محمد الحلواني
كشفت تغطية الأبحاث والمحادثات بين الأطباء والعلماء عن مآزق كبيرة تتعرض لها الصحافة العلمية. وذكرت مجلة Slate الأمريكية أن البحث العلمي يسير في استكشاف خصائص فيروس كورونا بسرعة مذهلة تسبب بعض الارتباك لتقارير وسائل الإعلام التي تسعى جاهدة لمواكبة كل جديد؛ فالجميع متعطشون للانجازات والعلاج والبيانات الجديدة – أي شيء قد يمنحنا نظرة ثاقبة حول كيفية إيجاد طريقنا للخروج من هذه الأزمة.
وخلال الأشهر القليلة الأولى من الوباء، انتشرت المعلومات المضللة انتشارًا فيروسيًا من عدة مصادر: قد يكون الأصل عبارة عن دراسة معيبة، أو مقال إخباري يتطرق لنتائج جديدة لم تخضع بعد للتدقيق أو قبل النشر لمراجعة الأقران.
وأولت المجلة الأمريكية اهتمامًا كبيرًا بنشر سلسلة من المقالات والدراسات بهدف تفكيك عدد من المقالات المضللة – والأهم من ذلك ـ التحذير من مشاركتها.
أولا: نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز يوم الثلاثاء الماضي مقالا حول تحليل جديد من باحثين في مختبر لوس ألاموس الوطني. كان العنوان الأصلي مثيرا إلى حدٍ كبير: “ظهور فيروس كورونا المتحول، وهو معدٍ أكثر من الفيروس الأصلي، كما تدعي الدراسة”.
ومنذ ذلك الحين، غيرت صحيفة ذا تايمز هذا العنوان لتقول: “علماء: السلالة المنتشرة الآن من فيروس كورونا تبدو أكثر عدوى من الفيروس الأصلي”.
وعلقت مجلة Slate قائلة: “كان التعبير المستخدم في مقال التايمز وحديثها عن فيروس كورونا “المتحول” مخيفًا ولا شك في ذلك، ففي الثقافة الشعبية، يعرق الجمهور أن المسوخ قد تنشأ عن الانسكابات الكيميائية وتسيطر على خيالهم فكرة سلاحف النينجا، أي كائنات لا تنتمي للبشر ولا تنتمي للسلاحف، ولديهم في الغالب قوى خارقة.
وتؤكد أنجيلا راسموسن، الباحثة وعالمة الفيروسات بمركز العدوى والمناعة التابع لكلية الصحة العامة بجامعة كولومبيا، عندما يتناول مقال أو فيلم أو برنامج تلفزيوني أو رواية الظروف المحيطة بجائحة، وعندما يقول أحدهم الفيروس يتحول، فإن رد فعل الجمهور المتابع عادة ما يكون توقع الجحيم، أو أننا على وشك الانهيار”، فالعنوان الذي استخدمته التايمز يندرج تحت فئة “استغلال الخوف الذي كان منتشرًا منذ بداية أزمة كورونا، ونشر الذعر من أنه قد يتطور إلى شيء أكثر فتكًا.
ونتيجة لذلك، شارك المستخدمون مقال التايمز على وسائل التواصل الاجتماعي، على نطاق واسع معربين عن دهشتهم أو خوفهم من أن الفيروس “يزداد سوءًا”. في بعض الحالات، يشير الناس إلى المقال على أنه دليل على أن إعادة فتح المرافق أو عودة الحياة لطبيعتها فكرة سيئة.
تابعت مجلة Slate: “دعونا نلقي نظرة فاحصة على ما ذكره مقال التايمز وما تدعي الدراسة التي قام على أساسها، وما الذي يجب أن يأخذه الجمهور بالفعل منه. نعم، لقد تحور فيروس كورونا – وسوف يستمر في التحور، كما تفعل جميع الفيروسات والكائنات الحية وخاصة الكائنات الدقيقة – ولكن هذه الطفرات ليست مخيفة أو سيئة كما قد يتوهم القارئ ولا تغير بالضرورة كيفية عمل الفيروس. والفيروسات مثل SARS-CoV-2 التي تحتوي على المادة RNA كمادة جينية تتطور بشكل أسرع من الفيروسات التي تحتوي DNA، مثل التهاب الكبد B؛ وعندما يتكرر إنتاج الحمض النووي فإنه يفتقر إلى بعض القدرات الحاسمة المستخدمة في نسخ الحمض النووي، لذلك هناك طفرة تقريبًا في كل مرة يقوم الفيروس بنسخ نفسه. وتؤكد راسموسن مجددًا: “إن الطفرات في جينومات فيروسات الحمض النووي الريبي طبيعية وفي الغالب غير ملحوظة”.
قبل أن نبدأ في ما تقوله الدراسة، من المهم فهم من أين أتت. عادة، يتم نشر البحث العلمي في مجلات البحث الأكاديمي، وقبل نشره، يمر عبر إجراء علمي يعرف باسم مراجعة الأقران، حيث يقرأ الزملاء المطلعون البحث ويقدمون النقد. ولكن البحث الذي تحدثت عنه التايمز لم يخضع بعد لهذا الإجراء. بدلاً من ذلك، تم نشره على موقع ويب يسمى BioRxiv، وهو مستودع للمسودات والأبحاث الأكاديمية التي لم تعرض للنقد وفقًا للإجراء العلمي المتبع.