“المستني الفرصة تجيله يقعد مستني على طول”، بهذه الكلمات يبدأ عمر طاهر كلمات تتر مسلسله الإذاعي الجديد الذي يبث عبر إذاعات راديو النيل، يوميا طوال شهر رمضان، في تمام الخامسة مساء.
المسلسل بطولة مصطفى خاطر، ومي كساب، وإنعام سالوسة، وسامي مغاوري، وعبد الله مشرف، تأليف عمر طاهر، وإخراج خالد الشوربجي، وتدور أحداثه حول لاعب كرة قدم في الدرجة الثانية، كان في يوم من الأيام زميلا لمحمد صلاح، لكن الظروف جعلته “محلك سر”، وتقوم بمراسلة “صلاح” ليحكي له حكايته ويومياته.
كوميديا اجتماعية بدون أفورة المسلسل يمكن تصنيفه اجتماعي كوميدي، حيث يرصد كثيرا من الظواهر الاجتماعية التي باتت طاغية على ملامح الحياة المصرية، في قالب كوميدي، لكن الكوميديا التي تقدم ليست مفتلعة أو دخيلة على الأحداث، لكنها تعتمد على الموقف، بعيدا عن الإيفيهات المستهلكة.
وأعتقد أن اختيار مصطفى خاطر للدور ساعد كثيرا في تحقيق ذلك، فهو الأكثر موهبة في أبناء جيله، في المزج بين الكوميدي والتراجيدي، ونجح في ذلك في العديد في الأدوار والتي من أبرزها دوره في فيلم “حرب كرموز”.
بين الواقع والخيال حين تقرأ لكتابات عمر طاهر، سواء في الشعر أو المقال أو الأدب، تجد نفسك في حالة من البهجة لا تعلم مصدرها، تشعر أنه يتحدث عنك تحديدا يكتب عن تفاصيلك أنت، لديه قدره عبقرية على المزج بين خيال الكاتب وحبكته وبين الواقع وما يدور من حولك أو ما مررت به، وهو ما نجح في تقديمه في “دفعة محمد صلاح”.
فبالرغم من أن القصة من تأليفه إلا أنه بالتأكيد هناك زملاء لمحمد صلاح لا زالوا “محلك سر” لظروف مختلفة، وبالتأكيد يفكر كل منهم عن سبب عدم تحيق الحلم أو حتى أخذ خطوات جادة وكبيرة نحوه.
الجميل في المسلسل أنه ينقل لك هذه المشاعر.. مشاعر إنسان يرى زميله نجما يناطح كبار لاعبي كرة القدم في العالم، وقدوة للشباب في مختلف بقاع الأرض، وهو لا زال غارقا في حياته وظروفه التي فرضت عليه. مشاعر أن تكتب لشخص تعلم تمام العلم أنه لن يرى ما تكتبه، وتصر أن تشاركه تفاصيل يومك، فعلى الرغم من أن المسلسل ذو طابع كوميدي لكنه ينقل عبر طياته واقعا يعيشه آلاف الشباب، بين الظروف ومشاكل الحياة اليومية، وبين أحلام لا زالت تراوضهم.
صوت أيمن الكاشف سواء كنت متابعا لكرة القدم أم لا، فتشعر بحالة من الفرحة حين تستمع إلى مقدمة حلقات المسلسل بصوت المعلق الكروي الشهير أيمن الكاشف، والذي يقدم أسماء فريق عمل المسلسل بطريقته المعروفة، ليس فقط بسبب طول فترة توقف النشاط الرياضي بسبب تداعيات انتشار جائحة كورونا، لكن لأن صوت “الكاشف” يضفي حالة من الأجواء الكروية المبهجة، والتي يحتاج إليها المسلسل الذي يتحكي عن لاعب كرة قدم بالأساس.
عالم مواز من النوستالجيا لا تخلو حلقات “دفعة محمد صلاح” من جرعة النوستالجيا التي اعتاد عمر طاهر أن يقدمها خلال أعماله، سواء من خلال الأغانية القديمة التي تعرض في الخلفية مثل أغنية “شبابيك” لمحمد منير، أو صوت الراديو بأغاني عبد الوهاب ومحمد قنديل وغيرهم من نجوم زمن الفن القديم، أو من خلال الحديث عن عادات مصرية أصيلة، أو المقارن بين طباع الناس زمان وما نحن عليه الآن، مما يزيد من شعور المستمع بحالة من الحنين للماضي.
رسائل غير مباشرة ينقد المسلسل العديد من الظواهر السلبية التي يعاني منها الشعب المصري في السنوات الأخيرة، لكن بطريقة غير مباشرة، كالحديث عن الفيس بوك ومدى تحكمه في حياة الكثيرين وما يترتب عليه من تباعد اجتماعي، كذلك حلول البعض غير المشروعة لمواجهة ارتفاع الأسعار مثل سرقة التيار الكهربائي أو استغلال طيبة وكرم الغير، وغيرها من الظواهر التي قد يغفل البعض عن مدى قبحها وما يترتب عليها من آثار، والجميل أن هذه الرسائل تقدم بشكل ساخر وطريف.
ثلاثي متناغم
يقدم مصطفى خاطر ومي كساب وإنعام سالوسة، ثلاثي متميز ومتناغم طوال حلقات المسلسل الإذاعي، فتشعر معهم أنك تشاهد أسرة مصرية حقيقية بتعبيراتها ومشاكلها وردود أفعالها.
فوجود إنعام سالوسة بصوتها المميز وآدائها الرائع لدور الأم التي ترغب في التحكم في كل تفصيلة بحياة ابنها، وخبرتها الكبيرة في التمثيل قدرتها العالية على التحكم في آدائها الصوتي، أضفى على المسلسل روحا وألقا كبيرا.
كما أن خبرة مي كساب وتقديمها للكثير من المسلسلات الإذاعية، وما تعطيه لأي عمل تشارك فيه من بهجة سواء من خلال صوتها الدافئ وأغانيها المبهجة، أو آدائها المميز وخفة ظلها جعل الدويتو بينها وبين مصطفى خاطر رائعا وأكثر حميمية، فهي الزوجة التي تستوعب زوجها وتتفهم ما يمر به وتحفزه على تخطي ظروفه وتحقيق أحلامه.