأولى للفنانة زينب غريب مع كاملة، فولاء المخرجة هنا واضح للشخصية الدرامية نفسها، صحيح أن هذا لن يأتِ سوى من مخرجة تحب ممثلي أعمالها وتشعر بالسئولية نحوهم؛ لكن ولائها الأوضح هو للشخصية الدرامية نفسها، وخاصةً إذا كانت لامرأة، ومن هنا جاءت رضوى شخصية مكتملة الحضور لم تختفِ خلف أضواء النجمة البطلة، فجاءت شريكتها (وليست سنيدة كعادة صديقة البطلة) في مشاهدهما معا بحضور واثق يحتاج للموهبة ولإيمان المخرج به أيضا.
وفي الوقت نفسه نجد رضوى “اللهلوبة” و”الفرفوشة” أيضا، ابنة البيئة الشعبية بتفاصيل المظهر وطريقة الكلام وأيضا الجدعنة، سواء في دعم صديقتها، أو مساندة خالها السكير، أو جرأتها في المشاركة في عمل إجرامي يحتاج للثبات الانفعالي، وقدرتها على تهدئة الأجواء إذا ساد التوتر.
الأمر نفسه نستطيع تمييزه بسهولة مع شخصية الممرضة نجلاء أو الفنانة دنيا ماهر، كاملة هي أستاذة التفاصيل، لكن من يهتم بالتفاصيل لشخصية نسائية لغير أدوار البطولة؟ غالبا.. لا أحد. نجلاء الممرضة نموذج مثالي لامرأة وحيدة، يتيمة، حبيسة فيلا تعمل فيها ولا يسأل عنها أحد، حتى الرجل الذي تقوم بتمريضه فقد القدرة على الكلام منذ سنوات، ولا أحد لديها لتتبادل معه أي حوار سوى عمال الديليفري، فتسبب لهم الصداع بحديثها المتسارع غير المرتب، تعويضا عن ساعات الوحدة الطويلة، تفاصيل الملابس، وجهها بلا ماكياج، شعرها غير المرتب، وجهها الخالي من العواطف، خوفها الذي يقف على عتبة الباب فيظهر عند أول موقف، رغبتها الشديدة أن تكون جزءا من مجموع بمجرد أن واتتها الفرصة حتى لو مع عصابة فتندفع دون تردد، وكل ذلك لا ينفي ذكائها الفطري.
على الجانب الآخر نجد ماجي أو الفنانة علا رشدي صديقة البطل، الجدعة أيضا، والجريئة جدا، القادرة على الاستمتاع بوقتها في أصعب الأجواء، والمخاطرة حبا في المخاطرة، والفنانة الموهوبة أيضا في الخدع وتغيير الملامح، الفوضوية التي تعيش اللحظة، و”الكسيبة” التي تطمح في المزيد حتى لو شاركت في عمل إجرامي، والفتاة القادمة من شريحة اجتماعية مختلفة تماما عن سكر ورضوى ونجلاء، هي فعلا مختلفة في كل تفاصيلها، مظهرها وطريقة كلامها، مزاجيتها، ربما يبدو أن هذا منطقي، لكن في الحقيقة فإن أغلب الأعمال الدرامية تقدم ممثلاتها “مية واحدة” تقريبا نفس المكياج والشعر، لكن كاملة تعرف جيدا كيف تجعل كل ممثلة في المسلسل مستقلة تماما بتفاصيلها، وتشبه امرأة أو فتاة قابلتها بالفعل في الحياة الواقعية، وكأنها تدخر التفاصيل يوميا للحظة صناعتها على الشاشة.
تتقن كاملة أبو ذكري قيادة فريق العمل بتوازن وتناغم، كمايسترو يرى جميع عازفيه، أو .. كرئيس عصابة تستهدف سرقة مليونية، لكن المؤكد أن قدرتها على قيادة العناصر النسائية واضحة للعيان، عن سبق إصرار وترصد، وعن حب ، وعن إيمان بوجود النساء على أرض الواقع، وغيابهن المنصف عن شاشة لا تؤمن بهن إلا كأدوات أو سنيدة، ولهذا فأنا أنحاز لها أيضا عن حب وتقدير وامتنان.